مسلسل تراجع قيمة الريال بدأ بعد فترة الشهيد الزعيم الحمدي
المقارنة بين الأوضاع الاقتصادية قبل العدوان وبعده غير عادلة (4)
د.هشام محمد الجنيد
شهدت فترة الشهيد الزعيم الحمدي استقراراً في قيمة العملة الوطنية ، وقد كان سعر الصرف (4.56) ريال لكل دولار أمريكي ، ليبدأ مسلسل تراجع قيمة الريال على إثر تطبيق برنامج التكييف الاقتصادي لصندوق النقد الدولي خلال الفترة من (1983م – 1986م) ، واستمرت قيمته تتراجع ووصلت إلى (214,89) ريال لكل دولار في العامين 2013م و2014م، وتعزى أسباب مسلسل تراجع قيمة الريال أمام العملات الأجنبية إلى نقطتين رئيسيتين هما: الأولى: غياب عدالة النظام السياسي عن تنفيذ مسؤولياته الدينية والوطنية (التخلي عن اتباع سبيل الهدى)، والثانية : اتباع تلك القيادات توجيهات الأنظمة الرأسمالية العدوانية وتطبيقها برامج الصندوق والبنك الدوليين (اتباع سبل الضلال)، قال الله تعالى في سورة الأنعام (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الآية (153).
لقد ترتبت على سوء التدبير الاقتصادي والمالي في عهد النظام السياسي الظالم (السابق) ، مستويات رديئة ومتدنية طيلة فترة النظام في الأوضاع التالية : تدني مستوى الناتج المحلي الإجمالي ، إذ تراوح سنويا خلال الفترة على سبيل المثال من 2007م إلى 2011م بمعدل (تريليونين و557 ملياراً و898 مليون ريال) تقريبا ، أي ما يعادل (12 ملياراً و357 مليون دولار) تقريبا، ومعدل نموه سنويا ضعيف، على سبيل المثال كان بحدود معدل (3. 7%) خلال الفترة من 2007م إلى 2010م وفقا للنشرة الإحصائية لوزارة المالية للعام 2014م ، وحجم النفقات العامة للعام المالي 2010م بلغ في حدود (9 مليارات و600 مليون دولار) ، وهو حجم زهيد جدا ، حجم زهيد لدولة سكانها قرابة (30) مليون نسمة وربما أكثر ، ومواردها الطبيعية غنية، وإذا ما قورن مثل هذا الحجم الإنفاقي العام للدولة الهزيل مع حجم نفقات شركة ما – ليست مصنفة من كبار الشركات – في أية دولة صناعية ، سوف نلاحظ أن حجم الإنفاق العام للدولة ضعيف. ومثل هذا الحجم الإنفاقي الزهيد ، هو رقم واضح يدل على محاربة قيادة الدولة التنمية الوطنية والاقتصادية ، إذ أن هذه الأخيرة بلغ حجمها في المتوسط السنوي من إجمالي الإنفاق العام في حدود ما بين (7 %) إلى (9 %) ، فكيف يمكن لمثل هذا الحجم الإنفاقي الاستثماري الهزيل من إجمالي إنفاق عام زهيد أن تقوم الدولة – بافتراض وجود خطط وطنية – بتمويل برامج ومشاريع تنموية واستثمارية تؤدي فقط على المدى المتوسط وليس البعيد إلى زيادة النمو الاقتصادي وإلى تحسين قاعدة الصادرات الوطنية وإلى زيادة احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية التي يترتب عليها رفع مستوى المعيشة ورفع قيمة الريال والقدرة الشرائية ؟.
إن غياب الاستقلال في القرار الاقتصادي والمالي ، وغياب المسؤولية الوطنية (الإرادة الصادقة والمخلصة) لدى قيادة النظام السابق في بناء المشروع الوطني ، واتباعها توجيهات الأنظمة العدوانية في تدبير الشأن الاقتصادي والمالي ، أدى إلى عجز مزمن في الميزانية العامة ، عجز مزمن في الميزان التجاري ، انخفاض دخل الفرد ، ارتفاع التكلفة الاجتماعية (عجز حاد في التوازنات الاجتماعية) ، تدنٍ حاد في احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، ويمكن بسهولة التحقق من صحة تلك المعطيات الاقتصادية والمالية المتدهورة من خلال ضعف القدرة الشرائية للمواطنين ومن خلال ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية قياسا بالعملات الأجنبية كمرآة حقيقية لاقتصاد ضعيف ، لا يعكس الثروات الطبيعية المستغلة ، نظرا لاستشراء الفساد المالي والإداري، لقد ترتبت على تلك المسارات اللاوطنية الناتجة عن قيادة غير وطنية، أوضاع اقتصادية ومالية سيئة ، لقد كانت على إثر مسلسل مدروس ومخطط له إلى أن وصلت قيمة العملة في العام 2013م والعام 2014م إلى (214.89) ريال مقابل واحد دولار أمريكي.
وبمعزل عن الثروات الطبيعية التي يمتلكها اليمن، كان يفترض بالنظر فقط إلى الثروات المستغلة وإلى الإيرادات التي يجب تحصيلها ، كان يفترض وجود توازن اقتصادي كنتاج للنشاط الاقتصادي الذي كان يفترض أن تقوم به الدولة وبمشاركة الفاعلين الاقتصاديين من مكونات القطاع الخاص والمختلط في عمليات البناء والتنمية ، بحيث يفضي إلى تحسين الناتج المحلي الإجمالي وانتعاش التنمية الاقتصادية ، ويفضي إلى تقليص أو إنهاء العجوزات المالية السنوية وتحسين مستوى الدخل الفردي ، وبالتالي ارتفاع القدرة الشرائية وقيمة العملة الوطنية أمام أسعار العملات الأجنبية كامتداد طبيعي لمستوى الاقتصاد الوطني، ولماذا لم تتوفر هذه المعطيات والأوضاع الإيجابية ؟، نظرا لغياب قيادة مخلصة ووطنية، ولذلك عندما كان سعر صرف الدولار الأمريكي يساوي (4.56) ريال في فترة الشهيد الحمدي ، فإن السبب الرئيسي يعزى إلى وجود قيادة وطنية مخلصة (هذا هو جوهر الموضوع)، ومسار التوجه الاقتصادي الوطني في تلك الفترة ، كان حتما سيفضي إلى تقليص فارق سعر الصرف بين الريال والدولار ، إن لم يتساو معه ، أو تصبح قيمة الريال أقوى من الدولار في سعر الصرف ، رغم أنه في تلك الفترة القصيرة لم تستغل الدولة موارد النفط والغاز، وعلى هذا الأساس ، كان يفترض ألاّ يقل سعر صرف العملة الوطنية في العام 2014م، عن قيمة الدولار إن لم يكن أقوى منه في سعر الصرف ، وكان يفترض أيضا أن يكون احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي عشرات التريليونات وبالعملة الأجنبية ، وليس الأمر هنا مبالغا فيه بالنظر إلى ما يمتلك اليمن من ثروات مقارنة مع الدول الخليجية التي لديها هذه الاحتياطيات ومواردها الطبيعية لا تضاهي موارد اليمن الطبيعية من حيث الموارد الزراعية وتنوع المناخ ، والمياه الجوفية ، وأنواع المعادن والأحجار ، والثروة النفطية والغازية ، والثروة السمكية والحيوانية ، وحركة ونشاط القوى العاملة ، ناهيك عن الكوادر العلمية والمهنية والفنية ، ومستويات الإبداعات المتنوعة والمهارات والقدرات الإنتاجية لليمنيين وطموحاتهم وتطلعاتهم ، وغيرها من العوامل، فاليمن في نهاية المطاف يتسلسل من حضارة عريقة يشهد لها التاريخ.
لقد مثلت الأوضاع الاقتصادية والمالية الرديئة الموروثة من النظام السياسي الظالم (السابق) ، أحد الأسباب الرئيسية لقيام الثورة السبتمبرية العظمى في 21 / 9 / 2014م بإعلان اليمن الاستقلال في القرار السياسي، والغاية في الأساس هي لبناء دولة عادلة وقوية وعلى أساس مفهوم ولاية الأمر وفق مضمون النصوص القرآنية المتعلقة بها ، دولة تتبع سبيل الرشد في تأدية مسؤولياتها الإسلامية والوطنية في مختلف المجالات ، وعلى أساس تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتحقيق الخير ، وخلاصة هذا التوجه الوطني أنه يصنع في نهاية المطاف اقتصاداً وطنياً قوياً ، وهو ما يعني تحسين مستوى المعيشة وارتفاع القدرة الشرائية لعامة المواطنين وتقوية قيمة العملة الوطنية، ومن العوامل اللازمة أيضا لبناء القوة الشاملة للدولة والتصدي لمخططات أنظمة الدول الرأسمالية العدوانية أن تكون قوة الدولة الشاملة قائمة على أساس التعاون والتكامل الاقتصادي والعلمي والعسكري وغيره مع أنظمة الشعوب الإسلامية في إطار وحدة الأمة الإسلامية.
إذن استقلال اليمن كان واجبا دينيا ووطنيا ، وكان مسألة حتمية لا بد منها ، لحماية اليمن وأهله من غزو الأنظمة الرأسمالية العدوانية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ونظام بني سعود ، ولقطع تدخلها في الشأن العام اليمني، وأمر طبيعي في ظل العدوان والحصار والحرب الاقتصادية أن ترتفع حدة الأزمة الاقتصادية والمالية، لطالما تزامن ذلك مع وضع اقتصادي ومالي رديء للغاية وموروث من النظام السابق، وهذا الوضع الاقتصادي الضعيف هو الأساس وإلى حدود كبيرة في ارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية والمالية إلى هذه المستويات، ولذلك فالحرب الدفاعية التي تخوضها قيادة الدولة وبسالة إخواننا المجاهدين أبطال الجيش واللجان الشعبية بقيادة العلم المجاهد قائد الثورة السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي سلام الله عليه ، إنما تهدف إلى سلامة الدين وإلى التوجه نحو بناء مشروع الدولة الوطني، ولن يكون إلا بقطع تدخلات تلك الأنظمة الرأسمالية السافرة في الشأن العام اليمني الاقتصادي والمالي وغيره، وهذا التوجه هو الذي سيفضي إلى جعل الشعب اليمني يعيش حرا ، قويا ، عزيزا ، كريما، ما يتوجب التوجه للنفير العام للجهاد في سبيل الله ، ويتوجب تحمل معاناة الحرب والحصار بالعزيمة والصبر ، فمتى يكون الصبر ؟، ولماذا أورد الله تعالى الصبر في القرآن الكريم ؟، هل يمكن تحقيق النصر بمعزل عن الصبر ؟، هل يمكن عزل الجهاد في سبيل الله عن الصبر ؟، هل يمكن تحقيق النصر دون تضحيات ومعاناة وأذى ؟.
ومن هذا المنطلق ، لا يجوز المقارنة بين الأوضاع الاقتصادية والمالية قبل العدوان وفي ظل ظروف العدوان والحصار والحرب الاقتصادية ، فذلك ليس أمرا عادلا، والمواطن الحليم يدرك أن شن العدوان السعودي الأمريكي وحلفائه الحرب على بلادنا ، هو لبقاء اليمن بلداً تابعاً، ولبقاء الشعب اليمني فقيراً، ولخوف هذا العدوان السافر من سير قيادة اليمن الحكيمة على منهجية ولاية الأمر وفق مضمون النصوص القرآنية ، وما سيترتب على ذلك من دولة إسلامية يمنية مستقلة ، عادلة ، وذات اقتصاد قوي وعملة قوية ، شعب حر ، عزيز ، أبي ، شعب ينعم بثرواته بناء على أسس وضوابط عادلة، شعب يطيع قائداً حكيماً، قائد يتبع منهجية الصراط المستقيم لسلامة الدين ونصرته محليا وإقليميا ودوليا.
ويستنتج من ذلك ، كلما كان النظام السياسي مستقلا ومخلصا ، كلما كان الاقتصاد الوطني قويا قياسا بحجم ثروات البلاد المستغلة ، وقياسا بعزيمة وجدية التوجه التنموي ومجالاته ، وقياسا بمستوى الأداء ، ويترافق مع مخرجات التوجه التنموي والاقتصادي ارتقاء مستوى المعيشة وتحسين القدرة الشرائية لعامة الشعب وكذا مستوى قيمة العملة ، فقيمة العملة هي مرآة لمدى قوة الاقتصاد الوطني من ضعفه، إذن قوة الاقتصاد الوطني أمر مرهون بإخلاص عناصر قيادة النظام السياسي في تأدية واجباتهم ومسؤولياتهم الوطنية ، وهو من أهم شروط نظام الولاية، فغيابه في فترة النظام الظالم ، هو الذي أدى إلى الذل والضعف والفقر ووصول قيمة الريال إلى مستويات ضعيفة وفق مسلسل مخطط له، وبالتالي فإن تراجع قيمة الريال بعد هذا المستوى (214.89) ريال لكل دولار في ظل فترة العدوان والحصار والحرب الاقتصادية ، لا يكون على أساس تراجع بمقدار ريال ثم بعد فترة ريال وكم فلس أو ريالين ، بل يكون التراجع بمقدار خمسة إلى عشرة إلى عشرين ريالاً إلى خمسين إلى مائة إلى مائتين إلى ثلاثمائة ريال، وهذا ما حدث خلال فترة الحرب، بمعنى أن تناقص قيمة العملة يكون بشكل مطرد ومرتفع ، لأن قيمة الريال اليمني قد أصبحت بفعل ضعف الاقتصاد المزمن ضعيفة، وضعف الاقتصاد الوطني والعملة كان نتاجا لمخططات العدوان وتحت سقف النظام السياسي ، ليتزامن مع ما يسمى بالربيع العربي بإشعال الحرب والفتنة في المنطقة ، وإشعال الفتنة الطائفية والمذهبية والمناطقية في بلادنا ، ليسهل في هذه المرحلة وفق حسابات العدوان تحويل اليمن من دولة ضعيفة إلى دويلات – تحت مسمى الأقاليم السته – منهارة تصبح بداية من أمانة العاصمة صنعاء تحت سيطرة الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة، وقد أطفأ الله تعالى هذا المخطط الشيطاني رحمة منه ، ثم بفضل قيادة اليمن الحكيمة.
لقد استطاع أعداء الإسلام أن يصلوا بمستويات الأوضاع الاقتصادية والمالية إلى مستويات متباينة وغير قوية لكثير من الشعوب الإسلامية، وقد كانت بوصلة أعداء الإسلام مركزة أكثر تجاه اليمن ، لما لها من أهمية تاريخية ودور تاريخي في إنهاء العلو الأول لبني اسرائيل ، ولما لها من دور قادم، دور جهادي في سبيل الله لنصرة الإسلام وإنهاء العلو الثاني والأخير لبني إسرائيل ، وبإذن الله نستمر في الإخلاص والإحسان بالجهاد في سبيل الله بقيادة قائد الثورة، وبناءً على ذلك ، فقد كانت مخططات الأعداء على اليمن شاملة ، لإضعافه في كل عوامل القوة ، وكان التركيز أكثر على الشأن الديني والاقتصادي، وسبيل الأعداء للسيطرة على الشأن العام اليمني كان من خلال البوابة السياسية ، من خلال المنافقين في السلطة ، فجعلوا الاقتصاد الوطني في وتيرة مغلقة ، ومعه كانت قيمة الريال تضعف تدريجيا من بعد نهاية فترة الشهيد الرئيس الحمدي عندما كان سعر الصرف (4.56) ريال لكل دولار أمريكي إلى أن وصل إلى (214.89) ريال لكل دولار في عامي 2013م و 2014م، والوصول إلى هذه المستويات والأوضاع هو نتيجة طبيعية، لأننا لم نتحرك بحركة القرآن الكريم في مواجهة أعداء الإسلام ، لم نتعامل مع الأعداء كما يجب معاملتهم بما وصفهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، فعدم معرفة كيفية التعامل مع اليهود الأعداء ، يجعلهم أقوياء ، ويجعلنا أمامهم ضعفاء ، بينما معرفة مخططات اليهود من منطلق الإيمان بالله، ذلك الإيمان العملي وعلى أساس هدى الله ، يجعلنا أقوياء أمامهم ، ويجعلنا نعرف ما يخططون له.
إذن علينا أن نلتزم بنفس المسار والتوجه الذي رسمه رمز الإسلام الشجاع ومؤسس المسيرة القرآنية الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، علينا أن نتحصن بثقافة القرآن الكريم كمنهج شامل ، وكمنهج يهدينا إلى كيفية التعامل مع الأعداء، فالابتعاد عن السير وفق الدستور الإلهي ، هو الذي جعلهم يصلون بنا إلى هذه الأوضاع التي نعيشها، فكلما رجعنا إلى القرآن الكريم ، كلما كان العدو ضعيفا أمامنا، ويترتب على ذلك الحرية والاستقلال والعزة ورفع مستوى المعيشة والقوة الشرائية وارتفاع مستوى قيمة العملة من خلال قوة الاقتصاد الوطني ، والعكس صحيح، والله ولي النصر والتوفيق.
نسأل الله أن ينصر مجاهدينا أبطال الجيش واللجان الشعبية على أعداء الإسلام والوطن والإنسانية ، إنه سميع الدعاء.