الربيع والثورة المضادة
عبدالله الأحمدي
في العام 2011م كانت اجهزة الاستخبارات، ومعاهد الرصد الامريكية والغربية تتوقع انتفاضات عارمة تقتلع انظمة التبعية الغربية في المنطقة العربية.
وكانت الأوضاع قد وصلت الى درجة عالية من الاحتقان السياسي، وكان الفساد قد بلغ أشده بما لا يطاق. اما الإفقار فقد أدى بالمواطنين الى الاقتيات من براميل القمامة في الوقت الذي كانت فيه العائلات الحاكمة تكدس المليارات في بنوك الغرب الامبريالية. وكان انتحار المواطن التونسي بو عزيزي حرقا امام العالم علامة احتجاج على سوء الأوضاع المعيشية المحبطة إيذانا بالثورة.
لم تكن المخابرات الامريكية تتوقع ان تنفجر الأوضاع في تونس، فهي كانت تركز جل اهتمامها على مصر ذات الكثافة السكانية والقريبة من الكيان الصهيوني الذي اصطنعه الغرب كمفرزة متقدمة لمشاريعه العدوانية.
الثورة التونسية فاجأت الغرب، وهروب “بن علي” أكبر عميل للاستخبارات الامريكية، سارع بنقل رياح الثورة الى مصر.
وضعت المخابرات الامريكية الكاميرات في كل شارع لمراقبة حركة الثوار، كما جندت كل القنوات والوسائط الإعلامية لمتابعة كل صغيرة وكبيرة في الشارع الثوري. وبعد فشل أدوات القمع، والتأكد من نجاح الثورة الشعبية في مصر، وانتقال رياح الثورة الى باقي الدول العربية استدعت الامبريالية أدواتها في الداخل والخارج لاحتواء الثورة وحرف مسارها.
كان الثوار في المعظم شباباً، وعاطلين عن العمل، والكثير منهم لم يكن لهم انتماءات سياسية او حزبية.
ضمن الأدوات في مصر نزل الإخوان إلى الشارع بعد اسبوعين من الحراك الثوري بعد ان تأكدوا من نجاح الثورة. وبعد ان جاءهم الأمر من أولياء النعمة في الغرب.
جاء الإخوان والسلف والقاعدة، ثم الدواعش ليس فقط في مصر، بل في كل ساحات الثورة في الوطن العربي.
حرَّك الامريكان والغرب كل أدواتهم من اسلام سياسي وعسكر وملوك وامراء ومال لإجهاض الثورات، أو حرفها أو الاستيلاء عليها باسم الثورة والثوار.
وكل هؤلاء الذين جلبتهم امريكا والغرب والشرق شكلوا ثورة مضادة للثورات الشبابية الشعبية.
في مصر تم احتواء الثورة من قبل الإسلام السياسي تحت رعاية العسكر (المجلس العسكري) والإشراف من الإمريكي.
وفي تونس كان البديل جاهزا؛ حركة النهضة، وبقايا نظام بن علي.
في اليمن قفز الاخوان الى مركب الثورة بعد اسبوع من الحراك الشبابي الشعبي الثوري، ونزل معهم القاعدة وعسكر النظام الذين قاموا بحركة التفاف على الثورة سموها انشقاق قام بها جنرال الفرقة الأولى “مشرشف” علي محسن الاحمر عسكور الشيخ.
ولم يكتف الخارج بهذا، بل صنعوا لليمن كيساً سموه المبادرة الخليجية؛ صنعته أدوات امريكا في الخليج والسعودية.
في ليبيا رمى الناتو بكل ثقله لإسقاط النظام وقتل الرئيس الليبي معمر القذافي، وجاء بالقاعدة وداعش وحفتر ليمزقوا البلد، ولم تسلم ليبيا من تدخل الأعراب من أمثال أولاد زايد وبني سعود وعسكر الفرعون معاونة للناتو وشركات نهب النفط.
نجحت امريكا ومعها الغرب في صناعة ثورة مضادة في الأقطار التي حاولت التغيير والتحرر من التبعية والاستغلال والقهر الطبقي.
صنعت داعش في العراق وسوريا، ثم شكلت حلفا غربيا لحماية داعش باسم محاربة الإرهاب، واحتلت أجزاء من العراق وسوريا، وأوكلت لدول عربية واسلامية احتلال اليمن والقضاء على ثورته.
ولكي تكتمل خارطة الثورة المضادة ضخت السعودية والامارات مليارات بالهبل لتغيير نظام الإخوان في مصر واسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي، رغم ان الرجل أبدى صداقة لإسرائيل ونعت رئيس وزرائها في إحدى رسائله بالصديق الوفي.
نجحت الامبريالية والرجعية في صناعة الثورة المضادة في المنطقة وتسييد الفوضى التي سموها خلاقة، لأنها خلقت لهم مناخات التدخل في شؤون البلدان العربية.
الهجمة كانت شرسة على سوريا واليمن وليبيا بعد تدجين النظامين المصري والتونسي.
استهدفوا سوريا لصمودها ومقاومتها وممانعتها للتطبيع، وليبيا لنفطها، واليمن لوقوعها بجانب اكبر رجعية مالية في العالم. لم تكن الهجمة من أجل وأد الثورات فحسب، بل كانت من أجل إعادة تقسيم المنطقة بما يرضي اسرائيل والغرب الامبريالي المتوحش.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: لماذا تكالب الخارج على ثورات التغيير ونجحت قوى الثورة المضادة في اجهاض مسار الثورات العربية ؟
والقراءة المنهجية في علم الثورة تقول : ان نجاح أي ثورة مرهون بشروطها الذاتية والموضوعية. والواقع ان الشروط الذاتية لم تكن كلها ناضجة. أما الشروط الموضوعية فكانت منعدمة تماما، إذ أن هذه الثورات تفجرت في ظل الهيمنة الرأسمالية والتوحش الامبريالي وغياب الحلفاء.
ولنا عودة لهذا الموضوع.