مسلسل تراجع قيمة الريال بدأ بعد فترة الشهيد الزعيم الحمدي (2)
> اعتماد الاقتصاد على النشاط والحرفية مخالفة دينية وتخلي الدولة عن دورها
د.هشام محمد الجنيد
شهدت فترة الشهيد الزعيم الحمدي استقرارا في قيمة العملة الوطنية ، وقد كان سعر الصرف : (4.56) ريال لكل دولار أمريكي ، ليبدأ مسلسل تراجع قيمة الريال على إثر تطبيق برنامج التكييف الاقتصادي لصندوق النقد الدولي خلال الفترة من (1983م – 1986م) ، واستمرت قيمته تتراجع ووصلت إلى (214.89) ريال لكل دولار في العامين 2013م و 2014م . وتعزى أسباب مسلسل تراجع قيمة الريال أمام العملات الأجنبية إلى نقطتين رئيسيتين وهما : الأولى : غياب عدالة النظام السياسي بتنفيذ مسؤولياته الدينية والوطنية (التخلي عن اتباع سبيل الهدى) . والثانية : اتباع تلك القيادات توجيهات الأنظمة الرأسمالية العدوانية وتطبيقها برامج الصندوق والبنك الدوليين (اتباع سبل الضلال) . قال الله تعالى في سورة الأنعام (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الآية (153) .
لا يمكن الحديث عن معالجة أسباب تراجع قيمة العملة الوطنية (الريال) بمعزل عن العوامل الدينية والسياسية والاقتصادية والمالية والإدارية . فهل كان يمكن تقوية قيمة الريال بشكل مستقل ودون معالجة وتصحيح التوجهات السياسية المنحرفة ؟ . أي لا يمكن رفع سعر صرف الريال إلى حدود أسعار العملات الأجنبية في ظل قيادة ولائها لأولياء الشيطان ، ولا تمتلك الإرادة المستقلة في القرار السياسي ، ولا تمتلك صفات الرحمة والصدق والإخلاص في مسؤولياتها المناطة بها . باختصار : هل كان يمكن تقوية قيمة الريال في ظل اتباع الدولة سبل الأنظمة العدوانية من إملاءات وبرامج وتوجيهات مؤسسات التمويل الدولية ؟ . يستحيل معالجة وتقوية قيمة الريال وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين بمعزل عن معالجة كافة الاختلالات في العوامل المشار إليها من جذورها ، فجميعها مترابطة وتعمل كنسق بنيوي منظم ومتكامل . وعلى هذا الأساس مثلت الأوضاع : الدينية والسياسية والاقتصادية والمالية والإدارية الرديئة الموروثة من النظام الظلامي السابق ، مثلت أحد الأسباب الرئيسة لقيام الثورة السبتمبرية العظمى لإنقاذ الشعب اليمني من ويلات المخططات الشيطانية التي أنهكت مستوى معيشته وأثرت سلبا بالحد من تطلعاته في بناء مشروع الوطني للدولة ، وعلى أساس تنفيذ الدولة مسؤولياتها في سبيل الله، وليس باتباع السبل الموجه والمفروضة من أنظمة محور الشر . لذلك كان لزاما أن نستعرض نتائج مسارات النظام السابق في مختلف المجالات ، للتحليل والتقييم ، ومعرفة أسباب الاختلالات التي أدت إلى تدن حاد لقيمة العملة الوطنية ، للوقوف على النقاط والمحطات التاريخية التي أدت إلى انزلاق اليمن في نفق مظلم من السياسات التضليلية الاقتصادية والمالية والإدارية التي أنتجت دولة ضعيفة ، أنتجت الفقر وعملت على تكريسه ، وأدت إلى تراجعات مستمرة لقيمة الريال وضرب القوة الشرائية للمواطنين وغلاء المعيشة . والغرض من نتائج التحليل والتقييم هو لإثبات تناقض مضمون السياسات الاقتصادية والمالية الموروثة من النظام السابق مع مبادئ وأسس القرآن الكريم . الأمر الذي يؤكد أن تلك السياسات كانت عملا سياسيا ممنهجا من ذات النظام لتنفيذ مخططات الدول الرأسمالية العدوانية . وهذا هو ذات الأمر الذي يجب الوقوف عليه للاستفادة من تجارب التاريخ ، بعدم موالاة هذه الأنظمة وعدم تطبيق برامج البنك والصندوق الدوليين ، وفي المقابل الرجوع إلى هدى الله ، للوصول شيئا فشيئا إلى بنية اقتصادية وطنية قوية في إطار التوجه نحو التكامل بين شعوب الأمة الإسلامية في مختلف المجالات (الخير) . ومن فوائد وحدة الأمة أنها تخلق القوة الشاملة في مختلف المجالات ، كونها الحصن المنيع من مخططات الأعداء الاقتصادية – في ظل قيادة ملتزمة بمضمون نظام الولاية – الهادفة إلى اختراق القوة الاقتصادية والمالية لشعوبها ، لإضعافها وبالتالي إضعاف مستوى معيشتها . قال الله تعالى في سورة الأنعام (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الآية (153) . لقد أمرنا الله تعالى رحمة منه في هذه الآية الكريمة أن نتبع سبيل الرشد ، لما فيه الخير في مختلف المجالات ، ومنها الاقتصادية والمالية المؤدية إلى تحسين القدرة الشرائية . وفي المقابل نهانا ووصانا الله تعالى رحمة منه من خطورة اتباع سبل الأعداء ، لما يترتب عليها من العذاب في الأخرة ، ولما يترتب عليها من أضرار في الشأن العام للأمة / للشعب ، ومنها الاقتصادية والمالية وصولا إلى تدني قيمة العملة وضرب القوة الشرائية . ومع ذلك خالفت قيادة النظام السابق باتباعها سبيل الغي ، حيث أخلصت في تنفيذها إملاءات الدول العدوانية وتنفيذها ببرنامج التكييف الهيكلي لصندوق النقد الدولي في العام 1983م ، وفي العام 1995م خضع اليمن لإكراهات مؤسسات التمويل الدولية بتطبيقه برنامج الإصلاح الهيكلي عبر ابرام اتفاق بين حكومة النظام وممثلي هذه المؤسسات ، ما أدى إلى تكريس استمرار اليمن تحت وطأة الذل والضعف والفقر ، ليصبح أكثر من نصف السكان يعيش تحت خط الفقر ، حيث وصلت قيمة العملة إلى (214.89) ريال لكل دولار في العام 2014م ، وأدى إلى تزايد انخفاض القوة الشرائية لعامة أفراد الشعب .
لقد اعتمد نظام الجمهورية اليمنية بعد الوحدة اليمنية 1990م اعتمد لناحية التوجه الاقتصادي مبدأ الحرية الاقتصادية في إطار النظام الرأسمالي . وقد كان ذلك على إثر توجيهات الأنظمة الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وتعزز هذا التوجه في مطلع شهر مارس من العام 1995م بإبرم النظام اتفاقا مع ممثلي الصندوق والبنك الدوليين لتنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي (ظاهر هذه البرامج إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية ، وباطنها تكريس الاختلالات) التي تفضي إلى تخلي الدولة تدريجيا – خلال مرحلة العشر السنوات وهي فترة تطبيق البرنامج الهيكلي – عن دورها في النشاط الاقتصادي ، على أن يقوم القطاع الخاص بمهام البناء والتنمية . وهذا الأخير لم يؤد الدور المطلوب منه ، لهيمنة فئات التجار الكبيرة مع المسئولين المتنفذين على القرار الاقتصادي . الأمر الذي يعني تشكيل جماعة الضغط التي لا ترى سوى أولوية حماية مصالحها الشخصية وعلى حساب المصلحة العامة .
إن التوجه الاقتصادي الذي سار عليه النظام السابق كان مخالفا لمبدأ التوجه الاقتصادي في الدين الإسلامي القائم على وجوب حضور الدولة والفرد (القطاع الخاص) معا في عمليات البناء والإصلاح (الأعمال الصالحة) وتحت إشراف ورقابة نظام الدولة . إذ يفترض أن لا يتعارض مضمون نصوص الدستور والقوانين مع مضمون نصوص الدستور الإلهي كبلد إسلامي . فوجه المخالفة في الدستور عن مضمون المبدأ الاقتصادي في الدين الإسلامي تبد في الفصل الثاني المتعلق بالأسس الاقتصادية من الدستور ، حيث المادة السابعة منه تضمنت أن الاقتصاد الوطني يقوم على أساس حرية النشاط . وهي إشارة واضحة إلى تخلي الدولة عن قيامها بالنشاط الاقتصادي بشكل مباشر ، وإن كانت الفقرة (ب) من المادة السابعة قد أشارت إلى التنافس المشروع بين القطاعات :العام والخاص والتعاوني والمختلط ، لكن مضمونها جاء عاما وغير محدد وموضح لناحية الاستثمار الذي تقوم به الدولة ، وهو الاستثمار العام في إطار التنمية الاقتصادية ، واكتفى الدستور في هذا الفصل بوضع ضمانات تحقق مصلحة الفرد والمجتمع . وتأكيدا لهذا التوجه المعتمد على القطاع الخاص ، يلاحظ في المادة العاشرة من الدستور المتضمنة مراعاة الدولة لحرية التجارة والاستثمار وتشجيعها رؤوس الأموال الخاصة على الاستثمار في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية (وهو ما يعني بالاستثمار الخاص) . ويلاحظ في المقابل عدم الإشارة بشكل واضح ومباشر إلى قيام الدولة بدورها التنموي والاستثماري ، أي لم يتطرق الدستور إلى وجوب قيام الدولة بالاستثمار العام ، ليبقى دور الدولة محصورا برسم السياسة الاقتصادية وعلى أساس فلسفة النظام الرأسمالي ، ورعايتها حرية التحارة ، وإصدار التشريعات التي تكفل حماية المنتجين والمستهلكين ومنع الاحتكار وغيرها من المسائل التي أضحت واقعيا لناحية تحقيق مصلحة الفرد والمجتمع ولناحية رفع مستوى معيشة الشعب أضحت مجرد أمور شكلية ليس إلا . وقد نص الدستور الإلهي في الآية الكريمة (26) من سورة ص وقول الله تعالى (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) . ومن إحدى كلمات المجاهد العلم قائد الثورة السيد / عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله بأن مفهوم في سبيل الله يعني بأنه منظومة من المبادئ والقيم والتعليمات الإلهية الفطرية الإنسانية العظيمة المقدسة . . ويستفاد من هذا المفهوم بأنه مفهوم واسع وشامل يقع على عاتق الفرد والدولة . ومسئوليات الدولة الدينية والوطنية تندرج ضمن هذا المفهوم ، ومنها رسم السياسة الاقتصادية والمالية ، وقيامها بدور النشاط الاقتصادي ، إضافة إلى رقابة مؤسساتها المعنية على مستوى أداء ونتائج نشاط القطاع الخاص .
إن فلسفة التوجه الاقتصادي الإسلامي تعني التوجه المتوازن . وعلى هذا الأساس فإن الجوانب المتعلقة بالنشاط الاقتصادي والتنموي تقوم به الدولة ومكونات القطاع الخاص معا ، أي أن القطاع هو شريك الدولة في البناء والتنمية . وهو ما يجب أن تتضمنه الخطط الاستراتيجية . ونتائج نشاط القطاع الخاص يخضع لرقابة مؤسسات الدولة المعنية . وهو الأمر الذي كان مغيبا في ظل النظام السابق ، نظرا لأنه اتبع توجيهات الدول العدوانية .
لقد ترتب على مخالفة النظام السابق مبدأ التوجه الإقتصادي الإسلامي ، أن نجحت مخططات الأعداء في إضعاف الاقتصاد الوطني وبقائه ضعيفا لعدة عقود . ومن أهم صوره عجز مزمن في الميزان التجاري للبلاد سنويا بزيادة الواردات على الصادرات بحدود (90 %) دون الصادرات النفطية والغازية . وهذه النتائج هي من ذات الأهداف التي سعى إليها أعداء الإسلام اليهود ، وتوصلوا إليها وتحت سقف النظام .
إن إضعاف الاقتصاد الوطني ، يعني إضعاف قيمة الريال ويعني ضرب القدرة الشرائية ويعني انتشار الفقر . وهذه النتائج كانت ضمن مخطط مرسوم ومعد له ، لسهولة تمرير الأعداء مخططات أخرى في مختلف المجالات ، وأخطرها نشر الإسلام المنحرف ، ولتهيئ إشعال الفتنة والحروب المدنية والمذهبية والطائفية التي بدأت في المنطقة في العام 2011م فيما يسمى بالربيع العربي باستغلال ورقة الفقر والسياسات التضليلية .
لنأخذ على سبيل المثال إحدى السياسات التضليلية التي مارسها النظام السابق إخلاصا لأسياده أعداء الإسلام من خلال اهتماماتهم الشكلية في مستوى التعليم ومخرجاته . وقد بين وأوضح الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ومن هدي القرآن الكريم أهداف ومخططات الأعداء تجاه الإسلام وأهله ومن عدة زوايا سياسية وثقافية واقتصادية ومالية وغيرها ، أعداء لا ينامون ولا يغفلون عن مواصلة ومتابعة مكايدهم وعدوانيتهم وخططهم ضد الإسلام وأهله ، ومنها في الجانب الزراعي والتعليمي . حيث تضمنت إحدى الدروس التي ألقاها رضوان الله عليه بأن الأعداء : ( لا يريدون لنا أن نزرع ، لأنهم يعرفون ماذا يعني أن نزرع ، متى ما زرعنا ملكنا قوتنا ، متى ملكنا قوتنا استطعنا أن نصرخ في وجوههم ، استطعنا أن نتخذ القرار الذي يليق بنا أمامهم ، فما دمنا لا نملك شيئا لا نستطيع أن نقول شيئا) . وكذلك الأمر في التعليم يريدون : (أن نتعلم ولكن تعليم غير صحيح) . أي مستوى تعليمي ضعيف ومخرجاته غير منتجة في مختلف المجالات . وهو ما جسده واقعنا في ضعف شديد للاقتصاد الوطني وضعف الاقتصاد الزراعي وضعف شديد في قاعدة الصادرات الوطنية طيلة فترة العقود الماضية . وترافق مع ضعف الاقتصاد الوطني مسلسل تراجع قيمة العملة الوطنية وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وغلاء المعيشة . لقد أوضح فكر الشهيد القائد في درس : (من نحن ومن هم) بأن الله أخبرنا عن اليهود كثيرا في القرآن الكريم ووجهنا كمؤمنين وأمة إلى اتباع منهج الهدى في مختلف ميادين الحياة في البناء والإصلاح الشامل ، وهي من التوجهات التي يرضى الله عنها . وجهنا القرآن الكريم كيف نواحه الأعداء . وعلى أساس تقوى الله والإخلاص في اتباع المنهج القرآني ، تجسيدا للثقة بالله والتوكل عليه . وهو ما يعني الاستقلال في تدبير الشأن العام بالاعتماد على الذات واستغلال القدرات والكفاءات والثروات الوطنية للتطوير في مختلف المجالات ، ومنها المجال الاقتصادي والمالي وصولا إلى مستوى العيش على واقع الكرامة والعزة . وليس الاعتماد على الواردات وبالتالي الذل والضعف والفقر وارتفاع غلاء المعيشة . وهي الأوضاع الموروثة من النظام السياسي السابق نتيجة اتباعه سبل الضلال التي حرصت عليها الأنظمة العدوانية . ما يجب الإلتزام بتوجيهات القرآن ، فهو الطريق المرشد للتغلب في الصراع ضد الأعداء ، تلك الطريق التي تكشف لنا القراءة الصحيحة للأحداث ومستقبل الأحداث ووقائع الحياة المترتبة عليها . وتقوم على طاعة الله وطاعة أنبياء الله وطاعة سيد المرسلين محمد صلوات الله عليه وعلى آله ، وطاعة رايات الهدى أولي الأمر من المؤمنين . والرجوع إلى الدستور الإلهي لفهمه واتباعه ، لا يكون إلا من خلال قرنائه ، فهو الطريق الحقيقي الذي يوصل الأمة إلى الخير في مختلف المجالات ، ومنها إصلاح الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية التي تنعكس بالخير على مستوى الدخل الفردي ورفع القدرة الشرائية للأمة / للشعب ، وارتفاع قيمة العملة الوطنية (الريال) . والله ولي النصر والتوفيق . نسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا المجاهدين الجيش واللجان الشعبية في كل معارك الجهاد ، إنه سميع الدعاء .