*بحار اليمن.. صيّادون تحت القصف
*أقارب الضحايا: ما قدموه لنا من تعويضات لا يساوي ظفر إصبع .. ولا شئ سيشفي غليلنا سوى الثأر
الخوخة، اليمن – دقّ ناقوس الخطر مع ظهور مروحية تحوم فوق قارب صيد يمني صغير يقطع مياه البحر الأحمر، لتظهر بعدها سفينة حربية توجّه بنادقها نحو القارب.
وابلٌ من الطلقات شقّ المياه المحيطة بالقارب الذي يحمل اسم “آفاق” قبل أن تخترق هذه الطلقات الهيكل الخشبي الرقيق للقارب. أصيب أحد الصيادين بطلقة في عينه وأصيب آخر في رأسه، بينما اشتعلت النيران في محرّك القارب. قفز أفراد الطاقم من القارب وكان من بينهم بشّار قاسم البالغ من العمر 11 عاماً.
قبل دقائق كان الفتى يسحب الشباك من مؤخرة القارب، أما الآن فهو يجدّف بيديه كي ينجو بحياته وسط الحطام المشتعل والجثث الطافية والناجين المتشبثين ببراميل المياه الفارغة. توقفت السفينة الحربية عن إطلاق النيران مع رؤية القارب وهو يغرق داخل المياه، حسبما أفاد بشّار الذي قال : “دارت السفينة حولنا عدة مرات لتتأكد من غرق القارب، ثم انطلقتْ بعيداً.”
لطالما ركّز النقد اللاذع لدور السعودية في الصراعات الطاحنة في اليمن على الحرب الجوية. فالطائرات المقاتلة التي تقودها قوات التحالف بقيادة السعودية والمحمّلة بالأسلحة والقنابل الأمريكية، قصفت تجمعات أعراس وجنازات وحافلة مدرسية، لقي على إثرها آلاف المدنيين مصرعهم.
ومع اختلاط الغضب إزاء مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول على يد عملاء سعوديين بالغضب إزاء حرب اليمن، اجتاحت موجة من السخط واشنطن وسط اتهامات للجيش الأمريكي بالتواطؤ في جرائم حرب.
وفي الأسبوع الماضي، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي لإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية؟ فيما اعتُبر توبيخاً رمزيّاً وقاسياً أيضاً للرئيس ترمب الذي يقف إلى جانب السعودية.
تدور رحى حرب اليمن في البحر أيضاً، لكن مع وجود قدر أقل من المساءلة، ففي البحر يلقى المدنيون أيضاً حتفهم وبأعداد كبيرة.
لم يكن القارب “آفاق” سوى واحد من ستة قوارب صيد يمنية على الأقل قصفتها سفن حربية ومروحيات وطائرة مقاتلة بعد مغادرة ميناء الخوخة الخاضع لسيطرة قوات التحالف جنوب البحر الأحمر على مدار فترة امتدت لأكثر من ستة أسابيع في أغسطس وسبتمبر الماضيين.
ففي لقاءات أجريناها، أدلى ناجون بشهادات مروّعة لتلك المحنة التي عاشوها؛ كتلك المروحية الهجومية التي دارت فوق رؤوسهم ستّ مرات قبل أن تمطرهم بوابل من الرصاص؛ فقفز الصيادون من القوارب المشتعلة ليجدوا أنفسهم وسط مياه مشتعلة، والناجون الذين ظلوا في المياه أياماً متواصلة شاهدوا في يأس أصدقاءهم وأشقاءهم وهم يلقون حتفهم تحت الأمواج.
من بين الصيادين البالغ عددهم 86 صيادًا على متن القوارب الستة، لقي 50 صياداً مصرعهم.
من الصعوبة بمكان تحديد المتورطين في الهجمات البحرية لا سيّما في حرب تشوبها الفوضى والغموض كما هو الحال في حرب اليمن، فطرفا الصراع – وهما قوات التحالف بقيادة السعودية والحوثيون المدعومون من إيران – نفّذا هجمات في عرض البحر.
غير أن خبراء في الشؤون البحرية ومسؤولاً سابقاً في الأسطول الأمريكي ومحققين تابعين للأمم المتحدة وكثير من المسؤولين اليمنيين تحدثوا عن اشتباههم في أن قوات التحالف بقيادة السعودية مسؤولة عن بعض الهجمات على الصيادين، إن لم يكن جميعها.
تسيطر الزوارق البحرية السعودية والإماراتية على مياه البحر الأحمر، حيث وقعت عمليات القصف وإطلاق النيران، فضلاً عن أن خمسة من هذه الهجمات استُخدمت فيها مروحيات لا يملكها الحوثيون، وفي إحدى المرات دفع مسؤولون سعوديون بعض الأموال نقداً لأُسَر الصيادين الذين لقوا مصرعهم في هذا الهجوم.
وفي هجوم آخر، اعتقل بحّارة تابعون لقوات التحالف 12 ناجياً واحتجزوهم في أحد السجون السعودية لمدة ثلاثة أشهر، حيث ذكر الصيادون أنهم تعرضوا للتحقيق والتعذيب. أُطلق سراح ثمانية من هؤلاء المعتقلين مؤخراً بعد أن حصل كلٌّ منهم على 1300 دولار من السعوديين الذين كانوا يحتجزونهم.
تحقيقات عديمة الجدوى
في تصريح صدر عن السفارة السعودية في واشنطن، أكّد المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العقيد تركي المالكي أن سفينة تابعة لقوات التحالف قد فتحت النار على قارب يسمّى “الأنصار” وأسرت 12 صياداً، مشيراً إلى أن طاقم القارب تجاهل التحذيرات الصادرة من سفينة حربية كانت ترافق ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر، وأضاف أن ثلاثة من الصيادين المحتجزين اتضح أنهم “إرهابيون حوثيون مسلّحون”.
رفض العقيد المالكي الإجابة عن أسئلة وُجّهت إليه حول الهجمات الخمسة الأخرى التي وقعت بين تاريخي 1 أغسطس و15 سبتمبر التي قال إنها أحيلت للجنة التحقيقات الداخلية التابعة لقوات التحالف.
أما جماعات حقوق الإنسان فتقول إن هذه اللجنة عديمة الجدوى وأن عملها لا يرقى للمعايير الدولية.
رغم أن الدعم العسكري الأمريكي لقوات التحالف بقيادة السعودية في البحر أقل بكثير من الدعم الذي تتلقاه عملياتها الجوية، يظل هناك تعاون وثيق في عدة نواحٍ أخرى؛ فالولايات المتحدة تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع القوات البحرية السعودية كما أنها قصفت محطات رادار تابعة للحوثيين، علاوةً على ذلك فالقوات البحرية السعودية تستخدم مروحيات أمريكية، وضبّاطها تلقوا تدريباتهم لدى إحدى الشركات في فيرجينيا.
بعض الهجمات التي شنتها قوات التحالف في البحر استُخدمت فيها طائرات عسكرية مزوّدة بقنابل أمريكية موجَّهة بالليزر، وكانت ناقلات أمريكية عملاقة تزوّدها بالوقود حتى الشهر الماضي.
صرّح القائد جوش فراي، المتحدث الرسمي للأسطول الخامس، أن الولايات المتحدة تقدم “دعمًا محدوداً خارج نطاق العمليات القتالية للقوات التحالف البحرية بقيادة السعودية، مثل تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية ضد التهديدات للتصدي للهجمات على عمليات النقل البحري في البحر الأحمر.” وأضاف أن الولايات المتحدة ليس لديها أي علم بالهجمات على قوارب الصيد.
منطقة حرب في عرض البحر
تعد منطقة جنوب البحر الأحمر واحدة من أكثر الممرات المائية ازدحامًا وأهمية تجارية وخطورة في العالم .
تمر ناقلات عملاقة محمّلة بنحو 5 ملايين برميل من المنتجات النفطية عبر مضيق باب المندب يومياً، وهو مضيق يبلغ عرضه 18 ميلاً ويفصل بين شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. ولا تخلو هذه المنطقة من الدوريات التي تضم سفنًا حربية من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى لمواجهة القراصنة ومهرّبي المخدرات والأسلحة.
هذه المنطقة هي أيضاً منطقة حرب؛ فعشرات المدنيين لقوا مصرعهم قبالة ساحل اليمن منذ بدء الحرب بقيادة السعودية عام 2015، والكثيرون من هؤلاء المدنيين كانوا مجرد صيادين اشتبهت قوات التحالف في أنهم مهرِّبون أو مراقبون تابعون للحوثيين، وقد ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة في سبتمبر أن 40 صياداً على الأقل قتلوا أو تعرّضوا للاختفاء ضمن 11 ضربة جوية ضد قوارب للمدنيين بين نوفمبر 2015 ومايو 2018.
تصاعدت الهجمات في فصل الصيف مع تكثيف قوات التحالف هجماتها على ميناء الحديدة الرئيسي الواقع تحت سيطرة الحوثيين. قصفت سفن حربية تابعة لقوات التحالف مواقع للحوثيين الذين ردّوا بإطلاق زوارق سريعة مزودة بالمتفجرات نحو ناقلات النقط السعودية.
تسببت إحدى تلك الهجمات في يوليو الماضي في وقف السعودية عمليات نقل النفط عبر البحر الأحمر مؤقتاً، وبعد أسبوع واحد، وتحديداً في 1 أغسطس، انطلق أول قارب صيد من القوارب الستة من ميناء الخوخة الواقع تحت سيطرة قوات التحالف.
كان القارب الخشبي الذي يحمل اسم “القيصر”، والبالغ طوله 40 قدماً، قد حصل على تصريح صيد قبل يوم واحد من السلطات المحلية المموّلة والمدعومة من قبل قوات التحالف، وبعد أن قطع القارب مسيرة خمس ساعات ظهرت مروحية تحلّق فوقه وتبعتها طائرة حربية أطلقت قنبلة على القارب.
لقي 9 أشخاص من الطاقم البالغ عددهم 11 شخصًا مصرعهم على الفور. اندفع أحمد بُحيري، 35 عاماً، إلى المياه. “كانت النيران تتخذ شكل حلقة وكنت أنا في منتصفها.” قالها أحمد وهو يرفع ملابسه ليكشف عن آثار الحروق البالغة على جسده.
أما الناجي الثاني وهو فايز عبدالله، 24 عاماً، فظل يسبح في المياه المحيطة بحثاً عن ناجين آخرين. قال فايز: “كلّ ما عثرت عليه كان جثة مقطوعة الرأس.”
تتالت المزيد من الهجمات الواحدة تلو الأخرى. ففي 14 أغسطس، غرق القارب “آفاق” الذي كان يحمل على متنه بشّار قاسم البالغ من العمر 11 عامًا.
وفي 18 أغسطس الماضي أيضا، فتحت سفينة حربية النار على القارب الذي يحمل اسم “الأميرة” ما أسفر عن مقتل ثلاثة صيادين. ترنّح القارب في طريق عودته إلى الميناء الذي وصله قرابة الثالثة صباحاً وعلى متنه شخص مصاب لقي مصرعه أثناء رسوّ القارب، حسبما أشار القبطان عبده ثابت الذي أصيب بطلق ناري في ركبته.
خلّف الرصاص 26 ثقباً على الأقل في قارب “الأميرة” القابع تحت أشجار النخيل على شاطئ قريب. كان قطر وشكل الثقوب متطابقًا مع تلك التي تُحدثها المدافع الرشاشة الثقيلة والمتوسطة؛ وهي نفس نوع الأسلحة الموجودة على متن السفن الحربية.
في اليوم التالي تسببت مروحية هجومية في إغراق قارب يحمل اسم “الرنان”، ما أسفر عن مقتل أربعة من الصيادين العشرة الذين كانوا على متنه. وصف الناجون المدفعي الذي كان يرتدي زيّاً عسكريّاً عند باب المروحية والذي تجاهل توسلاتهم بوقف إطلاق النيران. يقول عبده أفداه، 30 عاماً، الذي أصيب بطلق في يده أثناء تشبثه بالقارب المقلوب: “رفعنا الأسماك بأيدينا لنؤكد له أننا لسنا مصدر تهديد، لكنه استمر في إطلاق النيران.”
بعد مرور ثلاثة أيام، في 22 أغسطس الماضي وقع الهجوم على قارب “الأنصار” حين قامت سفينة حربية مرافقة لناقلة نفط سعودية بقتل 7 أشخاص، إلا أن السفينة الحربية لم تُبحر بعيدًا هذه المرّة.
فالاثنا عشر ناجياً الذين أُخرجوا من المياه أُخذوا إلى مدينة جازان السعودية حيث احتُجزوا ثلاثة أشهر تعرضوا خلالها للتعذيب حسبما أفاد الكثيرون منهم. قال طارق مطيري: “ضربونا بالسياط حتى نزفنا الدماء. كانوا يقولون إننا جواسيس حوثيون.”
صرّح العقيد المالكي، المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف، بأن الصيادين الثلاثة كانوا مقاتلين حوثيين مسلّحين وأنهم كانوا ينقلون معلومات عن السفن العسكرية والمدنية إلى القادة الحوثيين، وأضاف أنهم لا يزالون قيد الاعتقال في السعودية، غير أنه لم يعلّق على الأشخاص السبعة الذين لقوا مصرعهم في بداية الهجوم على القارب.
أصرّ الصيادون الذين أطلق سراحهم وعادوا إلى اليمن في 21 نوفمبر على أن المعتقلين أبرياء. يقول وليد حسّاني: “أعرف هؤلاء الرجال منذ كنا أطفالاً، وهم ليسوا من الحوثيين.”
في 15 سبتمبر، تعرض قارب سادس يحمل اسم “الفارس” للهجوم من قبل سفينة حربية قبالة ساحل إريتريا حيث توجد قاعدة عسكرية تابعة للإمارات العربية المتحدة هناك. لم ينج من طاقم القارب المكون من 19 صيادًا سوى صياد واحد هو نافع زايد الذي ظل متشبثاً بصندوق لحفظ الثلج مدة أربعة أيام.
يجلس السيد زايد مع أبنائه خارج منزله المتواضع قبالة الشاطئ وهو يستعيد أحداث صراعه مع الجوع والعطش والهذيان قائلاً: “شعرت بأحدهم يُحضر لي التمر والماء في الليل. هكذا نجوت.”
جرائم حرب
عادة ًما تُحيل قوات التحالف الادعاءات الخاصة بوقوع ضحايا من المدنيين إلى الفريق المشترك لتقييم الحوادث، وهو فريق تشكّل بمساعدة وزارة الخارجية الأمريكية عام 2016م، غير أن جماعات حقوق الإنسان تقول إن تحقيقات الفريق زائفة، وأنه قلّما يجد أي خطأ فيما تقوم به قوات التحالف من أفعال.
فبعد أن حقّق الفريق في ضربة جوية أودت بحياة 40 طالباً مدرسياً في أغسطس، قال العقيد المالكي إن الضربة كانت موجّهة نحو “هدف مشروع”. وتشير السجلات العامة إلى أن فريق التقييم حقق مرتين في هجمات سابقة على قوارب صيد وأنه برّأ قوات التحالف في كلتا المرتين.
حقّق الفريق المشترك أيضاً في هجوم بحري هو الأسوأ من نوعه في تلك الحرب؛ ففي مارس 2017م تسببت مروحية في مقتل 43 شخصاً على الأقل من بينهم نساء وأطفال كانوا على متن قارب يحمل لاجئين صوماليين، وهو ما وصفته منظمة هيومان رايتس ووتش بأنه جريمة حرب على الأرجح.
وخلُص فريق التقييم إلى أن قوات التحالف لم تنفّذ الهجوم، في حين ذكر مسؤول سابق لدى الأمم المتحدة أن محققين تابعين للأمم المتحدة قد توصلوا إلى أن السعوديين أو الإماراتيين هم المسؤولون على الأرجح عن هذا الهجوم، وأضاف إن المحققين لم يستطيعوا إقامة الدليل على ذلك لأن قوات التحالف رفضت الإجابة عن أسئلتهم.
لم يذكر الفريق شيئاً عما إذا كان سيحقق في الهجمات على قوارب الصيد الخمسة والتي أحالتها إليه قوات التحالف.
لم نستطع التأكد من أقوال الناجين والمسؤولين المحليين بأن تلك القوارب لم تكن تحمل على متنها أي مسلحين حوثيين، إلا أن خبراء قد ذكروا أنه من غير المرجح أن يبحر الحوثيون على متن قوارب صيد من موانئ واقعة تحت سيطرة قوات التحالف.
يقول مايكل نايتس، المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والذي زار قوات التحالف في اليمن، إن الهجمات يمكن أن تكون مسؤولية البحّارة صغار السن الذين يفتقرون إلى الخبرة والتدريب.
قال نايتس: “من الواضح أن هناك تصعيداً لاستخدام القوة، وهي مشكلة متكررة لا بد من وضع حلّ لها.”
أوقفت بعض الدول الأوروبية بيع الأسلحة للرياض احتجاجاً على عملياتها العشوائية في اليمن. وفي محاولة لتهدئة الضغط المتزايد داخل الكونجرس، قررت إدارة ترمب وقف تزويد طائرات التحالف العسكرية بالوقود. إلا أن تلك الإجراءات لن تؤثر على الأرجح في الحرب التي تدور رُحاها داخل البحر.
ففي العام الماضي، باعت الولايات المتحدة 10 مروحيات بحرية للسعودية في صفقة بلغت قيمتها 1.9 مليار دولار. كما استفادت شركة بوز آلان هاميلتون، المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية، عشرات الملايين من الدولارات جراء تدريب القوات البحرية السعودية على مدار العقد الماضي. وقد صرح المتحدث الرسمي للشركة أن آخر تعاقد مع السعودية انتهى في يوليو 2017م.
جدير بالذكر أيضاً أن ستيفن توماجان، وهو ضابط متقاعد في الجيش الأمريكي، يتولى حالياً قيادة أسطول من المروحيات العسكرية الإماراتية.
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيلقي بمسؤولية حرب اليمن على إيران، كما قال وزير الخارجية مايك بومبيو الشهر الجاري “ننوي مواصلة” الدعم العسكري للسعودية. ولا تزال فرنسا التي باعت للسعودية أسلحة بقيمة 16 مليار دولار أحد أكبر الداعمين للقوات البحرية السعودية.
تقول كريستين بيكرلي، باحثة في الشؤون اليمنية لدى منظمة هيومان رايتس ووتش: “يتعرّض الصيادون اليمنيون للقصف في قواربهم حالياً تماما كما كان الوضع قبل ثمانية عشر شهراً. لم يتغير أي شيء.”
“تبرُّع” للقتلى
حاولت السعودية التعويض عما حدث في إحدى المرات. ففي سبتمبر الماضي، تم استدعاء أُسر الصيادين الثمانية عشرة الذين لقوا حتفهم على متن قارب “الفارس” إلى قاعدة قوات التحالف في الخوخة، حيث سلّم مسؤول سعودي كل أسرة مظروفاً يحتوي بعض المال . وبعد بضعة أسابيع، حصلت كل أسرة على مساعدات جديدة في صورة قوارب صيد جديدة وشباك ومحركات زوارق خارجية.
وصفت القوات السعودية هذه الأموال بأنها مساعدات إنسانية، بينما اعتبرها أهل القرية ديّة.
يقول منير مانوبي أحد سكان قرية مجاورة كانت مقرّاً لقارب “الفارس”: “ما دفعوه لا يساوي ظفر اصبع واحد من أخي.”
تجمع حوله بعض أقارب القتلى المفجوعين ووجهوا انتقادات صريحة لقوات التحالف بقيادة السعودية. تلك الأسر باتت بلا عائل الآن، بينما أوقف كثيرون من الصيادين نشاطهم خوفاً من أن يصيبهم ما أصاب الآخرين.
يأتي هذا التراجع في نشاط الصيد ضمن تدهور اقتصادي واسع النطاق أصاب البلاد جراء الحرب السعودية التي خلّفت وراءها أزمة غذائية طاحنة في الحديدة وهي واحدة من أكثر محافظات اليمن فقراً وأشدها تعرضاً للجوع. وفي أماكن أخرى في اليمن، قصفت الطائرات السعودية والإماراتية مصانع ومزارع ومستودعات غذائية تديرها منظمات الإغاثة الدولية.
يقول أحمد عبدالله الذي فقد ابنه في الهجوم على قارب “الفارس” إن شيئاً واحداً سيشفي غليله وهو “الثأر”.
قالها بصوت مرتجف، مشيراً إلى أن بعض الأشخاص في القرية تلقوا تحذيرات من المسؤولين المحليين أن يلزموا الصمت، لكنه لا يبالي بتحذيراتهم. قال أحمد: “نحن نتحدث لأن الألم يعتصر قلوبنا.”
……………..
*ساهم في إعداد التقرير سعيد البطاطي من المكلا في اليمن، وإريك شميت من واشنطن، وسي جي تشيفرز.