بالمختصر المفيد.. إدارة ترامب تترنح
عبدالفتاح علي البنوس
أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء الماضي قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، البالغ قوامها 2000 جندي ، حالة من الخلاف والجدل داخل الإدارة الأمريكية الجمهورية التي يقودها ترامب ، كما أنها شكلت صدمة قوية لحلفاء أمريكا المناهضين لسوريا وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني المحتل الذي وصفت وسائل إعلامه هذا القرار بالصعقة الكبرى غير المتوقعة ، وفي الداخل الأمريكي خلف القرار حالة من الإرباك داخل الإدارة الأمريكية حيث كانت أولى انعكاسات هذا القرار قيام وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بتقديم استقالته من منصبه، لينضم إلى قائمة من المسؤولين الأمريكيين الرفيعين الذين قدموا استقالاتهم في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، بسبب الاختلافات في وجهات النظر والمواقف ذات الصلة التي تدخلت فيها الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وعلى خلفية المواقف الارتجالية والقرارات الأحادية الجانب التي يتخذها ترامب والتي يترتب عليها انعكاسات سلبية على الولايات المتحدة الأمريكية .
استقالة ماتيس التي تأتي بعد هزيمة حزبهم في انتخابات التجديد النصفية لمجلس الشيوخ والتي منحت الأغلبية لغريمه التقليدي الحزب الديمقراطي تمثل مؤشرا خطيرا على ترنح الإدارة الأمريكية الجمهورية برئاسة دونالد ترامب الذي يظهر متخبطا في إدارته للبيت الأبيض وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة التي جلبت حالة غير مسبوقة من السخط العالمي على أمريكا ، وضاعف من نزعة الكراهية والحقد تجاهها وخصوصا فيما يتعلق بملف الأزمة السورية وملف اليمن والملف الأهم وهو الملف الفلسطيني الذي كان بمثابة القنبلة التي ألقاها ترامب في المنطقة سعيا منه لوأد القضية الفلسطينية وانتزاع ومصادرة حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، ولا غرابة أن تتفكك منظومة الإدارة الأمريكية مادام من يقودها ويضبط إيقاعها ويتحكم في قراراتها هذا الملياردير الأحمق الذي يتعامل مع مختلف القضايا من زاوية مادية بحتة قائمة على المصلحة دونما مراعاة لأي اعتبارات أو معايير أخرى ، هذه النزعة المادية البحتة ، وهذا الانحياز والتحامل الأمريكي المفضوح ، والمصحوب بالسقطات الأمريكية المتوالية يدق ناقوس الخطر داخل المعسكر الجمهوري الذي بدأ يشعر بتضعضع وتراجع شعبيته في الشارع الأمريكي على خلفية مواقف ترامب وإدارته الداعمة للسعودية في حربها على اليمن والمساندة والمدافعة عنها في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول بتوجيهات من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حليف ترامب وإدارته الاستراتيجي .
بالمختصر المفيد ترامب يترنح مع إدارته ، وقد لا يسعفه الحظ في البقاء في السلطة وخصوصا إذا ما قرر الترشح، لولاية جديدة بعد انتهاء فترته الحالية والتي لن تكون سهلة بالنسبة له وخصوصا مع قرب موعد استلام الحزب الديمقراطي رئاسة مجلس الشيوخ وهو الأمر الذي سيمثل عائقا أمام ترامب يحول دون تمرير قراراته الارتجالية ومواقفه الرعناء التي لا تتماشى مع المرتكزات والمحددات الرئيسية للسياسة الأمريكية ، وسنسمع في قادم الأيام المزيد من الاستقالات وستطفو على السطح الكثير من الخلافات والتباينات التي ستشل وتحد من نشاط الجمهوريين وترفع من أسهم الديمقراطيين وستمنحهم دفعات قوية للتطلع لتولي مهام قيادة الولايات المتحدة مستفيدة من جشع وطمع وغباء وتهور ترامب عاشق البقرة الحلوب.