معركة النفط في قمة العشرين

 

أحمد فؤاد

مسلسل دراماتيكي يجري في كواليس قمة العشرين عقب تهاوي أسعار النفط إلى دون 59 دولارا للبرميل هذا الأسبوع، من 85 دولارا في أكتوبر الماضي، والإعلان عن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمحاولة تقليل ضخ النفط إلى الأسواق، والعودة بأسعاره إلى مستوى مقبول من المنتجين.
الرهان الروسي جاء على “حصان طروادة” الأمريكي، المملكة السعودية، التي تسببت وعود ملكها سلمان للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في انهيار الأسواق بسرعة بالغة، ولا يزال الأمريكي يطمع في المزيد من التراجع، ولا يزال السعودي يخدم الأهداف الصناعية الأمريكية، ولو على حساب موازنته المتراجعة منذ أعوام ثلاثة.
وكشف تقرير الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، الذي يصدره صندوق النقد الدولي، عن حاجة لأن يكون متوسط سعر برميل النفط العام الحالي عند 70 دولارًا، لبلوغ نقطة التعادل، بين الإيرادات والنفقات، وهو ما تجاوزته الأسواق بالفعل خلال 4 أسابيع فقط.
ومع جهود “سلمان” ووعوده بزيادة ضخ النفط إلى الأسواق العالمية، وكون الوعود المقطوعة للرئيس الأمريكي علنية، رغم خروج المتحدثة باسم البيت الأبيض ـ الشهر الماضي ـ ببيان توضيحي لفحوى التصريحات، إلا إنها خففت من حدة الكلمات، لكنها لم تنف بشكل قاطع وجود اتفاق لزيادة ضخ النفط السعودي في أسواق العالم، بحجة نقص المعروض.
زيادة ضخ النفط تلاه مباشرة تراجع أسعاره، وهو أمر يهدد مستقبل أسعار النفط، وبالتالي موازنة المملكة، التي تعتمد في ثلثي إيراداتها على النفط الخام، كما يمثل نسبة أخرى من الصادرات المُصنعة أيضًا، تبوبها الحكومة في “الإيرادات غير البترولية”، للتدليل على نجاح إجراءات ولي العهد في تطبيق رؤية 2030م.
التصرفات السعودية قبل أن تخنق الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة معادية لها، وعلى رأسها روسيا وإيران وفنزويلا، تضرب السعودية ذاتها بالمزيد من الأزمات، فالمملكة لا تحقق من وراء السير خلف السياسة الأمريكية أي مصلحة اقتصادية لها، بل تكبل شعبها بالمزيد من المعاناة، في سبيل تزويد المجمع الصناعي الغربي بنفط رخيص.
وابتلعت الموازنة السعودية مليارات الدولارات من الاحتياطي النقدي، الذي تراجع من 732 مليار دولار في 2014م إلى 478 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2017م، وبلغت قيمة العجز في الميزانية العامة لسنة 2017م نحو 61.3 مليار دولار، متجاوزة المستوى المتوقع في بداية السنة المالية بأكثر من ثمانية مليارات دولار، بحسب الأرقام الرسمية.
وبعد هبوط أسعار النفط من مستواها في منتصف عام 2014م، والذي كان عند 100 دولار للبرميل، اتجهت الدول المنتجة في الخليج، ومنها السعودية، للحد من النفقات ووقف الإعانات، بهدف تقليص العجز في ميزانياتها، التي تعاني بشدة من تراجع الإيرادات النفطية من جهة، ومن فشل سياسات الانتقال إلى عصر ما بعد النفط.
والمتتبع لمسيرة الاقتصاد السعودي، خلال النصف قرن المنصرم، يرى بوضوح، أن تأثير تراجع الإيرادات النفطية يمثل ضربة قاتلة للاقتصاد المحلي، خاصة في ظل الأرقام السيئة التي حققتها الإصلاحات الاقتصادية لولي العهد خلال عام 2017م، وأظهرت الأرقام الرسمية أن الاقتصاد السعودي يواجه حالة من الكساد، بعد تراجع أسعار النفط، وتقليل إنتاج المملكة، وفقًا لاتفاقها السابق مع “أوبك”.
وبدأ العام الحالي 2018م بحالة من التفاؤل، إثر ارتفاع مستويات أسعار النفط، خاصة خلال الربع الماضي، وتوقعات استمرارها مرتفعة لـ12 شهرًا مقبلة، على الأقل، رغم وجود التحديات ذاتها، التي تعصف بالإيرادات العامة، وهي: عجز الموازنة البالغ أكثر من 52 مليار دولار، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري في الموازنة، إضافة إلى أن زيادة الرسوم على الشركات والعمالة الوافدة قد تترك أثرا على القطاع الخاص.
وخصصت المملكة ثلث الإنفاق العام على فاتورة الأمن والقوات المسلحة، تلبية لفاتورة حرب اليمن، التي تستقطع المزيد من المصروفات غير المعلنة غالبًا، بعد استحواذه على 83 مليار دولار، من إجمالي الموازنة المقدرة بنحو 261 مليار دولار.
الوجه الثاني للأزمة السعودية يعود إلى فشل طرح شركة “أرامكو” العملاق النفطي، والذي كان مقررًا له العام الحالي، بعد عزوف المستثمرين والبورصات عن التجاوب مع ما كان مفترضًا أن يكون الطرح الأضخم في التاريخ، بدفع من معرفة بالتدخلات السياسية في عمل الشركة، وعدم الشفافية في إداراتها.
والشركة النفطية الأكبر في العالم لم تعد لحوزة المملكة إلا في العام 1980، وتتولى في الوقت الحالي إدارة احتياطي مؤكد من النفط الخام التقليدي والمكثفات يبلغ نحو 261.1 مليار برميل، فيما يبلغ متوسط الإنتاج اليومي من النفط الخام 10.2 مليون برميل في اليوم، وتشرف أيضاً على احتياطيات من الغاز الطبيعي تبلغ 297.6 تريليون قدم مكعبة قياسية، وإيرادات أرامكو بلغت 478 مليار دولار في العام الماضي.
السعودية تخسر دائمًا مع الأمريكيين، وربما يلقي لها بوتين بطوق نجاة للخروج من الأسر الأمريكي، فهل ترى أن مصالحها واستمرارها أهم من رئيس على شفا الخروج من البيت الأبيض..
* العهد

قد يعجبك ايضا