الثورة نت|وكالات..
على رغم أن تحالف العدوان تعمّد إحاطة الهدنة غير المعلنة في الحديدة بحالة من الغموض، إلا أن ما بدا واضحاً وثابتاً أن ثمة تراجعاً تحت وطأة ضربات الجيش اليمني واللجان الشعبية والضغوط الدولية والأممية. اعتقدت القوى المحلية التابعة لـ«التحالف»، المشاركة في عمليات الساحل الغربي، أن عنصر قوتها الرئيس يكمن في الاندفاعة الأولى، التي تسبقها غارات جوية وقصف مدفعي تمهيدي مكثّف، لا يقتصر على الأهداف المتحركة أو الثابتة أو المشتبه بها، بل يغطي كامل الطريق الواصل إلى الهدف وجنباته في شكل عشوائي. وفي حال استطاع مُتصدّرو الهجوم تحقيق اختراق، يباشرون العمل على تثبيت الخرق الحاصل بالاستعانة بسلاح الطيران المروحي والحربي، أما في حال فشلهم فيتوقفون قبل الوصول إلى هدفهم، ويتّخذون موقع تماس مع الجيش واللجان، ليتحول الاشتباك إلى مناوشات بالقصف المدفعي والـ«هاون» والأسلحة المضادة للدروع.
والجدير ذكره، هنا، أن الأراضي المنبسطة أو الصحراوية تمثّل نقطة قوة للغزاة بسبب التفوّق الجوي، علماً أن سلاح الجو التابع لـ«التحالف» زُوّد بإمكانية الرؤية النهارية والليلية، وصولاً لامتلاك القدرة على ملاحقة الفرد الواحد مع تزويد الطائرات بقذائف وصواريخ موجّهة فائقة الدقة، باستطاعتها إصابة هدف «نقطوي» من دون إحداثية مسبقة، وذلك من خلال توافر الرؤية الفورية للطائرات المشاركة في مواكبة القوات البرية على الأرض، أو حمايتها أثناء سيرها للوصول إلى الهدف. في الهجوم الأخير على الحديدة، عملت قوات الجيش واللجان على تلافي وقوع أفرادها في مصيدة الطيران الحربي والمروحي، لحرمان العدوان من تفوّقه الجوي في الأماكن المكشوفة، وبَنَت خطّ دفاعها الصلب بحيث تتكافأ مع القوة المهاجِمة بالعنصر البشري، ولئن تفوّقت الأخيرة بالمعدّات الحديثة، فإن المدافعين يتفوّقون بالحافزية والشجاعة والمعنويات.
أحدثت الاندفاعة الأولى للهجوم، الذي التفّ شرقاً من الصحراء، خرقاً في ضواحي الحديدة، وهي في غالبها مناطق فارغة تحتوي منشآت صناعية متباعدة، ولا تدخل ضمن خطّ الدفاع الصلب (كيلو 10، كيلو 16، وسبعة مايو…)، وهي نفسها التي التُقطت فيها صور ومشاهد وسُجّلت مقابلات بَنَت المنظومة الإعلامية والدعائية الخليجية سردية «النصر» على أساسها، حتى ذهب بعض المسؤولين إلى القول إن سقوط ميناء الحديدة مسألة وقت. في تلك الضواحي، انتشرت القوات المتقدّمة، فتلاشت الاندفاعة. قصدت القوات البرية بعض المنشآت للتموضع وتسجيل «الانتصارات» الإعلامية، لكن المفاجأة أن عدداً من هذه المنشآت انهار على رؤوس المهاجِمين بفعل الجهد الهندسي المُعدّ مسبقاً من قِبَل وحدة الهندسة في الجيش واللجان، وقد حاولت قيادة «التحالف» الاستفادة من كتائب الاحتياط، وتكرار الهجوم ثلاث مرات في غضون عشرة أيام، ولكن من دون جدوى.
الدفع الدولي نحو الهدنة لا يلغي الإصرار على انتزاع الحديدة
تحوّلت القوات المتموضعة في الضواحي من الهجوم إلى حرب استنزاف، حيث نشطت مجموعات صغيرة من الجيش واللجان في نصب الأفخاخ والكمائن والعبوات الناسفة، وفعّلت عمليات القصف بالـ«هاون» والتسلّل إلى النقاط القريبة من تموضع كتائب الغزاة والإغارة عليها. أُحصي مقتل 1300 عنصر وجرح أضعافهم، مما أفقد القوات الغازية الروح المعنوية، ليظهر عليها التعب والإعياء، وتنحدر الحافزية القتالية لديها وصولاً إلى القعر. هذا الإخفاق العسكري، معطوفاً على تعالي الأصوات المطالِبة بوقف الحرب، حَمَل الحلفاء الغربيين على «الانحناء للعاصفة»، والطلب إلى السعودية والإمارات الكفّ عن هجومهما. هكذا، اتصل وزير الخارجية الأميركي، مايك بامبيو، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، داعياً إياه إلى وقف العمليات، ليقوم لاحقاً وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، بزيارة إلى كلّ من الرياض وأبو ظبي، صبّت في الاتجاه نفسه.
ومع ذلك، فإن الدفع الدولي نحو هدنة في الحديدة لا يلغي حاجة الدول المشاركة في الحرب والراعية لها، والمنخرطة في ما تُسمّى «الرباعية» (واشنطن ولندن والرياض وأبو ظبي)، إلى انتزاع الحديدة بأي ثمن. ولذلك، جاء الإعلان عن وقف العمليات في شكل ملتبس، ولم يرافقه تحديد موعد للعودة إلى المفاوضات، فيما أفيد بموافقة «التحالف» على إجلاء طبي لخمسين جريحاً من «أنصار الله» من دون ذكر أي تفاصيل. وعليه، تبدو الهدنة الأخيرة إجراءً قسرياً ومؤقتاً أَمْلته الضرورة، سيتمّ العمل بالتوازي معه على خطّين: الأول، إعادة التحشيد العسكري لتكرار الهجمات، وإن كان التحشيد بحاجة إلى فترة زمنية غير قليلة. والثاني، العمل على إعادة توجيه الرأي العام العالمي نحو أهمية «استعادة» الحديدة بالنسبة إلى «استقرار» الحلفاء في المنطقة.
الاخبار