ملاحظات أولية على مبادرة توكل كرمان للسلام
عبدالله علي صبري
تحاول النوبلية توكل كرمان أن تسوق مواقف مغايرة لما هو مألوف تجاه الحرب والعدوان على اليمن. وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع طروحاتها المستجدة، وبعيداً عن محاكمة النوايا، فإن مبادرتها الأخيرة بشأن بناء سلام مستدام في اليمن وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، جديرة بالنقاش العام خاصة مع تزايد الدعوات الدولية المطالبة بإيقاف الحرب على اليمن ودعوة أطراف الصراع لاستئناف المفاوضات السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة.
احتوت مبادرة كرمان على ست نقاط مهمة وموضوعية وجريئة إلى حد ما، على اعتبار أن حزب الإصلاح الذي تنتمي إليه كرمان كان ولا يزال مؤيداً للتدخل والعدوان العسكري على اليمن بقيادة السعودية، فقد طالبت في البدء بإيقاف الحرب، ورفع الحصار والانسحاب السعودي الإماراتي من البلاد، وهو مطلب لا غبار عليه من وجهة نظر القوى الوطنية في الداخل، إلا أنه يمتنع عن وصف الحرب على حقيقتها، كونها دفاعية من طرف اليمن واليمنيين وعدوانية من الطرف السعودي الإماراتي.
النقطة الثانية من المبادرة تدعو إلى ” استئناف العملية السياسية من حيث توقفت بالانقلاب والحوار”. وهنا ثمة ملاحظات على مفهوم العملية السياسية وما المقصود بها، إذ المطلوب اليوم عودة الحوار والمفاوضات، بحيث ننتقل كيمنيين إلى النقطة التالية للحرب والعدوان، وهذا لن يتحقق ما دامت توكل وغيرها ينشدون استئناف العملية السياسية من حيث توقفت بالانقلاب، فعلاوة على أن هذا الكلام ينطوي على ترجمة ذكية لمطلب عودة الشرعية، فإنه يعني بعد أربع سنوات من الحرب المتوحشة استسلام الحوثي لطرف هادي وزمرته من النخبة السياسية التي رهنت قرارها للخارج.
لكن بعد هذا المطلب الملغوم تقفز المبادرة إلى اقتراح عملي ينص على ” تشكيل لجنة عسكرية برعاية أممية تعمل على سحب الأسلحة من جميع المليشيات”، أما النقطة الرابعة فتقترح ” تشكيل حكومة وطنية من جميعِ المكونات بمن فيها جماعة الحوثي”. ولا جدال أن المطلبين معا يشكلان محور الحل السياسي الموضوعي للأزمة اليمنية، إلا أن الخلاف في مفاوضات الكويت وما بعدها كان حول تراتبية الحل، هل الأنسب البدء بالشق الأمني كما يطالب طرف هادي وتوحي مبادرة كرمان، أم تكون الأولوية للشق السياسي وتشكيل حكومة توافقية كما يطالب الوفد الوطني ( أنصار الله وحلفاؤهم) ؟
ولأن لكل طرف مبرراته ومخاوفه، فقد جاءت مبادرة كيري ( وزير الخارجية الأمريكية السابق)، لتقترح مسارين متزامنين لتنفيذ المطلبين أعلاه، إلا أن طرف هادي ومن خلفهما تحالف العدوان السعودي-الإماراتي رفضوا مقترحات كيري، وأعادوا تكرار المطالبة بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 على نحو حرفي.
وكان الأجدر بكرمان أن تطالب في مبادرتها بقرار أممي جديد يتضمن على نحو صريح الدعوة إلى إيقاف الحرب في اليمن واستئناف المفاوضات السياسية وفقا للمرجعيات المتوافق عليها بما في ذلك اتفاق السلم والشراكة. لكن مع ذلك يحسب للمبادرة أنها تجاهلت الإشارة إلى القرار 2216، في اتساق مع جهود المبعوث الأممي مارتن غريفتث باتجاه استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يضع حدا لتعنت طرف هادي ودعاة الحرب.
وقد نصت النقطتان الخامسة والسادسة من المبادرة على:
– إنشاء هيئة مصالحة وطنية تعمل على جبر الضرر وتعويض الضحايا.
– إعادةُ الأعمار، والتزامُ السعوديةِ والإمارات لليمنِ بالتعويضِ عن ما أحدثتاه من دمارٍ خلال الحرب.
وأجدني متفقاً مع هاتين النقطتين، وعلى أهمية المصالحة الوطنية الشاملة التي أقترح أن تبدأ بتفاهم وطني بين أنصار الله وحزب الإصلاح، وصولا إلى المصالحة الشاملة، كما أدعو توكل كرمان ومن خلال موقعها المؤثر داخل وخارج حزب الإصلاح وبناء على مواقفها الأخيرة أن تعمل باتجاه التقريب بين الإصلاح وأنصار الله، بما يساعد على تعزيز الوحدة واللحمة الوطنية الداخلية في مواجهة العدوان والمؤامرات الخارجية.
كما اتفق مع كرمان على ضرورة تحول أنصار الله إلى حزب سياسي يعمل وفق قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، بما يعزز من المسار الديمقراطي، كصمام أمان يحول دون تجدد الحروب والصراعات واستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية.
إلا أن ثمة ملاحظة أخيرة وجوهرية على المبادرة بشكل عام، وهي أنها أغفلت المناخ العام ومستجدات التصعيد العسكري في الحديدة- وهو للأمانة خطأ مشترك يقع فيه المبعوث الأممي وغيره ممن يطالبون باستئناف المفاوضات السياسية-، إذ كيف يمكن إقناع الطرف الوطني في الداخل بالاستجابة للمشاورات أو المفاوضات ما لم يتوفر المناخ الصحي للحوار أو ما يسميه غريفتث بإجراءات بناء الثقة، التي أغفلتها كرمان في مبادرتها، كما أغفلت الدعوة الصريحة إلى وقف التصعيد العسكري في الحديدة، وكأنها وغيرها يراهنون على إنجاز اختراق في هذه المعركة الفاصلة كي يتمكن طرف العدوان من فرض شروط استسلام على أنصار الله والقوى الوطنية في الداخل.
ختاما نقول: لا معنى لمطالبات السلام والتفاوض مع استمرار التصعيد في الحديدة، فإذا ما توقف التصعيد العسكري أمكن لمختلف الأطراف التعاطي مع مبادرة كرمان كأرضية للنقاش واستئناف المفاوضات السياسية بالتوازي مع تنفيذ إجراءات بناء الثقة بعناوينها الإنسانية المتوافق عليها وطنيا ودوليا.