أ. محمد المولد العنسي
تتجلى أهمية الجهاد في سبيل الله، و مكانة المجاهد عند الله في ما ورد في القرآن الكريم من آيات كثيرة جدا، تحث على الجهاد و ترغب فيه، و ما ذلك إلا لأن الجهاد يعتبر أعظم وسيلة للدفاع عن الدين الحنيف، ضد أعداء الله من اليهود و النصارى و المنافقين، و كذلك منع الظلم و البغي و العدوان، فبواسطته أي: الجهاد، يقام شرع الله، و تطبق الأحكام، و تتحقق العدالة الاجتماعية، و يعيش الانسان بكرامة، و لولا الجهاد في سبيل الله لعاث الكفار و الطغاة في الأرض فسادا و تكبروا و تجبروا، يقول الله سبحانه : (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [سورةالبقرة:251]، و تتجلى تلك الأهمية أكثر من خلال قول الحق جل وعلا (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[سورة التوبة:111] فتضمنت الآية الكريمة عقد مبايعة بين الله سبحانه و بين المؤمنين، فالله المشتري و المؤمن البائع، و المبيع النفس والمال، و الثمن الجنة، و بقي إجراءات التسليم للمبيع، و استلام الثمن – إذا صح التعبير – و ذلك يكون بالجهاد في سبيل الله، و هو ما وضحه الله في قوله:( يقاتلون في سبيل الله) فالجهاد في سبيل الله إذاً هو بمثابة التسليم الفعلي بين المتبايعين و يتحقق بقوله: ( فيَقتُلون و يُقتَلون) فتتم بذلك أركان البيع من إيجاب و قبول و تمكين من المبيع و استلام للثمن، إذ ليس بين البائع ( المجاهد ) و الثمن ( الجنة ) إلا أن يُقتل. و يبين الله سبحانه في الآية الكريمة أن ذلك وعد منه لعباده منذ القدم و باق إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، و لذلك بيّنه في جميع كتبه التي أنزلها، و يزيد في التأكيد فيقول:( و من أوفى بعهده من الله)، فجاء الاستفهام للتأكيد على صدق وعده الذي قطعه على نفسه في جميع كتبه السماوية، ثم أمرهم أن يستبشروا ببيعهم هذا لأنه بيع رابح لا مجال للخسارة فيه، بل هو الفوز العظيم قال سبحانه: (و ذلك هو الفوز العظيم ). و هذه هي التجارة الرابحة؛ لأن كل تجارة تحتمل الربح و الخسارة إلا بيع المؤمن نفسه و ماله لربه.
و لما كان الجهاد في سبيل الله بهذه الأهمية و المكانة عند الله؛ استحق المجاهد في سبيل الله أن يحظى بحب الله حيث يقول سبحانه (اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)[سورة الصف:4]، ولو بحثنا في القرآن الكريم عن القوم الذين يحبهم الله فسنجد أنهم من اتصفوا بصفات عظيمة و نبيلة، هي من مكارم الأخلاق، من ذلك قول الله سبحانه: ( إن الله يحب المحسنين )[سورة البقرة:195]، ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )[سورة البقرة: 222]، ( إن الله يحب المتقين )[سورة آل عمران:75]، ( إن الله يحب المتوكلين )[ سورة آل عمران :159]، (إن الله يحب المقسطين )[سورة المائدة:42]. فهؤلاء صرّح الله بحبهم؛ كونهم بلغوا درجة عالية من الإيمان و التقوى و الإخلاص و التفاني في العبادة لإرضاء الله سبحانه و تعالى. و لعمري إن المجاهد قد حظي من تلك الصفات بحظ وافر أهله للوصول إلى هذه المرتبة، و هي حب الله له؛ لأنه لن يجود بنفسه في سبيل الله إلا وقد سمى بها و زكاها، حتى صار من المتقين المحسنين المتطهرين التوابين المقسطين المتوكلين.
و لا شك أيضا أن المجاهد قد استوعب معنى المبايعة فبادر إلى ميدان القتال دون تلكؤ و لذا يقول الله عنه:( و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤوف بالعباد)[سورة البقرة:207]، و هذا يعني المبادرة إلى الاستجابة لداعي الله، و منادي الجهاد في سبيل الله، غير آبه بالعدو و ما يمتلكه من عتاد و عدة تفوق ما لدى المؤمنين؛ لأنه قد أيقن أن عوامل النصر هي بيد الله و أن الله قد وعد عباده بالنصر، إذا ما نصروه، فقال )يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم)[سورة: محمد7] فما على الأمة إلا أن تعد ما استطاعت، امتثالا لتوجيهات الله حيث يقول:( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم)[سورة:الأنفال60]، و أن تكون على يقين أن النصر من عند الله يقول سبحانه( و ما النصر إلا من عند الله)[سورة:الأنفال10]
و هذه ثمرة من ثمار فهم معنى المبايعة، وهي أن نفس المؤمن و ماله صارا ملكا لله سبحانه، و متى نادى منادي الجهاد وجب أن يلبيه شوقا و حبا و امتثالا. و ليس له أن يتخلف عن الجهاد في سبيل الله، لأنه إن تخلف عن ذلك – و العياذ بالله – فذلك يعني التراجع عن البيع، و هذا يترتب عليه نتائج وخيمة على الفرد و على المجتمع ككل، فأما المجتمع؛ فعيش الذلة و الهوان و الضعف و تسلط الظلمة، و تفشي الظلم و الجور و سفك دماء الأبرياء، ، فيسود جراء ذلك الباطل بدلا عن الحق، هذا فضلا على إظهار الدين أمام الأعداء بأنه دين ضعيف، و قاصر لا يفي بمتطلبات البشر ، و أما ما يصيب الفرد فالسقوط في مستنقع النفاق فيصيبه صغار في الدنيا، و أما في الآخرة فالعذاب الأليم في الدرك الأسفل من النار، و العياذ بالله، و ذلك هو الخسران المبين.
و بما أن المجاهد كما ذكر الله في كتابه قد فاز بحب الله له، و أنه قد استوعب معنى كونه باع من الله نفسه و ماله، و أنه متى ما نادى منادي الجهاد لبى دون تلكؤ أو تراجع أو تذبذب؛ فهذا يعني أن الجهاد لا يتقيد بزمن محدد، بل هو مرتبط بحاجة الأمة إليه، فمتى ما دعت إليه الحاجة، وجبت التلبية. و هذه ميزة تميزه عن غيره من العبادات، فالصلاة مثلا عبادة مرتبطة باليوم و الليلة، و الزكاة بالحول و الحصاد، و الصيام بشهر رمضان، و كونه من طلوع الفجر إلى الليل، أما الجهاد فهو مرتبط بالحاجة الداعية إليه، و هذا من الحكمة الإلهية؛ إذ قد تستدعي الحاجة للجهاد في الشتاء، و هو شديد البرودة، و قد تكون الحاجة إليه في الصيف و هو شديد الحرارة، و قد ينادي منادي الجهاد في وقت تعاني فيه الأمة من القل و الفاقة و عدم توفر متطلبات الجهاد، و قد ينادي منادي الجهاد و الناس في حالة الترف من العيش، و هذا كله من الابتلاء و التمحيص، ففي مثل هذه المواقف يظهر الصادق من الكاذب و يميز الله الخبيث من الطيب يقول الحق سبحانه:(و ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب)[سورة آل عمران:179].
و قد ينادي منادي الجهاد في شهر الحج مثلا فالمؤمن بكل تأكيد يلبي دون تراجع، بينما الذي في قلبه مرض قد يتعلل بالأشهر الحرم، أو أنه يريد أداء فريضة الحج مثلا مع أن حاجة الأمة إلى الجهاد مقدمة على أداء فريضة الحج، و الأمة بحاجة إلى هذا الفرد و أمثاله ممن لديهم القدرة على الجهاد.
و قد يجب الجهاد في شهر رمضان الكريم، و هو شهر فضّله الله على غيره فجعله أفضل الشهور و جعل أيامه أفضل الأيام، و لياليه أفضل الليالي، و اختصه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و جعل أوله رحمة، و أوسطه مغفرة، و آخره عتق من النار، و ميّزه الله أيضا بأن ضاعف الأجور فيه لعباده، فالفريضة فيه بسبعين فريضة في غيره، و أجر النافلة فيه بأجر فريضة فيما سواه، و الحسنة فيه بسبعين حسنة في غيره، فعندما ينادي منادي الجهاد، وجب على المؤمن أن يلبي دون تلكؤ أو تراجع؛ لأنه لبى داعي الله للجهاد في سبيله و دفاعا عن دينه.
و من المعلوم أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس، و لهذا يجب على كل مؤمن الانطلاق و التحرك للدفاع عن دينه و الجهاد في سبيل الله.
و على هذا فمن يتخلف عن الجهاد في سبيل الله ممن لديه القدرة على الجهاد و الحاجة إليه ماسة، بحجة الانشغال بالعبادة في رمضان و الصيام، ظنا منه أنه بصيامه و قيامه يرضي الله، فهو واهم؛ لأنه بتخلفه هذا قد صار من المنافقين والعياذ بالله، لتخلفه عن نصرة دين الله مع قدرته و تعين الحاجة إليه. و لأنه إذا تخلف و لم يجاهد، فإنه قد ترك فريضة يترتب على تركها تعطيل شرع الله و أحكامه، فبقاء الأحكام و الفرائض و منها فريضة الصيام مقترن و مرهون بالجهاد في سبيل الله، و لذلك كان من دعاء النبي – صلى الله عليه و آله و سلم – يوم بدر ” اللهم إن تهلك هذه الطائفة فلن تعبد في الأرض”، ففي دعائه – صلى الله عليه و آله و سلم -، إشارة إلى أهمية الجهاد، و أنه من عوامل إقامة الدين و بقائه، و الدين هو العبادة بمعناها الشامل.
و لا يشترط في تعطيل الأحكام إلغاء العبادة فقد يصلي الناس و يصومون و يحجون، و لكن تلك العبادات مفرغة من مضامينها، و لا تنعكس على المؤمن آثارها، و هذا ما هو حاصل في زمننا هذا إذ عدد المسلمين في الأرض قد تجاوز المليار و النصف، و لكنهم مستضعفون و مهانون، و يتحكم بهم اليهود و النصارى الذين ضربت عليهم الذلة و المسكنة، و ما ذلك إلا لأنهم فرغوا العبادة عن جوهرها و هو الإخلاص و أن تنعكس آثارها عليهم و من تلك الآثار القيام بفريضة الجهاد في سبيل الله.
و يتبادر إلينا تساؤلات مهمة؛ هي: هل الجهاد يقتصر على حمل السلاح و القتال فحسب؟ و كيف يكون الجهاد في رمضان؟ و هل يمكن لجميع المؤمنين أن يجاهدوا في سبيل الله؟ و كيف يكون ذلك؟
و للإجابة عن هذه التساؤلات ينبغي أن نبين أن الجهاد هو بذل و استفراغ الجهد من أجل إقامة دين الله و إعلاء كلمته.
و إذا كان كذلك فالجواب عن السؤال الأول هو أن الجهاد لا يقتصر على حمل السلاح فحسب، بل له مجالات أخرى لا تقل شأنا عن حمل السلاح و القتال في سبيل الله، و إن كان حمل السلاح و القتال هو أعلى مراتبه و أفضلها. و مجالات الجهاد و ميادينه كثيرة و واسعة، لا يتسع المقام لاستيفاء الكلام عنها، إلا أننا سنحاول الإشارة إلى بعضها باختصار. فنقول: إن من المعلوم أن العدو اتخذ في حربه ضدنا نحن المسلمين و بالأخص اليمنيين، طريقتين، الأولى: الحرب الخشنة، والثانية: الحرب الناعمة. و يقصد بالحرب الخشنة المواجهة المسلحة، وهذا يستدعي الاستعداد للمواجهة بحمل السلاح و القتال. و يقصد بالحرب الناعمة أي الحرب الاقتصادية و الاعلامية و الثقافية و السياسية و التوعوية. و هذا النوع من الحروب هو الأخطر؛ لأن حمل السلاح و التدرب عليه يعني الاقتصار على نوع واحد من المواجهة و هي القتال في أرض المعركة، أما الحرب الناعمة فهي تستهدف الأمة في أمنها الغذائي و في ثقافتها و سياستها و إعلامها و عاداتها و تاريخها، و هذا يعني خلخلة المجتمع و العمل على إبعاد الأمة عن دينها و كتابها و ثقافتها، و نشر الثقافات المغلوطة في أوساط شبابها، و العمل على نشر الرذيلة في المجتمع، و هذا هو الحاصل فالعدو يحاصر بلدنا اقتصاديا، و لكي ندافع عن أنفسنا يجب العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء و الدواء و تشجيع الانتاج المحلي، و الاستفادة من ثروات بلدنا وهي كثيرة جدا و في مقدمة ذلك العمل على زراعة أكبر قدر ممكن من الأراضي الزراعية. فالجبهة الاقتصادية من أهم و أخطر الجبهات التي عمل العدو على استغلالها و الضغط على الشعب من خلالها.
و من الجهاد في الجانب الاقتصادي، الإنفاق في سبيل الله، و العمل على دعم الجبهات بالمجهود الحربي. و منه أيضا كفالة أسر المجاهدين و الشهداء و الجرحى و الأسرى. و من ذلك أيضا كفالة الأيتام و الفقراء و المساكين، و بالأخص في هذه الأيام العصيبة. و من أساسيات الجبهة الاقتصادية توفير السلع في السوق بأسعار مناسبة للمجتمع، و عدم احتكارها، و اتخاذ الاجراءات الصارمة ضد المتلاعبين بأقوات العباد، و من ذلك ضبط الأسعار للمواد الاستهلاكية، كالغاز و المشتقات النفطية لما يترتب على التلاعب بها من فساد و مشاكل، فيستغل العدو ذلك لاختراق المجتمع.
و أما الحرب الإعلامية فخطرها يكمن في نتائجها الكارثية على المجتمع؛ المتمثلة في انحراف الشباب، و انتشار الرذيلة، و في خلخلة المجتمع و تفكيك نسيجه من خلال تزييف الحقائق و نشر الأراجيف، و مواجهة هذه الجبهة من أعظم الجهاد و يتمثل ذلك في كشف أكاذيبهم و تزييف كل ما يعرضونه و ينشرونه من أكاذيب، و كذلك في تبني و عرض برامج و مسلسلات هادفة و بناءة تعمل على تحصين المجتمع من الضلال و تلبي حاجته، و ذلك من خلال ربط المجتمع بالثقافة القرآنية، و بتاريخنا المشرف، فيستغني المجتمع بإعلامه عن إعلام عدوه.
و أما الحرب الثقافية فمجالاتها واسعة و يكفينا لمواجهتها أن نربط المجتمع بدينه و بالقرآن الكريم ليتحصن به و بالسنة النبوية الجامعة غير المفرقة، و استقاء المفاهيم القرآنية من قرناء الكتاب.
و أما الجبهة التوعوية فيقصد بها العمل على توعية المجتمع، بالمخاطر التي تحيط به، و في مقدمتها الخطر الأمريكي الإسرائيلي من خلال، تبيين أساليب اليهود و النصارى في تعاملهم مع الشعوب و كيف يعملون على احتلال الشعوب و السيطرة على ثرواتها، و كيف يثيرون الصراعات الطائفية و القبلية، و سبل مواجهتها التي لا يمكن أن تكون إلا بالعودة إلى كتاب الله و بالوحدة و نبذ الخلاف.
و أما الإجابة عن كيف يكون الجهاد في رمضان؟ فنقول إن لنا في رسول الله – صلى الله عليه و آله و سلم – أسوة حسنة فكما جاهد هو في رمضان و تيسر له ذلك، فلنجاهد نحن، و من يراجع في السيرة النبوية يجد أن أهم الغزوات و أعظمها كانت في شهر رمضان، و أنها انتهت بانتصار رسول الله و ظهور دين الله، فغزوة بدر كانت في 17 من رمضان فيها انتصر المسلمون و أيدهم الله بالملائكة المكرمين، و سمى الله يوم بدر بيوم الفرقان، قال سبحانه: (و ما أنزل على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)[سورة الأنفال41].
و هذا فتح مكة المكرمة كان في 8 من شهر رمضان و هو نصر عظيم و فتح منّ الله به على عباده، و غزوة تبوك كانت في شهر رمضان، و فيها أظهر الله دينه و قذف الرعب في قلوب الروم.
و من يراجع في التاريخ الإسلامي يجد أن أهم المعارك التي انتهت بانتصار المسلمين و ظهورهم، كانت في رمضان؛ مثل معركة القادسية سنة 14 هجرية، و فتح الأندلس سنة 91 هـ، و معركة حطين 584هـ، و عين جالوت 658هـ، و العاشر من رمضان 1393 هـ، كل هذه الغزوات و غيرها كانت في شهور رمضان، و قد كانت نتائجها باهرة و عظيمة، و ما ذلك إلا لإخلاص المجاهدين و صدق نواياهم، و ببركة هذا الشهر الكريم.
و أما الإجابة عن السؤالين: هل يمكن لجميع المؤمنين أن يجاهدوا في سبيل الله؟ و كيف يكون ذلك؟
فالإجابة عن السؤال الأول هي أن الله سبحانه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم كما نص على ذلك في القرآن و هذا يعني دخول جميع المؤمنين، و لم يستثن منهم إلا من نصت عليهم الآية الكريمة في قوله تعالى: (ليس على الأعمى حرج و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج )[سورة الفتح:17].
فرفع عن هؤلاء الحرج، في حمل السلاح، و لكنهم قد يستطيعون المشاركة و الجهاد في أمور أخرى هي باستطاعتهم، و لذلك قال الله في آخر الآية الكريمة:( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار و من يتول يعذبه عذابا أليما) [سورة الفتح:17].
و أما كيف يكون ذلك؟ فيمكن لنا أن نجيب عن ذلك من خلال العودة إلى السيرة النبوية، و كيف كان الرسول – صلى الله عليه و آله و سلم – إذا خرج غازيا يستخلف على المدينة المنورة، كما جرى في تبوك حين استخلف عليا -عليه السلام- على المدينة، فهل يعني استخلاف علي – عليه السلام- حرمانه من الجهاد أم أنه مشارك في الجهاد؟ لا شك أنه مشارك في الجهاد؛ لأن القيام بأمر الأمة و العمل على تيسير مصالحها و التصدي للمرجفين و الطابور الخامس يستدعي التفرغ لهم و لمواجهتهم، و فضحهم أمام المجتمع، فهذا نوع و ميدان مهم من ميادين الجهاد.
و من ذلك مشاركة النساء في ما هو مناسب لهن و هو يخدم المجاهدين كإعداد الطعام، و حملات التوعية للمجتمع بين النساء، و العمل على توعية الأبناء و البنات و تربيتهم التربية الإيمانية الجهادية.
و نخلص من كل ما سبق أن الجهاد هو بذل الجهد لإقامة دين الله، و لا شك أن إقامة دين الله مسؤولية جماعية متكاملة، يتحملها جميع المؤمنين. و أن كل فئة من فئات المجتمع يمكن لها الجهاد بما يتناسب و قدراتها و إمكانياتها المتاحة. و أن مجالات و ميادين الجهاد في سبيل الله كثيرة و واسعة و هذا يعني اشتراك الجميع و تكامل أدوارهم في العمل الجهادي و هذا منطلق من قول الله سبحانه:(فاستجاب لهم ربهم أني لا أًضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب)[سورة آل عمران:195].
و إذا كانت الأعمال و الأجور تتضاعف في شهر رمضان في الأعمال الصالحة، فإنها من باب أولى تتضاعف للمجاهد؛ كونه بلغ مرتبة عالية من الإخلاص و هي أنه جاد بأغلى ما لديه في سبيل الله و هي نفسه.