العلامة/ عبدالرحمن شمس الدين
إن الإسلام قد حدد الجهات التي تصرف إليها الزكاة وفيها فلم يَدَعها لأهواء الحاكمين، ينفقون منها على مظاهر الترف لهم أو على الأتباع والأنصار من حولهم، ولم يدعها كذلك لرغبات الطامعين فيها وهم لا يستحقونها، وفي عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ تطلعت أعين جماعة من المنافقين إلى أموال الصدقات وسال لعابهم لأخذها فنزل فيهم قوله تعالى: ? وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُون?[التوبة:58].
وحدد مصارف الزكاة في قوله تعالى: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيم?[التوبة:60].
فالفقير: هو المحتاج الذي لا يملك إلا دون النصاب غير المستثنى كالمسكن والكسوة.
والمسكين: هو أسوأ حالاً وأكثر تحملاً من الفقير، إن المسكين يشمل كثيراً من أصحاب البيوت وأرباب الأسر المتعففين الذين ضاقت موارد رزقهم عن سد حاجاتهم بحيث يحملهم ذلك على السؤال لولا الحياء.
قد يقال أليست الزكاة تشجيعاً على البطالة ومعاونة للطائفة المرتزقة لكن يقال: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ لاحظ هذه المشكلة عندما قال: «لا يحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» أي ذي قوة بدنية يقدر على العمل.
إن الواجب على كلِّ أن يعمل الواجب على الحكومة القائمة أن تهيئ له ما يناسبه.
والفقراء والمساكين صنفان:
صنف يستطيع أن يعمل ويكسب ويكفي نفسه بنفسه كالصانع والزارع ونحوهما، ولكن تنقصه أدوات الصنع أو آلات الحرث، فاللازم لمثل هذا أن يُعطى من الزكاة ما يمكن من الاكتساب وعدم الاحتياج إلى الزكاة مرة أخرى بشراء ما يلزم لمزاولة حرفته وتمليكه إياه.
والصنف الآخر العاجز عن الكسب كالمريض مرضاً لا يرجى شفاؤه، والأعمى، والأرملة، والطفل اليتيم، ونحوهم، فهؤلاء لا بأس أن يُعطى الواحد منهم راتباً دورياً يتقاضاه لأن الهدف من الزكاة ليس إطعام الفقير والمسكين وجبة أو كسوته مرة بل الهدف تحقيق مستوى لائق به للمعيشة.
والمستوى اللائق بالإنسان طعام وشراب وكسوة الشتاء والصيف ومسكن يليق بحاله لقوله تعالى: ?إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى?[طه: 118، 119] فيقابل الجوع بالطعام ويقابل العري بالكسوة ويقابل البقاء في العراء بالسكن. ومما لابد منه تعليم أولاد الفقراء والمساكين وتيسير سبيل العلاج عند المرض.
والخلاصة إعطاء الفقير والمسكين ما يخرجها من الحاجة والعوز إلى الغنى واليسر، ومن كان بحاجة إلى الزواج وهو عاجز عن تكاليفه المعتادة لمثله أعطي من الزكاة.
والعاملون عليها: هم الذين يقومون بجمعها.
والمؤلفة قلوبهم: هم أهل الدنيا والطمع الذين لا يفهمون إلا لغة المادة ويجعلونها فوق كل الاعتبارات فيعطون منها إما لتأليف قلوبهم على الإسلام، أو لكف شرهم عن المسلمين، وقد يستغنى عن هذا الصنف بحيث لا يبقى له حاجة في حال إعزاز الله لدينه.
وفي الرقاب: هم المكاتبون يعانون منها.
والغارمون: هم الذين لزمتهم الديون المرهقة وتعذر عليهم أداؤها على أن تكون هذه الديون في غير معصية وسفاهة وإسراف، إنها لروعة الإسلام أن يمد بالمال كل غارم لإصلاح ذات البين وإقرار السلام والوئام.
وفي سبيل الله: وهو كل طريق موصل إلى إعزاز الدين، وأهَمُّ ما ينفق في سبيل الله إعداد القوة للدفاع عن الإسلام والمسلمين وإيقاف المؤامرات التي يحيكها أعداء الإسلام للنيل منه، ومحاولة تشويهه، ويدخل في ذلك بدرجة أولى القتال في سبيل الله والاحتياجات المرتبطة به من سلاح أو غذاء أو دواء للجرحى، وكذا الإنفاق على المدارس التي تقوم بتدريس العلوم الشرعية وتساهم مساهمة فعالة في نشر الوعي الصحيح.
وابن السبيل: هو المسافر المنقطع عن بلده يعطى منها ما يوصله إلى بلده.
العاملون عليها أو الجهاز الإداري والمالي للزكاة
المصرف الثالث من مصارف الزكاة بعد الفقراء والمساكين هم العاملون عليها ويقصد بهم كل الذين يعملون في الجهاز الإداري لشؤون الزكاة من جباة يحصلونها، ومن خزنة وحراس يحفظونها، ومن كتبة ومحاسبين يضبطون واردها ومصروفها، ومن موزعين يفرقونها على أهلها، وكان يطلق على هؤلاء الجامع والحاسب والكاتب والقاسم والحاشر، كل هؤلاء جعل الله أجورهم في مال الزكاة لئلا يؤخذ من أرباب الأموال سواها وللتنبيه على أن تكون للزكاة حصيلة قائمة بذاتها ينفق منها على القائمين بأمرها والزكاة في الإسلام ليست وظيفة موكولة إلى الفرد وحده، وإنما هي وظيفة من وظائف الدولة العادلة تشرف عليها، وتدبر أمرها، وتعين لها من يعمل عليها من جابِ وخازن وكاتب وحاسب.
ويشترط في العامل على الزكاة أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً أميناً لأنه مؤتمن على أموال المسلمين فلا يجوز أن يكون خائناً وأن يكون عالماً بأحكام الزكاة لأنه إذا كان جاهلاً بذلك كان خطؤه أكثر من صوابه لأنه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ وما لا يؤخذ، وأن يكون كافياً لعمله، أهلاً للقيام به قادراً على أعبائه لأن الأمانة وحدها لا تفي مالم يصحبها القوة على العمل والكفاية فيه ?إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ?[القصص:26] ، ?اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ?[يوسف:55] فالحفظ يعني الأمانة، والعلم يعني الكفاية والخبرة، وهما أساس كل عمل ناجح.
– ويجب مراعاة عدم التوسع في التوظيف إلا بقدر الحاجة ويحسن أن تكون المرتبات كلها أو بعضها من خزينة الدولة الغنية وذلك لتوجيه موارد الزكاة إلى المصارف الأخرى.
– يجب متابعة ومراقبة لجان الزكاة من الجهات التي عينتها تأسياً بفعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ في محاسبته للعاملين على الزكاة، ومحاسبة العمال لها وجوه كثيرة فقد تكون لغلوله من الزكاة أو لأخذه الهدية أو الرشوة أو لغير ذلك.
فقد سمعنا الكثير ممن يدفعون زكاتهم إلى العاملين عليها ثم يقومون بمتابعة الزكاة حتى تصل إلى الجهة العلياء، فلا يصل إليها إلا عشر ما دفعوه.
– العامل على الزكاة أمين على ما في يده من أموال، ويكون مسؤلاً عن ضمان تلفها في حالات التعدي والتفريط والإهمال والتقصير.
– لا يجوز للعاملين على الزكاة أن يقبلوا شيئاً من الرشاوى أو الهدايا أو الهبات العينية أو النقدية.
– ينبغي أن يتحلى العاملون على الزكاة بالآداب الإسلامية العامة كالرفق بالمزكين والمستحقين والتبصير بأحكام الزكاة وأهميتها في المجتمع الإسلامي لتحقيق التكافل الاجتماعي والإسراع بتوزيع الزكاة عند وجود المستحقين.
ونظراً للدور الوظيفي الهام والحساس للعاملين على تحصيل وجمع الزكاة فقد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام يوصيهم بوصايا هامة ويذكرهم بتعاليم قيمة، لها إسهامها الكبير في إدارة الأموال الزكوية إدارة ناجحة، ومن هذه الوصايا والتعاليم التي كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات هذه السطور التي تتكامل مع عهده لمالك الأشتر في إدارة الدولة والحفاظ على مواردها المالية، هذه الوصايا التي ينبغي أن تكون المعايير لاختبار العاملين على الزكاة والدستور التربوي والأخلاقي للقائمين عليها.
ومن وصية له ( عليه السلام ) كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات:
قال الشريف : وإنما ذكرنا هنا جملا ليعلم بها أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق، ويشرع أمثلة العدل، في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها.
(انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللَّـهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَلَا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً وَلَا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللَّـهِ فِي مَالِهِ فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَلَا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اللَّـهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّـهِ وَخَلِيفَتُهُ لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّـهِ فِي أَمْوَالِكُمْ فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَا فَلَا تُرَاجِعْهُ وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَلَا عَنِيفٍ بِهِ وَلَا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلَا تُفْزِعَنَّهَا وَلَا تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللَّـهِ فِي مَالِهِ فَاقْبِضْ حَقَّ اللَّـهِ مِنْهُ فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلًا حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللَّـهِ فِي مَالِهِ وَلَا تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَلَا هَرِمَةً وَلَا مَكْسُورَةً وَلَا مَهْلُوسَةً وَلَا ذَاتَ عَوَارٍ وَلَا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ وَلَا تُوَكِّلْ بِهَا إِلَّا نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً غَيْرَ مُعْنِفٍ وَلَا مُجْحِفٍ وَلَا مُلْغِبٍ وَلَا مُتْعِبٍ ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَلَّا يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَبَيْنَ فَصِيلِهَا وَلَا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ [فَيُضِرَّ] ذَلِكَ بِوَلَدِهَا وَلَا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَبَيْنَهَا وَلْيُرَفِّهْ عَلَى اللَّاغِبِ وَلْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَالظَّالِعِ وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ وَلَا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ وَلْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ وَلْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَالْأَعْشَابِ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللَّـهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَلَا مَجْهُودَاتٍ لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللَّـهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَه فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ).
ومن عهد له ( عليه السلام ) إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة :
(أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّـهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَخَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لَا شَهِيدَ غَيْرُهُ وَلَا وَكِيلَ دُونَهُ وَأَمَرَهُ أَلَّا يَعْمَلَ بِشَيْ ءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّـهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ وَمَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ وَفِعْلُهُ وَمَقَالَتُهُ فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ وَأَمَرَهُ أَلَّا يَجْبَهَهُمْ وَلَا يَعْضَهَهُمْ وَلَا يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ وَالْأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ وَإِنَّ لَكَ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَحَقّاً مَعْلُوماً وَشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ وَضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ وَإِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ وَإِلَّا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ بُؤْسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّـهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالسَّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ وَالْغَارِمُونَ وَابْنُ السَّبِيلِ وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَامُ).
أما كم يُعطى العامل فالعامل يستحق ما فرض له آمره سواء كان الإمام أم غيره حسب العمل فقط لأنها إجارة فاسدة، وإذا كان العامل هاشمياً فلا يعطى من الزكاة بل يعطى من غيرها. وفي أخذ موظفي المصرف من الزكاة أجرا وراتباً تفصيل، فإذا كان هؤلاء الموظفون بقسم الزكاة ليس لهم راتب شهري مقرر من المصرف فلا يجوز إعطاؤهم من الزكاة، فهم يأخذون أجراً من المصرف، ويمكن للمصرف أن يتفق مع موظفي قسم الزكاة عل ىأن يأخذوا جزءً من الراتب الشهري من الزكاة، وجزءً يعطيهم إياه المصرف كأجر.
أما العاملون في الجمعيات فهل يعطون من الزكاة أم لا؟ فليسوا من العاملين عليها بل عاملين فيها فإن كانوا معينين من قبل الدولة فلاشك أنهم من العاملين عليها أما إذا لم يكونوا معينين من قبل الدولة فتكون رواتبهم من الجمعية التي ينتسبون إليها من أموالها أو مما يصلها من التبرعات ولا يأخذون شيئاً من أموال الزكاة على أنهم من العاملين عليها.
هل الدين يسقط الزكاة أم لا
إذا كانت الديون الاستثمارية هي التي تمول عملاً إنتاجياً كشراء بضائع بالدين أو شراء مصنع أو بناء عمارة للغلة أو استصلاح أرض للزراعة أو غير ذلك فهل تمنع هذه الديون من الزكاة أم لا.
الدين لا يسقط الزكاة سواء كان لآدمي كالقرض أو ثمن مبيع ونحوهما أو لله تعالى كالكفارات ونحوها فإن الزكاة لا تسقط بلزوم الدين قبلها أو بعد لزومها، أي دين كان هذا هو المذهب.
قال الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام وكذلك من كان عليه عشرون ديناراً وفي ملكه عشرون ديناراً فعليه أن يزكي ما يملكه، وإن كان عليه مثلها ديناً، ولا يلتفت إلى قول من قال بغير ذلك من المرخصين؛ لأنه لا يخلو من أن تكون هذه الدنانير له ملكاً يملكها، وإن كان عليه من الدين مثلها، أو لا يكون له ولا في ملكه بما زعموا عليه من دينه، فمن كانت له وفي ملكه جاز له أن يتصدق منها، ويَنكِح فيها، ويأكل ويشرب، فإذا جاز له ذلك منها وجب عليه الزكاة فيها.
وإن كان لا يجوز له أن يَنْكِح فيها ولا يتصدق ولا يأكل ولا يشرب منها فلا يجب عليه الزكاة فيها، وهذا فلا أعلم بين من حسُن علمه، وجاد قياسه وفهمه اختلافاً في أنه يأكل منها ويَنكِح فيها، وكذلك من كان عليه مائتا درهم وله مائتا درهم فإذا حال الحول عليه وجبت عليه فيها الزكاة، ولا ينظر إلى ما هو عليه من الدين.
كما هو قول للشافعية في الأظهر وأحمد في رواية، والظاهرية إلى أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقاً سواء كان مستغرقاً لجميع المال أو غير مستغرق، وسواء كان حالاً أو مؤجلاً، وسواء كان من جنس المال أو من غيره، وسواء كان من ديون العباد أو من ديون الله تعالى، وسواء كان المال الزكوي من الأموال الظاهرة كالزروع والثمار والحيوانات أو الأموال الباطنة كالذهب والفضة وعروض التجارة.
واستدلوا لذلك بما يلي:-
1- عموم الأدلة الموجبة للزكاة في المال كقوله تعالى: ?خذ من أموالهم صدقة تطهرهم?.
2- ولأنه مالك للنصاب، نافذ التصرف فيه حيث (إن ما بيده له أن يتصدق به، ويبتاع منه جارية يطؤها، ويأكل منه، ولو لم يكن له لم يحل له التصرف فيه بشيء من هذا فإذا هو له، ولم يخرجه عن ملكه ويده ما عليه من الدين، فزكاة ماله عليه بلا شك).
«حتى قال ابن حزم: إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قران، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع بل قد جاءت السنن الصحاح بإيجاب الزكاة في المواشي والحب والتمر والذهب والفضة بغير تخصيص من عليه دين ممن لا دين عليه» (1).
وعند بعض الأئمة عليهم السلام والحنفية أن الدين المستغرق يمنع الزكاة، قال الفقيه يوسف: وإنما يمنع عندهم بشرطين:
الأول: أن يكون الدين لآدمي معين لا لله تعالى.
الثاني: أن لا يكون للمديون من العروض ما يفي بالدين غير ما قد وجبت الزكاة فيه وغير ما استثني للفقير وصورته: لو كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم، وهذا الخلاف إنما هو في الزكاة التي هو ربع العشر، فأما العشر فيوافقوننا في أن الدين لا يمنع من وجوبه.
عدم سقوط الزكاة بالموت
لا تسقط الزكاة ونحوها بالموت بل تخرج من تركته وإن لم يوص.
كما لا تسقط بالردة.
(1) ابن حزم المحلي، ج6، ص35.