وجه من البرلمان لا يغضبه غير زملائه

بينما كانت البلاد تتزاحم في أحداث ثورة السادس والعشرين من ستمبر 1962 كانت أسرة أحمد على جباري تعيش حدثا آخر استقبال مولود جديد حمل اسم عبدالعزيز وكانت الفرحة كبيرة ربما تفوق أفراح الآخرين الذين يواجهون مخاوف من ضياع اليوم الذي صنعوه فقد دخلت البلاد في شتات استمر لسنوات ودفع ثمنه الناس أينما كانوا.
ترعرع عبدالعزيز في ذمار وبدأت ميولاته السياسية واهتماماته العامة تزداد وكان حريصا على نقاش كل من يفتح نافذة للنقاش وهو ما أهله ليكون واحدا من الشخصيات المحبة لقول ما تراه صائبا ومكنه أيضا◌ٍ ذلك من الشهرة بين أبناء دائرته في ذمار والتي نال فيها أغلبية حيث كان يمثل المؤتمر الشعبي قبل أن يستقيل منه .
مزاياه الشخصية أدخلته في مناظرات ومواجهات متتالية مع أبناء حزبه حيث لم يكن يوافق على كل ما يقراه الحزب بعيدا◌ٍ عن المجلس وغالبا◌ٍ ما عارض لقرارات الحزب وذهب إلى تكوين كتلة خاصة به شكل وحده قوامها فكل من أراد المخالفة فيما بعد داخل المؤتمر اطلق عليه (اتبع جباري) .
لكن أكثر ما أثار غضب المؤتمريين منه هو اعتراضه على أن يشغل قيادة المجلس شخص غير محل إجماع وهو ما أصبح الآن محل خلاف رغم مرور السنوات من تقديمه النصيحة التي في مضمونها أن يتم اختيار سياسي من المحافظات الجنوبية حتى يخلق ذلك نوعا من التوازن والإحساس به لدى الناس.
لكن مقترحه قوبل بالرفض والاتهامات لجباري أنه ليس حريصا◌ٍ على الوحدة وانما لديه طموح أن يصبح هو في المنصب. لم تعد آراؤه محل ترحاب وربما لاحظ ذلك فقرر قبل الثورة الشبابية بعامين أن يترك المؤتمر ويصبح ممثلا مستقلا برأيه يقف حيث يرى المكان الصحيح للوقوف وحين انطلقت الثورة السلمية مطلع 2011م كان جباري يبتسم لقد وصلوا إلى ما كان يحذر من الوصول إليه وخرج الشعب ضد السياسات غير الموفقة والتي تعتقد أن القوة والغلبة تدوم لمن يملك السلطة والمال¡ وسار عبدالعزيز في موكب الثورة التي وجد نفسه وسطها دون أي تخطيط .
لم يعق مسيرته السياسية وجهوده غير أحد الأمراض الخطرة التي كادت تؤدي بحياته ومر بتجربة مريرة مع الألم الذي تعافى منه وعاد أكثر تماسكا فقد رأى أن صدق الإنسان وإخلاصه وحبه هو ما يظل رفيقا◌ٍ في اللحظات التي يصبح فيها وحيدا .
يشغل الآن إلى جانب عضويته في البرلمان عضوية مؤتمر الحوار وهو ممن كان لهم وجهة نظر حول صياغة الدستور حيث يرى أننا عندما نصيغ دستورا فإننا نحدد ملامح المستقبل ونرسم خارطة لطريق الغد قد يستمر العمل به لعقود من الزمن فيجب أن يكون رؤية للمستقبل وليس للحظتنا الحالية .
ويضيف: عندما تريد صناعة شيء يحترمه الجميع ويرجع إليه الكل فعليك أن تقترب به من أجمل صورة وأن تجعل العيوب أقل ما فيه¡ فكيف يكون الأمر عندما يتعلق بدستور يحدد حياة الناس وينظم علاقة الحاكم بالمحكوم وبكل المكونات الأخرى .
ويستشهد جباري بما حدث في جنوب افريقيا الدولة ذات التنوع المتجانس بصورة ملفتة بعد أن كانت مكانا لموت كل شيء احتاجت ست سنوات لتصنع دستورا يشار إليه اليوم كمعلم من معالم الحضارة الإنسانية.
ومع كل ذلك يواجه جباري ومعه 37 من أعضاء فريق بناء الدولة حربا◌ٍ ظالمة لأنهم دعوا للتأني في اتخاذ بند◌ُ يتحدث عن الجانب التشريعي في صناعة القوانين وضرورة عرض ذلك على القانونيين ليحددوا الصيغة المناسبة بحيث تكون العلاقة واضحة بين القانون والفتوى .
ربما هي ذات الآلة التي تحرك المحرضين ضد من يفكر في مصالح الناس التي واجهته في المجلس وتواجهه في مؤتمر الحوار الوطني¡ ولا يعتب جباري سوى على زملائه الذين يعرفونه ويعرفون كم يحب خدمة دينه عبر الاعتدال وتحبيب الناس فيه وكم يحب إشراق المدنية والعدالة والتنمية في حياة اليمنيين أينما كانوا .

قد يعجبك ايضا