الصمت المريب
سعاد الشامي
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم؛ وهذه النعمة لم تقتصر على الهيكل الخارجي وحسب ؛ أو على نعمة العقل والتدبر فقط ؛ بل كانت نعمة الإحساس، وهي أجمل مقومات الإنسان والشاهد الأول على كينونته والتي لو فقدها لأصبح مجرد قطعة شكلية ؛ ركيكة التركيب ؛ فاقدة المشاعر ؛ منزوعة الهوية الإنسانية..
فالإحساس هو نعمة سماوية ؛ له ملكية خاصة تعتلي عرش القلب ؛ وتنساب في شغاف الروح ؛ وله مشاعر صادقة وجامحة تنساق بولاء المحبة والاهتمام والمواساة والمساندة للآخرين؛ والتي يترتب على آثارها خوض هذه الحياة وفق المقاييس الكونية السليمة..
وكان من المفترض إنسانيا أن جريمة واحدة من الجرائم المروعة التي ارتكبتها وترتكبها قوى التحالف العدواني بحق أبناء الشعب اليمني وللعام الرابع وبتلك المشاهد الوحشية كفيلة بتحريك أحاسيس هذا العالم المنافق ؛ نحو استعادة بصيرته المفقودة ؛ ومراجعة حساباته البشرية ؛ ليقف بمصداقية على وقائع هذه الجرائم اللإنسانية ليقول للمجرمين كفى..ولكن للأسف وفي كل مرة كان يسدل الستار على فظاعتها ويجاوب وحشيتها بالصمت المريب!
فما الذي سلب الناس نعمة الإحساس ؟!
وما الذي أفقد الجوراح إتزانها لتتحول إلى مستبد شيطاني يصدر مشاعر مشوهة ومواقف متعفنة ؟!
وما الذي هدم صروح الفطرة الإنسانية وأحرق مبادئها النقية وأنتهك عرض أخلاقها السامية ؟!
فما هو السر الذي يجعل الإنسان يلوذ بصمته اللئيم ، ولا تنصت مشاعره إلى مظلومية جائرة رغم ما يضج منها من مجازر يومية تذيب الصخور الصماء ؟!
فاليوم وبعد مجزرة أطفال ضحيان الملطخة بدم البراءة المقصوفة والتي شقت أضلع الطفولة وعرت أهداف العدوان الحقيقية ؛ فهل بالإمكان إذابة صخور القلوب القاسية وصهر جليد المشاعر المتجمدة قليلا لتتغير المواقف السلبية وتؤدي الإنسانية واجب الإحساس بالآخرين ؟!
أم أنها ستبقى مأسورة خلف دائرة الريال السعودي والدولار الأمريكي، محتجزة بأحكام العمالة والارتهان ، مدمنة للصمت والكتمان ؟!
ويبقى أطفال اليمن يصرخون :
“إنصهري يا جبال الصمت ..”