هيا بنا نضحك وعذراً يا صديقي
عباس الديلمي
لمن يتساءل عن معنى قول فيلسوف الشعراء “أبو الطيب المتنبي” ولكنه ضحك كالبكاء لا أوضح له المقصود بالشرح ولكني أقول له تعال معي لنضحك سويا بطريقة المتنبي ..
“مدخل”
يقال أن العدواة بين الشاعر والناقد قديمة قدم الشعر وستظل حتى يرث الله الأرض ولكني لم اتفق مع هذا الرأي بدليل أن أصدقائي من النقاد كأصدقائي من الشعراء والفنانين وهذا ما جعلني استمر في البحث عن سبب مقولة العداوة تلك حتى جاء اليوم الذي حمل معه ما مكنني من معرفة المطلوب فوجدت أن عداوة الشاعر ليست مع كل ناقد ولكن مع من يدعي المقدرة على النقد أو من يحاول الدخول إلى عالم النقد من بوابة التجني ولا أقول الحقد المصحوب بالغباء كذلك الذي صادفته ليوجه إليّ من النقد ما سمعته وقلت إن الخصومة مع شخص كهذا الكائن مما يضاعف الأجر والحسنات عند الله.
بعد هذا المدخل تعالوا نضحك بطريقة المتنبي، قبل أيام خطرت لي فكرة هي: كما كانت أنشودتي دمت يا سبتمبر التحرير هي بداية ما كتبته وما لحنه صديقي الفنان أيوب طارش من الأغاني الوطنية رأيت أن يكون ختام المشوار مع أيوب أيضا فتذكرت مطلعا للحن أسمعني أياه صديقي أيوب في لقاء جمعنا قبل أيام وأن اتفاقنا كان أن يكون الوزن الشعري وبداية ذلكم اللحن هو عمود عمل متكامل فقمت بمراجعة النص من جديد واستكماله وتواصلت مع أيوب طالبا منه موافقتي أن تكون خاتمة أعمالي كما كانت البداية بصحبته فوافقني مشكوراً أما مطلع العمل المشار إليه فيقول:
عش خالداً، الله من عليائه معك
وصامداً، على جبين الدهر موضعك
وماجداً، في كل حبات القلوب موقعك..الخ
وبعد أن تحمس أخي وصديقي يحيى علي الحباري لتبني انتاج العمل سمعت أن هناك من اطلع على النص وقال أن في هذا عيبا ونوايا غير حسنة لأن كلمة خالد في اللغة العربية تعني الميت فضحكت بطريقة المتنبي ولكني أشفقت عليه ولم أكن لئيما وآثرت أن أفيده وأن أعرفه بمعنى كلمة خالد في لغتنا العربية واجتهدت لاختصر عليه المشقة.. بما يلي:
الخُلد هو دوام البقاء في دار لا يخرج منها المرء وخلد فلان أي بقي وأقام وقد جاء اسم دار الخلود من أن أهلها لن يغادروها والخلود هو نقيض الموت تماما لقوله تعالى “أيحسب أن ما له اخلده” أي أن ما له سيمنع عنه الموت ويخلده والخلد هو الاستمرارية وعدم التغير والانقراض ولهذا سمي الجبل والصخر الشامخ خالداً جمع خوالد لأنه طويل البقاء، والخلود هو الاستمرار على الحال ولهذا يقال عن الرجل المُسن الذي لم يتغير لون شعره ولم تتساقط أسنانه خالد وكأنه خلق ليخلد في وجه عوامل الزمن وفي قوله تعالى “يطوف عليهم ولدان مخلدون”قال بعض علماء اللغة أنهم المتزينون بالحلي وقال آخرون وهو الأرجح إن المخلدين هم من في عمر واحد ويظلون كما هم بلا تغير أو تقدم في السن المهم هناك أكثر من مائة دليل وشاهد لغوي أن الخالد هو عكس ونقيض الميت أو من يتحول أو يتناقص.. الخ وهنا لا يسعنى إلا أن أنصح من أعني بقراءتها في أي معجم لغوي ومنها “لسان العرب” الذي ألفه عالم فارسي في القرن الـ7م لأمثال هذا العربي ليتعلم لغته وسامحه الله لأنه جعلنا نضحك بطريقة المتنبي ولا عجب إن سمعناه يقول “ميت بن الوليد” بدلاً من خالد بن الوليد وصدقوني أن ما دفعني لهذا هو الغيرة على اللغة لا غير ولا سوى أما صديقي المبدع أيوب طارش فقد اعتذرت له وقبل عذري كما وافق أن يمنحني من صبره.