أردوغان .. والإخوان
أحمد يحيى الديلمي
الهالة الكبيرة والهوس غير المعهود الذي أتسمت به وسائل إعلام الإخوان المسلمين يوم الاثنين الماضي عقب الإعلان عن فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية جديدة أذهل الكثيرين بل وجعلهم يتساءلون عن مثل هذا التعاطي المجنون مع أن القضية عادية ولا تحتاج إلى كل هذا التهويل ، لأن الأمر يخص الشعب التركي ويتعلق بإرادته لكن يبدو أن الإخوان المسلمين بعد الهزائم العديدة التي تعرضوا لها أصبحوا يتمسكون بأي قشة تظهر أنهم لا يزالون أحياء يسيرون على وجه الأرض بعد أن تعاقبت الهزائم عليهم ، وتحولوا إلى لاجئين في الدول ، بالذات عندما تنكر لهم الحضن الدافئ وهي السعودية التي أصبحت تتعاطى معهم في السر ومن تحت الطاولة خوفاً من سخط وغضب أمريكا ، كذلك الأمر بالنسبة لقطر التي لا تزال تراوح بين المقاطعة والاستمرار في التعاطي مع أتباع هذه الجماعة ، المهم أن وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات إعلام الحركة أقامت الدنيا ولم تقعدها واعتبرت ما حدث في تركيا نصراً للحركة ، بل وتمادى البعض في أنه تحول إلى ملكي أكثر من الملك ، وقول أردوغان أشياء لم يقلها أو أنه تحاشى عن قولها ، أحدهم علق عن هذا الموضوع بخبث قائلاً ( الجماعة مصدقين أن أردوغان سيعلن قريباً عن دولة الخلافة الإسلامية) وهو المسعى الذي لا تزال الحركة تناضل من أجله وإن تخلت عنه ظاهرياً إلا أنه ثابت في أعماق أتباعها لأنه شعار متأصل بل وهدف قائم بذاته قدمت به الحركة نفسها من أول وهلة ، وبالتالي فإن مقارنة هذا الأمل مع ما أقدم عليه أردوغان من خطوات كان آخرها تعديل الدستور ومنحه صلاحيات مطلقة ، كل ذلك يجعلنا لا نستبعد أن يعلن أردوغان نفسه عام 2020م خليفة للمسلمين وأن تركيا استعادت مجدها فأصبحت عاصمة الخلافة الإسلامية كما كانت في الماضي ، هذا إذا سلمنا بما ذهبت إليه وسائل إعلام الإخوان المسلمين ليلة إعلان نتيجة الانتخابات فهم قالوا أكثر من هذا واعتبروا أن الرجل بالفوز الذي حصل عليه أعاد للحركة قوتها وبهائها ، واعتبروا ما حدث مجرد نقطة انطلاق لإعادة دولة الخلافة الإسلامية لمجدها التليد.
وهنا أتساءل: ألا يدرك هؤلاء أن هذا الرجل بتصرفاته الجنونية وهوسه الرئاسي قد أعاد تركيا قرناً من الزمن إلى الوراء عندما أعطى نفسه صلاحيات مطلقة وعاد إلى الرئاسة كدكتاتور متسلط بيده زمام كل شيء وهو ما يخيب آمال الأتراك في الديمقراطية التي يحلمون بها وفق النموذج الأوروبي ، فكون أردوغان أصبح الحاكم بأمره يعني أنه لا ديمقراطية ولا شيء من هذا القبيل إنما دكتاتورية مطلقة تعيد نموذج السلطان العثماني العتيد الذي بيده زمام كل شيء، فهو من يعين الوزراء وهو يعين السفراء والقادة العسكريين بينما كان هذا الأمر يخضع للمجلس النيابي الذي أصبح وفق تعديل أردوغان مجرد هيكل ديكوري هلامي يؤيد ما يقوله الرئيس المتوج ، وهو فعلاً نموذج لا يختلف كثيراً عن ما كان سائداً في زمن الخلافة الإسلامية التي لا تزال معشعشة في مخيلة جماعة الإخوان ولا يزالون يحلمون بها ليلاً ونهاراً ، وما صدقوا بأن أردوغان فاز في الانتخابات كي يتحدثوا عن هذا الهدف العظيم ويعيدوه ويخرجوه من تحت الطاولة إلى فوقها، ولم يدركوا أن الأردوغان هذا عاد إلى الرئاسة بمباركة أمريكية لأن أمريكا تعتبره أحد أقطاب ترجمة صفقة القرن على أرض الواقع ، والكل يعرف ما هي صفقة القرن التي يسعى من خلالها الرئيس الأمريكي “ترامب” إلى تصفية القضية الفلسطينية وإفقاد الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره آخر نقطة أمل ، وأردوغان هو إحدى الركائز المعول عليها في ترجمة هذه الخطوة على أرض الواقع ، هذا ما سبق أن أعلن عنه أحد المسؤولين الأمريكيين إذ اعتبر أردوغان أحد المؤشرات العملية لإعلان دولة إسرائيل الكبرى ، ونحن نعلم جيداً ماذا يعنيه هذا العنوان التآمري الخطير .
طبعاً سبق لأردوغان أن قام بأعمال بهلوانية مثل موقفه في دافوس ، وسفينة بربرة ، لكن الأيام كشفت بأنها مجرد زوبعة لا وجود لها في أرض الواقع وأن العلاقات بين دولة الكيان الصهيوني وتركيا عادت إلى أحسن مما كانت عليه في الماضي ، أي أن هذه الخطوات تم الاتفاق عليها مسبقاً لكي تساعد أردوغان ليقدم نفسه زعيماً إسلامياً ويجد التعاطف في الدول العربية والإسلامية ، ثم أننا نسأل بمرارة الإخوان المسلمين في بلادنا: كيف تتباكون على الجمهورية في اليمن وتحلمون بقيام ملكية في تركيا؟! أليست مفارقة عجيبة !! ألستم بهذا العمل تكذبون على الله وعلى الناس وتحاولون أن تقدموا أنفسكم في رداء المظلوم المغلوب على أمره وأنتم تتباهون بعودة دكتاتور إلى السلطة وهي صورة بشعة تتعارض مع أبسط مبادئ الإسلام الحنيف ، وهذا ما يجعلنا نضع هذه الجماعة المتطرفة في خانة خاصة ترتضي العمالة والخيانة وتنقاد طواعية إلى مزالق التآمر على نفسها وعلى بلدانها وهذا ما يجعلنا نشفق عليهم ونؤكد على أن أردوغان هذا الذي تباهوا بانتصاره سيكون في يوم من الأيام وبالاً عليهم لأنه يعيش حالة جنون في الرئاسة والزعامة ، ما نتوقع هو أن يستقر في خيالاتهم أن الرجل فعلاً قد يتمادى ويعلن نفسه خليفة للمسلمين فيعيد الأمة إلى أوكار الذل والهوان ، لأننا سنعيش لا سمح الله فترة حروب طاحنة لمواجهة صلف الرجل الذي يحلم بزعامة المسلمين بدون أجنحة ولا مؤهلات حقيقية تجعله يصعد إلى هذه المكانة برضى وقناعة كل أطراف الأمة .
وأخيراً، أقول للإخوان المسلمين تجاوزاً: متى سيأتي اليوم الذي تراجعون فيه حساباتكم ولا ترهنون قراركم وإرادتكم لأحد ، فأنتم في الماضي استقطبتم فكر أبو الأعلى المودودي واعتبرتمونه منهجاً لكم بكل ما فيه من الغث والسمين ، وبعد ذلك جعلتم أفغانستان قبلتكم وعشتم مع أمريكا في خندق واحد لمدة أعوام بحجة مقاومة الاستعمار السوفيتي ، فأين ذهبت دماء أولئك الشباب الذين ضحيتم بهم في أفغانستان وما كانت النتيجة ؟! كنتم الوقود الذي استخدمته أمريكا لتصل إلى أهدافها وتتمكن من احتلال أفغانستان ، فلماذا لا تقاتلون الاحتلال الأمريكي اليوم كما قاتلتم الاحتلال الروسي ، أم أنه متاح لأمريكا ما لا يتاح للروس ، هذه مفارقات عجيبة تضع العديد من علامات الاستفهام وتسبغ مستقبلكم بالعتمة والظلام ، فهل لا استفقتم من حالة الارتهان المهين للأعداء ، ويجب أن توقنوا كل اليقين أنه لا أردوغان ولا غيره سيفيدونكم إذا لم تتحروا الدقة والمصداقية في أعمالكم وتبحثوا عن الإسلام الصحيح بمبادئه السامية التي تحفظ للأمة كرامتها وللعقيدة صولتها.. والله من وراء القصد ..