سجلّ النظام السعودي الأسود في حقوق الإنسان لا يحتاج إلى كثير عناء لإثباته، فسلطات هذا النظام تستمر بحملات الاعتقال التعسفية والمحاكمات والإدانات للمعارضين فيما يتواصل سجن عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء لفترات طويلة جراء انتقادهم هذه السلطات والمطالبة بإصلاحات.
عشرات التقارير للأمم المتحدة ومنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وثقت جرائم وانتهاكات هذا النظام بحق السعوديين آخرها ما أوردته لجنة تابعة للأمم المتحدة في تقرير لها قدمته في ختام زيارة لمملكة بني سعود استمرت خمسة أيام حيث تضمن التقرير الذي نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقتطفات منه “تقييما قاسيا” لسجل حقوق الانسان في السعودية.
ما زاد من قوة التقرير الجديد أن الزيارة كانت بناء على دعوة من السلطات السعودية التي تدعي أن قوانينها لمكافحة الإرهاب تفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان لكن هذه السلطات فشلت في تمرير ما كانت تريد لأن انتهاكاتها بحق كل من يعترض على سياساتها لم تعد تخفى على أحد داخلياً وخارجياً.
محرر الشؤون الدبلوماسية في الغارديان باتريك وينتور أوضح أن اللجنة التقت مسؤولين سعوديين بارزين وعدداً من الوزراء والقضاة ورجال الشرطة وممثلي الادعاء العام وخلصت في ختام زيارتها إلى أن السلطات السعودية تمارس عمليات اضطهاد منظم ومستمر للمعارضين باستخدام القوانين التي تقول إنها لمكافحة الإرهاب والتي تسمح لها باعتقال المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان.
ويقتبس وينتور بعض المقتطفات من التقرير منها.. أن “هؤلاء الذين يعبرون عن رأيهم بشكل سلمي يتم اعتقالهم واضطهادهم بشكل ممنهج في السعودية حيث يقبع بعضهم في السجون فترات طويلة كما أعدم بعضهم بعد محاكمات غير عادلة بشكل صارخ.”
تقرير الأمم المتحدة الأخير سبقه تحذير من منظمة هيومن رايتس ووتش التي قالت مديرة قسم الشرق الأوسط فيها سارة ليا ويتسن: “يبدو أن الحكومة السعودية غارقة في محاولاتها إسكات المعارضة لدرجة أنها تعيد استهداف النشطاء الذين التزموا الصمت خوفا من الانتقام.. على السعودية الحذر من أن موجة القمع الجديدة قد تجعل حلفاءها يشككون في مدى جديتها بشأن تغيير نهجها.”
وأوضحت ويتسن أن السلطات السعودية وجهت اتهامات للجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية بـ “ذم السلطات وإهانة القضاء وتحريض الرأي العام والمشاركة في تأسيس جمعية غير مرخص لها وانتهاك قانون جرائم المعلوماتية” لمجرد دعوتها إلى إصلاح سياسي واسع ومطالبتها الحكومة بالكف عن الانتهاكات مثل الاعتقالات التعسفية واعتقال من يمارسون حقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات سلمياً.
أما منظمة العفو الدولية “أمنستي” فأكدت أن حالة حقوق الإنسان في السعودية تزداد سوءا وأن حملة قمع المجتمع المدني وحرية التعبير في المملكة مستمرة بلا هوادة مشيرة إلى أن السلطات تستغل قانون مكافحة الإرهاب لتوجيه تهم غامضة للمدافعين عن حقوق الإنسان أمام محكمة “سيئة السمعة.”
وأوضحت العفو الدولية أن عشرات الكتاب والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان يقبعون وراء القضبان في السعودية لمجرد ممارسة حقهم في التعبير في حين أصدر خمسة خبراء حقوقيين في الأمم المتحدة بيانا نددوا فيه بـ “نمط مثير للقلق في السعودية من الاعتقالات التعسفية الواسعة والممنهجة واحتجاز عشرات الكتاب والصحفيين والأكاديميين والناشطين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.”
مديرة حملات الشرق الأوسط بمنظمة العفو سماح حديد اشارت بدورها إلى أن أفضل آلية للعلاقات العامة في العالم لا يمكن أن تتستر على سجل حقوق الإنسان السيئ في السعودية مبينة أن حملة القمع ضد الأصوات المعارضة اشتدت منذ تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد في حزيران الماضي رغم تقديمه على أنه “إصلاحي” داعية إياه إلى وضع حد للقمع الممنهج ضد النساء والمدافعين عن حقوق الإنسان والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع سجناء الرأي.
انتهاكات السلطات السعودية لحقوق الإنسان دفعت المحامين البريطانيين كين مكدونالد ورودني ديكسون إلى القيام بحملة بهدف تعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف مشيرين إلى أن سلطاتها تستهدف نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وآخرين يمارسون حقهم في حرية التعبير ومؤكدين أن الاعتقالات التي تتم تنتهك القانون الدولي.
ما وثقته المنظمات الدولية من انتهاكات في مملكة بني سعود ليس جديداً فمنذ تأسيسها وهي تقوم على كبت الحريات وقمع السعوديين فنظام الحكم الملكي فيها هو نظام مطلق يمنع وجود الأحزاب السياسية ولا يطبق دستوراً ونظاماً قانونياً واضحاً مع غياب لسلطة تشريعية تحاسب السلطة التنفيذية على تصرفاتها وهذا ما ساعد في الاستمرار بتسلط العائلة الحاكمة.
النظام السعودي منبع الإرهاب وأبرز منتهكي حقوق الإنسان في العالم فمن تأييده الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 إلى دعمه الإرهاب في سورية وليبيا ثم عدوانه على اليمن وصولاً إلى تكشف علاقاته مع كيان الاحتلال الإسرائيلي يستمر في حماقاته داخلياً وخارجياً بغطاء من حليفه الأول الولايات المتحدة التي تتعامى عن كل هذه الحقائق مقابل حصولها على الثمن الذي لخصه رئيسها دونالد ترامب بقوله: “هناك دول لن تبقى أسبوعاً واحداً من دون حمايتنا وعليها أن تدفع ثمن ذلك.”
مقولة ترامب تحققت فعلاً حيث دفع النظام السعودي مليارات الدولارات لواشنطن تحت عناوين صفقات تسليح في حين يعلم الجميع وفي مقدمتهم ترامب أن الهدف من ذلك شراء صمت الولايات المتحدة وتمهيد الطريق أمام تولي محمد بن سلمان الحكم في النظام السعودي ليستمر في الارتهان لسياسات واشنطن وتنفيذ مخططاتها للهيمنة على دول المنطقة خدمة لمصالحها وحماية لكيان الاحتلال الصهيوني وما “صفقة القرن” إلا إحدى تجليات هذه التبعية للأمريكي.
وبحسب التقرير الجديد الذي نشرته الخميس صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن المواطنين الذي يمارسون حقهم في حرية التعبير يضطهدون بشكل ممنهج في بلادهم، كما أكد أن المسؤولين السعوديين الذين ثبت تورطهم في تعذيب معتقلين يستفيدون من ثقافة عدم المحاسبة.
ونقلت الصحيفة عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب ومعدّ التقرير بن إيمرسون قوله، إن معلومات التقرير استندت إلى تحقيق استمر لخمسة أيام بدعوة من الحكومة السعودية.
وذكر إيمرسون أن السلطات السعودية لم تسمح له بالدخول إلى عدد من السجون، أو مقابلة بعض نشطاء حقوق الإنسان المعتقلين الذين كان يرغب في التحدث إليهم.
وقال إيمرسون إنه “من العار أن تقوم الأمم المتحدة بالسماح للسعودية بدخول مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (HRC)” في عام 2016، وحذّر المستثمرين من أنه لا يوجد أي سلطة قضائية مستقلة في البلاد، ما يجعل أي استثمار في الخارج عرضة لنزع الملكية، وأضاف: “لقد أصبح القضاء الآن تحت سيطرة الملك بالكامل، ويفتقر إلى أي مظهر من مظاهر الاستقلالية عن السلطة التنفيذية”، وأشار إلى أنه ليس هناك أي فصل بين السلطات في البلاد، فلا حرية التعبير، ولا حرية الصحافة، ولا النقابات فعّالة، وليس هناك مجتمع مدني نشط، وجميع السلطات محصورة بيد الملك وأفراد أسرته.
وعلى صعيد متصل، طالبت منظمة “فريدم هاوس” المعنية بحقوق الإنسان السعودية بإسقاط التهم الموجهة ضد سبع ناشطات سعوديات بارزات كن قد اعتقلن على خلفية المناداة بحقوق المرأة.
وقالت مديرة برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة دوكي فاسهيان، إن الملاحقة القانونية للناشطات تعارض مشهد التحضر والاعتدال الذي يحاول رسمه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإن السعودية تشنّ حملة قمع غير مسبوقة ضد المدافعات عن حقوق المرأة وتسعى لإبعادهن عن أعين المجتمع الدولي كي لا يؤثرن على صورة “الإصلاح” الذي تدعيه المملكة، وأمريكا تعمل لحثّ الرياض على إطلاق سراح جميع الناشطات.
وكانت السلطات السعودية اعتقلت قبل أيام عددا من النشطاء الحقوقيين أغلبهم من النساء ووجهت لهم تهم الخيانة والتواصل مع سفارات أجنبية.