قراءة لمحاضرات السيد عبدالملك الحوثي الرمضانية (13)
عبدالفتاح حيدرة
يصل الإنسان إلى مرحلة عمرية تمكنه من التمييز بين نقيضين هما الاستمتاع الدائم أو الشقاء الدائم ، مرحلة المتعة الروحية التي يلاقيها الإنسان، هي تلك المرحلة التي وصل فيها إلى ربط بحثه وتساؤلاته المستمرة وحصوله على الإجابات الشافية والوافية والصحيحة، أنها مرحلة للحصول على هدى الله، ومن باب ان الله سبحانه وتعالى يعامل عباده بالرحمة، يرسل لهم دائماً أنبياء وأعلام هدى وفكر، يرسل لهم نماذج من رحمته، هذه النماذج هم المتقون التي تمثلها تقواهم تصرفات ومواقف وولاءات بما يرضي الله، ولكن عباده مصممون على أن يعاملوا بعضهم بقسوة..
ربنا يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله : “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ? وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ? فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ”. لكن الناس تتعامل بعنف مع المُقصّر دوما، أو الذي هم يرونه مقصّرا، لأن هناك ظاهراً وباطناً ولا يعلم الباطن إلا الله، البعض من الناس يتعاملون مع المختلف دينيا ومذهبيا بفوقية سياسية ومناطقية مقيتة، شيء ليس طبيعياً، والأمر هذا لا ينطبق فقط على المسلمين، ولكن تقريبًا غالبية المتدينين السياسيين من كل الأديان..
شخصيا ومن وجهة نظري القاصرة في هذا المجال، إذا أردت أن تعرف درجة قربك أو بعدك من المنهج الذي وضعه الله لعباده، المنهج القرآني، انظر لقلبك، شاهد مدى تقواك لله وخشيتك لله وحبك للناس وقدرتك على تحملهم، وليس هناك أي داعٍ لتفتش في نفوس الناس، وقل لعلّه أفضل مني، لأننا لو رجعنا سوف نلاقي الأنبياء هم أكثر البشر رحمة بالبشر، وهذا راجع لأنهم أقدر الناس على فهم هذه الجزئية من التعامل، الرحمة هي طريق وصولك إلى الله وأيضًا طريق تعايشك السلمي مع البشر..
أن تصبح من أنصارالله أو إصلاحياً أو مؤتمرياً، أو كنت يمنياً معتدلاً وواعياً، أو غير ذلك، كلها توجهات فكريه مختلفة، لكنها في النهاية تتشابه في الظاهر من الإنسان في معاملاته مع الآخرين، لأن حسن الخلق هو ما نراه ممن لا نعرفه وليس تدينه السياسي، لذلك لا يعنيني ما هو مذهبك السياسي أو حتى إن لم يكن لك دين سياسي من أصله، فكل ما أراه منك هو ما تُعاملني به، من خلال نواهي وأوامر الله وفي منهج كتابه الكريم، فإن كانت معاملتك لي ولغيري من الناس حسنة وطيبة وفيها من العزة والكرامة ما يشعرني بالخجل منك، فأنت بالنسبة لي إنسان رائع وتقي وتحب الله والله يحبك، أما ما هو بينك وبين ربك فهو شأن يخصك ولا يخص غيرك..
إن مذهبي أو تديني أو استقامتي أو غير ذلك يحمل شقاً خفياً بيني وبين خالقي، أما الشق الظاهري بيني وبين العالم من حولي فهو نضوج وعيي وقيمي ومشروعي تجاه البشرية ، فلا أنا أهمشك أو اكذب عليك ولا أُكفرك ولا أنت تسخر مني وتخرجني من الملة الدينية والوطنية، لكن إن احتجتك وجدتك وإن احتجتني وجدتني، إن احتجت مواقفك وتصرفاتك وولاءك لله ولرسوله وجدتها أمامي، هنا سأكون أنا وأنت متساوين في وعينا وقيمنا ومشروعنا، وسوف يكون المجتمع كله وآلامه كلها متساوية في وعيها وقيمها ومشروعها الذي يخدم سنن الله والذي يسير على نهج القرآن الكريم..
ما أود توضيحه هو أن الفكرة كلها في المفهوم السائد عن الدين أيا كان وبشكل عام، الدين هو في الأصل نظريات ثابتة وأسس وقيم وغايات للارتقاء بالنفس البشرية وتزكيتها وتنقيتها من التعالي والتعصب وسيئ الأخلاق، لكن تحويل الدين إلى ايديولوجية مجتمعية إلزامية ذات مظهر محدد ، ينقل الدين من رحابة السعة للجميع حتى المختلف معه ، إلى مجال التعصب للمنظومة أو الجماعة أو الشلة السائدة في المجتمع والمعتنقة لهذا المفهوم الأيديولوجي، الذي وبمجرد اعتناقها لمفهوم الجماعة أو الشلة الايدلوجيه، فإنها لم تعد متدينة أصلا، بل أصبحت جماعة وشلة سياسية بامتياز ..
إن ما رسخته جماعات وشلل الكهنوت، هو ما هو سائد ومنذ قرون، وفي كل الديانات، والتاريخ خير شاهد، وليس فقط بين الديانات المختلفة ، بل أيضا في داخل الدين الواحد، استعلاء العبرانيين على السامريين في اليهودية، مجازر القتل بين الكاثوليك والبروتستانت والارثوذكس في الماضي المسيحي، الصراعات ما بين الشيعة والسنة ، والمعتزلة والحنابلة، وصولا للحاضر وصراع السلفية والصوفية والأشعرية والاخوانية ، وانتهاء بوصول داعش والقاعدة وأشباههم من الاستعلاء على الجميع، استعلاء لصالح الشلل والجماعات التي ظاهرها التدين وباطنها السياسة والسلطة والثروة ..
الأديان صارت تحتاج إلى تجديد في مفهوم الوعي والقيم والمشروع للخطاب الديني، تحتاج الى ثورة حقيقية في الفكر والمفهوم ، والانقلاب الكامل على ما هو متوارث كأصل مقدس بينما هو ابعد ما يكون عن القداسة، تحتاج الى إعادة قراءة من جديد بأسس ومفاهيم المنهج الرباني، منهج القرآن، الذي يحفظ دوما سمو ورقي الذات الإلهية، ويمنح الذات الإنسانية عزتها وكرامتها ووعيها وقيمها ومشروعها، وهذا ما منحنا الله إياه هذه الأيام من وعي وقيم ومشروع محاضرات السيد القائد المجاهد عبدالملك بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه..
كل يوم يقرأ المسلمين سورة الفاتحة، سبع عشرة مرة باليوم، على أساس خمس صلوات باليوم، وتقول إحدى آيات سورة الفاتحة : “اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ”، ما يعني أن الإنسان دائمًا مشكوكٌ في كونه على الطريق الصحيح، وهو الأمر الذي يستوجب منه أن يراجع نفسه باستمرار، وأن يضع احتمال الخطأ على الدوام، ولو تعامل مع هذه الآية بما تحتمله لن يتدخل في أمر غيره، لأنه ليس على يقين أنه على الهدى وغيره على الضلال، أقصى ما يفعله أن يجتهد ليكون على الطريق الصحيح، وهذا يستوجب منه الانتباه لنفسه جيدًا لا الانشغال بإيمان الآخرين أو كفرهم، باستقامتهم أو انحرافهم، الآية – حسب فهمي لها – تعلّمنا أن نتواضع ونبحث عن هدى الله وصراط الله المستقيم، ولا ننصّب أنفسنا قيّمين على ضمائر الخلق..
خلاصة كل ما أريد قوله، أن المسيرة القرآنية قدمت للأمة كلها مشروع وعي وقيم ربانياً كبيراً، ولكنها حتى اللحظة لم تستطع أن توجد نماذج جيدة للناس، نماذج قيادية تملك وعياً وقيماً ومشروع محاضرات السيد عبدالملك عن المتقين ، نماذج تقنع الناس أن هذا هو الوعي الحقيقي وهذه هي القيم الحقيقية وهذا هو المشروع الحقيقي، لا يمكن أن يكون هناك وعي جمعي وشعبي في اليمن أو للأمة، إلا إذا تمكنت المسيرة من تقديم قيادات نموذجية بين الناس، يلمس الناس فيها وعي تقواهم وقيم تصرفاتهم ومشروع مواقفهم وولاءاتهم..