رمضان .. الاستهلاك العبثي مستمر !!

> مظاهر سلبية تفسد جوهره وتبدد روحانيته

الثورة /حاشد مزقر

روتين ممل وديناميكية رتيبة وميزان حياة يومي مختل يقضي الكثير من الناس شهر رمضان المبارك في هوس غير مبرر على الاستهلاك بشتى صنوفه .. فتزدحم أسواق المواد الغذائية وأسواق القات وغيرها من السلع, ازدحاما شديدا خلال أيام شهر رمضان المبارك لدرجة يفيق البعض من نومهم فزاعا ليس لأن كابوسا أخافهم بل لأنهم تأخروا قليلا عن موعد شراء المواد الغذائية أو القات او غيرها من السلع, فيخرج الواحد منهم مسرعا مهرولا نحو السوق في حالة هستيرية عجيبة , يضاف إلى هذه المظاهر السلبية , مظاهر عدة تحيل رمضان إلى شهر استهلاك وسهر ونوم وغير ذلك مما نتقصاه فيما يلي :

من الظواهر السلبية خلال أيام شهر رمضان المبارك قضاء الكثير من الناس أيامه في هوس استهلاكي غير مبرر للقات والإقبال على أسواقه نهارا ومجالسه ليلا، إذ ترى الرجل يخرج مسرعا من منزله او مقر عمله مهرولا نحو سوق القات في حالة هستيرية عجيبة ، بعدها ينتظر موعد الإفطار بلهفة ولهان كي يبدأ مباشرة ما يوُصف بـ”معركة تلاحم الضروس” والتي تبدأ من بعد العشاء وحتى قبيل الفجر .
شره القات
فهد شايف، شاب عاطل عن العمل ومن أسرة محدودة الدخل وفي نفس الوقت من عشاق “عودي وأخوه” كما يقول، فهو يحب شجرة القات ويقضي أغلب أوقاته في البحث عن ثمن هذه الشجرة ومن ثم السمر على مضغها, وفي شهر رمضان المبارك قرر أن يعمل مقوتا حتى يؤمن تخزينته وإشباع كيفه الذي يحلو له ,ما يكلفه القيام مبكرا وبالتحديد منذ الساعة الحادية عشرة ظهرا لشراء القات ومن ثم البيع في السوق.
وبعد أن ينهي شايف العمل يأخذ غنيمته من القات ويضعها كما يخبرنا في كيس محكم الإغلاق حتى لا يعكر الهواء مزاجه ويعود فورا إلى البيت لتناول وجبة الإفطار على عجل وينطلق مباشرة إلى مجلس القات وما هي إلا ساعة واحدة حتى يكون قد انتهى من تعبئة الجهة اليسرى من فمه بالقات وشرع في تعبئة الجبهة اليمنى، وهنا سترى وجهه تغير تماما وأضح مختلفاً عن صورته التي كانت في النهار وأصبحت حروف حديثه غمغمة لا يفهمها إلا هو ,وهكذا حتى ينتهي من السمر ساعة السحر ليعود إلى البيت ووجهه محمر ينتف شعر رأسه ويقلب عينيه ولا يريد التحدث إلى أحد وإن سألوه عن عمله سيكيل اللعنات بالمكيال !!
هوس عبثي
احمد دبوان، شاب في منتصف العشرينيات ,يحب القات حد الهوس، ففي غير رمضان يقضي نصف نهاره وأغلب ليله في هذه المهنة ولأن شهر رمضان المبارك منع عنه مضغ القات في النهار فهو يقوم بالتعويض أثناء الليل وبالتحديد بُعيد العشاء وحتى وقت السحور ولولا ان معدته تطالبه بحقها من السحور لاستمر حتى صلاة الفجر حد وصفه .
طارق يعلل إفراطه في مضغ القات في شهر رمضان المبارك وبهذه الطريقة الجنونية بأنه إذا تأخر قليلا عن تناول القات يصاب بتوتر وشحنة غضب وانفعال ما يتسبب في مشاكل مع أسرته على نحو لا إرادي كما يقول , معبراً أن “القات كنوع من المسكنات” غير أن طارق يعترف أن افراطه في مضغ شجرة القات في ليل رمضان يجعله ” يهمل الكثير من واجباته سواء في العمل أو في الأسرة بل إن القات يقحمه في مشاكل مع والده الذي يحاول منعه من هذه العادة السيئة” .
سبات النهار
غير بعيد عن عادة الإفراط في مضغ القات في شهر رمضان, تبرز ظاهرة سلبية أخرى مرتبطة بسابقتها, وهي قلب نظام المعيشة, يجعل الليل سهراً والنهار سباتاً , كما هو حاصل مع أكرم الغيثي وهو من عشاق النوم في النهار، يقول أكرم : “بالكاد أستطيع النهوض بعد عصر كل يوم من أيام رمضان مع معرفتي التامة بأن هذا الشهر هو شهر الصوم والعبادة غير أن سهري طوال الليل يجعلني اعوض فترة النوم خلال النهار”.
يعرف أكرم أن “الإفراط في السهر ليلا له آثار سلبية” من الناحيتين النفسية والجسدية.
ويقول : اعترف قطعا بأن السهر ليلا خلال شهر رمضان يتسبب بارتكابي لتصرفات خاطئة مع أفراد أسرتي حيث اقوم بإحداث مشاكل قد لا يحمد عقباها، كذلك الحال يكون بعد انتهائي من تناول الإفطار حيث أكون في حالة اكتئاب وضيق وفتور بسبب السهر المتواصل وكل ذلك يؤدي إلى المشاكل الأسرية سواء مع الزوجة أو الأبناء” .
إسراف وتبذير
ماجد الحماطي، موظف في احدى الشركات الخاصة، يصرف راتبه ومستحقاته الشهرية كاملة على الموائد الرمضانية وقناعته بأن “مائدة الإفطار في منزله يجب ان تكون متنوعة بأصناف كثيرة من الأطعمة خلال هذه الأيام ” كما يقول , إلا انه لا يخفي يقينه بأن “هذه الموائد تصل في أحيان كثيرة إلى حد البذخ والتبذير فكثيرا ما يتم رمي الفائض بسلة القمامة” ليتحول شهر رمضان من شهر للعبادة إلى شهر للتبذير.
الثقافة الاستهلاكية النمطية بنظر” ماجد ” ليست إلا نتاج سوء تدبير وتصرف خصوصا وكثير من الناس يعيشون أوضاعا صعبة بسبب انقطاع المرتبات واستهداف العدوان لكل مصادر الدخل والمعيشة مما أحرم الملايين من مصادر ارزاقهم الوحيدة.
إفساد الروحانية
فيما تقول نجلاء الشامي مديرة مدرسة ابتدائية :أيام وليالي رمضان تكون قصيرة بسبب نوم الكثيرين في النهار وقضاء الليل في السهر مما يتسبب بإهدار الوقت في أمور غير مفيدة ومن يرتب وقته في أيام الشهر الفضيل بهذا الشكل فإنه يفسد روحانية رمضان ويضيع الأجر عليه.
وتضيف : هناك من بالكاد يخصصون من وقتهم القليل للتسوق أو شراء الحاجيات الضرورية كأنهم لايركزون الا على التنوع في الأكل وفي الموائد الرمضانية فينتج عن ذلك النمط التبذير في الوقت وفي المأكل والمشرب ومن الطبيعي جدا لمثل هؤلاء الأشخاص بأن لايركزوا إلا على بطونهم الخاوية طوال شهر رمضان المبارك كونهم بذلك يفتقدون للشيء الأهم وهو جوهر رمضان وروحانيته.
مقاومة التبذير
توافقها الرأي أم صلاح بالقول: أقضي معظم ساعات نهار وليل رمضان في المطبخ لتحضير العديد من الأطعمة والحلويات وفي نهاية الأمر لا يأكل أفراد المنزل إلا الشيء القليل، وهذا يثير غضبي كثيراً وإن أردت التقليل من تلك الأطعمة والمأكولات لا أجد إلا الصراخ والتوبيخ ويتهمني الكل بالتقصير وعلى الرغم من ذلك فأنني أجد الكثير من الجيران يعانون الفاقة والعوز لاحتياجات رمضان لذا أقوم بتوزيع الفائض من الأكل على بعضهم وبذلك أرضي ضميري وأجني ثمار تعبي في هذا الشهر الفضيل”.
أضرار وعواقب
أمين أحمد, أخصائي علم نفس، تحدث من جانبه عن الأضرار التي تتسبب بها مثل هذه الظواهر السلبية ، وقال : إن الإفراط في تناول القات والسهر ليلا وكذلك ثقافة الاستهلاك الزائد لها آثاراً سلبية من الناحيتين النفسية والفسيولوجية والاجتماعية أيضا، حيث يؤدي إلى بعض حالات انفصام الشخصية كما يؤدي إلى الهستيريا السمعية والبصرية و يؤدي إلى التحيز للأفكار الذاتية وعدم القبول برأي الآخرين والشرود الذهني والذهاب إلى عالم الخيال والميل للتهجم على الناس والتصرف بهوجائية كما يسبب الكثير من التعب والأرق والقلق والنوم المتقطع.
وعن الإفراط في تناول القات في شهر رمضان يقول أمين أحمد : ” الإفراط في تناول القات ناتج عن إدمان غير عادي ولذلك فإن هذا الادمان يجعل الشخص يتناول وجبة الإفطار مستعجلا وينتج عن ذلك تصرفات غير طبيعية تبعث القلق لدى الأسرة خصوصا الأطفال منهم وإذا حدثت تصرفات خاطئة من قبل بعض أفراد أسرته يقوم بإحداث مشاكل قد لا تحمد عقباها.. كذلك الحال يكون بعد انتهائه من تناول القات حيث يكون في حالة اكتئاب وضيق وفتور عقلي وكل ذلك يجعله على خط التماس مع المشاكل الأسرية سواء مع الزوجة أو الأطفال.
وعن ما يخص نهم الاستهلاك الرمضاني , يقول أمين أحمد : ثقافة الاستهلاك الزائدة تؤثر على وضع الأسرة ذاتها حيث تصبح معتادة على هذا النمط ولا تستطيع التكيف مع أي وضع استثنائي مما يضطر الكثير من أرباب الأسر إلى البحث عن مصادر إضافية للحصول على المال كبيع بعض الممتلكات أو الاقتراض بينما تعيش الأسر المتوازنة حسنة التصرف بالقدر المستطاع وتتكيف مع الظروف المادية وتعيش أجواء رمضان من أجل جوهره لا من أجل إشباع الشهوات”.
أخيراً
ونحن نعيش للعام الرابع توالياً تداعيات الحصار والعدوان البربري ألقى الوضع الاقتصادي الصعب بظلاله على الدخل القومي للبلاد، وهذا بحد ذاته أثر بشكل مباشر على معيشة الأسر اليمنية، إلا أن كثيرا من الناس ممن يمتلكون مصادر دخل متعددة لايزالون يعيشون حياة التبذير والإسراف على الرغم من قدرتهم على استقطاع كل فائض لأسر أخرى تبحث عن ما يسد رمق أفرادها .

قد يعجبك ايضا