الثورة/..
عُقد في مدينة “جدّة” قبل أيام الاجتماع الثامن للجنة الوزارية المشتركة لمراقبة اتفاق خفض الإنتاج بين دول منظمة “أوبك” والدول المشاركة من خارجها.
تناول الاجتماع تطورات أسواق النفط ومستويات إنتاج الدول المشاركة، وعمل اللجنة ونتائج قراراتها التي صدرت في الاجتماعات السابقة، وتطورات قوى العرض والطلب على السوق البترولية، ومناقشة أثر ارتفاع أسعار النفط التي وصلت لأعلى مستوى لها منذ عام 2014 حيث نجم عن ذلك، الالتزام باتفاق خفض الإنتاج للدول المنتجة للنفط من “أوبك” وخارجها، وأدّى بالتالي إلى تراجع ملحوظ في مخزونات النفط على المستوى الدولي، وأسهم في تحسن الاستقرار في الأسواق العالمية.
ومن المؤكد أن استمرار هذا الاتفاق على المدى المتوسط والبعيد سوف ينعكس إيجاباً على منتجي النفط، ويسهم بشكل فاعل في المحافظة على توازن السوق؛ ما يطمئن السوق ويعزز الاستثمارات العالمية في الطاقة.
يأتي هذا في وقت ذكر فيه وزير الطاقة الروسي “ألكسندر نوفاك” أن مستوى امتثال موسكو لاتفاق بين أوبك وعدد من الدول المنتجة للنفط من خارج المنظمة بشأن خفض الإنتاج بلغ 99% وسيصل إلى 100% هذا الشهر. وأشار نوفاك إلى أن “أوبك” ودولاً من خارج المنظمة قد يقلصون تخفيضات إنتاج النفط هذا العام.
ويبدو أنه من السابق لأوانه الحديث بشأن صيغة للتعاون بين أوبك والمنتجين من خارج المنظمة بعد 2018، كما يبدو أن التعاون قد لا يكون بالضرورة بشأن تمديد حصص الإنتاج، حالما ينتهي أجل اتفاق تخفيضات الإنتاج الحالي بنهاية العام الحالي.
وتسعى السعودية وهي أكبر مصدّر للنفط في العالم إلى دفع أسعار الخام للارتفاع، وتؤكد أنه سيسرّها أن ترى الخام يزيد إلى 80 أو حتى 100 دولار، ما يُنظر إليه كمؤشر على أن الرياض لن تسعى لإدخال تغييرات على اتفاق خفض الإنتاج.
في هذا السياق, قال وزير الطاقة السعودي “خالد الفالح” إن مستوى الاستثمار النفطي غير مناسب على الإطلاق، ويتعين جذب رأس المال إلى الاستثمارات النفطية بدلاً من استهداف سعر محدد للخام.
وأضاف إنه يجب تعزيز التعاون بين “أوبك” والمستقلين بعد الاتفاق الحالي، وهو أمر مهم لاستعادة ثقة السوق، كما تتعين مواصلة مراقبة السوق أثناء تلبية أهداف الإنتاج.
ويخفّض أعضاء أوبك وروسيا ومنتجون آخرون من خارج المنظمة الإنتاج منذ يناير 2017 لتقليص المخزونات ودعم الأسعار.
ويعتبر اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة لمراقبة خفض الإنتاج في جدّة مهم، لأنه يسبق المؤتمر الوزاري لمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” الذي سيعقد في شهر يونيو المقبل في فيينا، والذي يتوقع أن يتخذ قرارات استراتيجية لوضع خارطة طريق للمتغيرات المستقبلية.
ويؤكد التواصل بين المنتجين من داخل منظمة “أوبك” وخارجها أهمية مواجهة التحديات النفطية ومعالجة الأزمة التي عصفت بالسوق العالمية خلال الفترة الماضية للحيلولة دون تكرارها مستقبلاً.
خطة السعودية لمواجهة أزمتها المالية
من المعلوم أن السعودية تعتمد بشكل كبير جداً في إدارة شؤونها على عائدات النفط، وبعد الأزمة الخانقة التي بدأت تواجهها منذ عدّة سنوات بسبب انخفاض أسعار النفط ونتيجة عدوانها المتواصل على اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات من جانب، وشرائها لأسلحة بمئات مليارات الدولارات ودعمها للجماعات الإرهابية من جانب آخر، اضطرت الرياض إلى تطبيق خطة تقشف شملت جميع المجالات وخفض الدعم عن أسعار مواد أساسية بينها الوقود والكهرباء والمياه، كما عمدت السعودية إلى عقد اتفاقيات مع دول أخرى بينها روسيا لتنفيذ مشاريع اقتصادية علّها تنفع في التخفيف من أزمتها المالية.
ومن المحتمل جداً أن تقوم السعودية بتشكيل تحالف نفطي مع روسيا خارج نطاق الـ “أوبك” باعتبار أن الأخيرة تلعب دوراً لا يمكن الاستهانة به في تحديد مستوى الإنتاج الذي يؤثر بدوره على تحديد أسعار النفط في الأسواق العالمية.
تعطّش السعودية لزيادة أسعار النفط
قامت السعودية في وقت سابق بطرح 5% من أسهم شركة “أرامكو” النفطية العملاقة، وذلك في إطار خطتها الاقتصادية المسماة بـ “رؤية 2030” التي يشرف عليها ولي العهد “محمد بن سلمان” بنفسه.
وكبّد الانخفاض الحاد بأسعار النفط منذ منتصف العام 2014، السعودية خسائر كبيرة في إيراداتها، حيث أعلنت تسجيل عجز قياسي بالميزانية تجاوز المئة مليار دولار، ومن المتوقع تسجيل عجز إضافي خلال المرحلة القادمة.
وفي خطوة محفوفة بالمخاطر تعتزم السعودية اقتراض عشرات مليارات الدولارات من مصارف أجنبية بينها مصارف صينية وأوروبية ويابانية وأمريكية، وذلك من أجل تغطية جانب من العجز في الميزانية العامة للسعودية.
واعتمدت السعودية بشكل رئيسي على احتياطاتها من العملات الأجنبية لتغطية العجز في الموازنة، وبلغ هذا الاحتياطي 611 مليار دولار نهاية العام 2015، بعدما كان 732 ملياراً في العام الذي سبق، بحسب أرقام مؤسسة “جدوى للاستثمار”، كما أصدرت الرياض سندات خزينة بقيمة 30 مليار دولار.
وكانت وكالة “فيتش” للتصنيف المالي قد خفّضت في وقت سابق التصنيف الائتماني للسعودية إلى ( AA سلبي ) مؤكدة أن تدني أسعار النفط أدّى إلى مضاعفات سلبية كبيرة في السعودية.
والسؤال المطروح: هل ستوافق الدول المنتجة والمصدرة للنفط سواء في داخل “اوبك” أم خارجها على خطّة السعودية لزيادة صادراتها من النفط من أجل التعويض عن العجز الكبير في ميزانيتها؟ الجواب بكل تأكيد؛ كلّا، لأن الدول المصدرة الأخرى يهمها أن تبقى أسعار النفط مرتفعة لكن ليس على حساب زيادة الإنتاج لسببين أساسيين؛ الأول: التكاليف العالية للإنتاج، والثاني الخشية من تعريض السوق إلى فائض في العرض، ما يعني بالتالي انحسار حاجة الدول المستوردة للنفط، وعودة الأسعار إلى الانخفاض من جديد، وهذا ما سترفضه معظم دول الأوبك دون أدنى شك.