
حوار / محمد محمد إبراهيم –
لم يعد بمقدور حكومة الوفاق الحد من ظاهرة التسول ليس لكونها تقف على ما هو أكبر تحدياٍ لمسار البناء والتنمية وهو إنجاح التسوية السياسية بل لاتساع الظاهرة بشكل أفقد الحكومة قدرتها على السيطرة..
هذا ما لفت إليه مدير عام الدفاع الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية الاستاذ عادل دبوان الذي قدم في حوار صحفي لـ »الثورة« تأصيلاٍ اجتماعياٍ هاماٍ لمعضلة التسول متطرفاٍ لجهود الحكومة وإتساع الظاهرة ومخاطر التسول وأفق مستقبل العمل الإداري والقانوني للحد من هذه الظاهرة وقضايا أخرى …. إلى نص الحوار.
● هلا وضعتمونا أمام تأصيل اجتماعي لظاهرة التسول ¿
- التسول ظاهرة متعددة الأسباب والعوامل ظاهرة قديمة في اليمن إذ ليست من الظواهر الجديدة التي تفشت منذ وقت قريب كالاتجار بالبشر وتهريب الأطفال إلى خارج الحدود أو المشاكل الحديثة المختلفة.. وبالتالى فأقرب تأصيل اجتماعي لظاهرة التسول لايخرج عن تراكمية الأسباب والعوامل التي خلقت هذه الظاهرة فأول هذه الأسباب يتصل بالجانب الاقتصادي حيث يعاني المجتمع اليمني من الفقر منذ زمن بعيد وصولاٍ إلى إضطرار بعض الأسر ـ شديد الفقر ـ إلى الدفع ببعض أفرادها إلى التسول في الشارع بالأضافة إلى البطالة فمعظم الدراسات التي تناولت مشكلتي الفقر والتسول في اليمن أرتكزت في تأصيلها لظاهرة التسول على البطالة كمحور أساسي في معضلة الفقر الذي دفع ببعض الأسر إلى التسول تأتي بعدها عوامل ضعف الرعي والتسرب من التعليم والتفكك الأسري وعدم وجود العائل ولا أنسى في جملة الأسباب أن هناك سبباٍ جوهرياٍ آخر هو الإمتهان أي اتخاذ التسول مهنة يعتمد عليها في إعانة بعض الأسر ونتيجة تكرار هذا الفعل صار من الصعب على أغلب المتسولين ترك هذه المهنة حتى وأن حصل المتسول على وظيفة أو عمل مناسب يعوله ويعول أسرته.
● هل حاولتهم ـ عبر برامج مكافحة التسول ـ إدماج بعض المتسولين في وظائف ¿ وما سبب استمراراهم في التسول¿
- نعم حصل هذا ووظفنا عدداٍ كبير خصوصاٍ في مشروع النظافة بأمانة العاصمة حيث وضعت خطة وأعطينا )500( وظيفة حينها للحد من التسول ولكتهم أي المتسولون ـ استمروا في التسول ولم يقتنعوا وكانوا يرفعون الوظيفة كمصدر رزق والسبب نفورهم من الوظيفة ويفضل التسول على العمل لأنهم أحسوا ووجدوا إن التسول هو مصدر رزق سهل ويأتي بدون تعب ولم يعد في إحساسهم ووعيهم إن هذا العمل منبوذ عرف أو مجتمعي وعقيدة لأن التسول يوفر لهم دخلاٍ مْرضياٍ بينما الراتب الوظيفي لا يوفر لهم 5 أو 10٪ من دخل التسول..
تخفيف الظاهرة
● ماذا عن جهود الوزارة ممثلة بالدفاع الاجتماعي في التخفيف من ظاهرة التسول¿
- كلما حاولنا وقدمنا مصفوفة من الحلول والجهود إزدادت نسبة المشاكل الأخرى ذات الصلة بالعوامل والأسباب التي تؤدي للتسول وبالتالي تبقى جهودنا في التخفيف والحد من التسول ضائعة ومحدودة جداٍ إذ ما قارناها بحجم الظاهرة وتزايد أعداد المتسولين..
● ما هي الخطط التي وضعتموها خصوصاٍ مع تنامي هذه الظاهرة¿
- وضعت خطة من قبل وصدر قرار من مجلس الوزراء يقضي بجمع وتصفيت المتسولين وإحالتهم إلى الخدمات وبدأنا كمرحلة أولى وأمانة العاصمة وأذكر أن هذا العمل بدأ منذ عشر سنوات وشكلت لجان ومراكز أنشئت للتسول إحدها لكبار السن وأخرى لصغار السن ثم مركز مكافحة التسول ببنيتة المتكاملة إلا أن احتدام المشاكل خصوصاٍ على الصعيد الاقتصادي لشريحة كبيرة من الأسر في المجتمع يتزامن من هذه المعضلات أو يترافق مع تداني المستوى الاقتصادي وكذا ضعف التشريع والضعف القانوني إذ كانت لجان التسول تتكون من الأمن والصحة والتربية والشؤون الاجتماعية هي إحدى الجهات المعنية بتنفيذ هذا القرار..
● لكن الغالبية يقولون أن مهمة مكافحة التسول تقع على عاتق وزارة الشؤون الاجتماعية كجهاز إشرافي على هذه الجهات¿
- صحيح هذا ما يقال لكنني أؤكد لكل الجهات ولكل من لا يعلم من الناس إن وزارة الشؤون الاجتماعية هي جزء من الجهات التي تعنى أو تساهم قانوناٍ وبموجب قرار رئىس الوزراء في تقديم المساعدات الفنية والخطط الإدارية للحد من ظاهرة التسول هذا بالنسبة للمسئولية القانونية.. لكن بالنسبة للمسئولية الاجتماعية فكل مؤسسات الدولة والمجتمع بما فيها مؤسسات الإعلام والمسجد والمدرسة والأسرة ومنظمات المجتمع المدني والإعلام الخاص الكل مسئولون ومعنيون بمكافحة ظاهرة التسول التي تسيئ للمجتمع كلل..كما أن المسئولية التشريعية والإدارية والضبطية من جهات الصحة والتربية والمجالس المحلية والأمن والقضاء والنيابة خصوصاٍ عندما يتعلق الأمر بتكرار فعل التسول الذي يدخل طور الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات وهو القانون الذييكشفه الضعف والغموض..
جوانب الضعف القانوني
● ما هر جوهر الضعف الذي يعتري نصوص القانون¿
الضعف القانوني يكمن في إن النص القانوني يقول: بعاقب بالسجن لمدة )6( أشهر من اعتاد التسول وهو قادر على التعيش.. فالضعف يكمن في »من اعتاد« فاللجان عند كانت تضبط المتسول وتحيلة إلى النيابة يفرج عنهم في نفس اليوم لأن كل منهم يقول هي لأول مرة مع إنها تكون للمرة الألف لكن لا يوجد دليل ملموس يدينهم باعتياد التسول وفقهاء القانون تشرحوا أن الاعتياد في فعل التسول يعني تكراره من ثلاث إلى أربع مرات في السنة ويتم ضبطه من ثلاث إلى أربع مرات في السنة وبالتالي فقد يضبط المتسول اليوم لا يضبط مرة ثانية إلا بعد سنتين والشق الثاني من النص القانون الضعيف وتتضاعف العقوبة لمدة عام إذا صاحب التسول أسلوب الإكراه أو إدعاء عاهة وليس فيه هذه العاهة أو استخدام طفل من غير فروعه ومعنى ذلك أن المتسول إذا استخدم الطفل من فروعه أبنه أو حفيده فليس جريمة ولا يعاقب وهذه مشكلة فالآن هناك فريق لمراجعة القوانين والتشريعات الوطنية المتعلقة بالطفولة ومن ضمنها التركيز على مواد قانون العقوبات حيث عمل الفريق فرعاٍ جديداٍ في الفصل الرابع من قانون العقوبات هو معاقبة استغلال الأطفال في التسول وأكدوا على عقوبات واضحة على من يستخدم أطفاله أو أطفال غيره في التسول.
● أين وصل الفريق بالنسبة لإنجاز القانون¿
– الفريق أكمل مشروع القانون وتعديلاته برئاسة وزارة الشئون القانونية سيقدم قريبا للحكومة كما أن المعالجات ليست فقط في النص القانوني فهي ليست مجدية إذا عالجت النص القانوني فقط ولم تعالج المشاكل الأخرى كالاجتماعية والاقتصادية وتحسين وضع الأسرة فليس منطقياٍ أنك تعاقب بالقانون دون أن تبذل حلولاٍ قبل العقاب لأنه لا يجد ما يقتات.
التسول كمهنة
عودة إلى التسول كمهنة خصوصا وأنت ذكرت أنكم وظفتم أكثر من 500 حالة في مشروع النظافة وعاد معظم أما على التسول إلى جانب الوظيفة أو التسول هروبا من الوظيفة ما هي الفئات الأكثر تسولا¿ وهل التسول محصور في المهمشين¿ وهذا سؤال مهم جدا وأرجو أن يركز على هذا الكلام فالتسول ليس محصوراٍ في الفئة الهامشية من المجتمع حتى لا يكون هناك نوع من التمييز فلا نقارن التسول بالجماعات المهمشة في مشروع النظافة فقط فعندما وضعنا برنامج تأهيل مجموعة من حالات التسول عبر الأسر المنتجة أو جمعيات أهلية ومدنية عندها مراكز إنتاجية بحيث أنه يتأهل ويأخذ مهنة وإذا كان معاقاٍ نبحث عن أحد أفراد الأسرة البالغين والقادرين على العمل وحاليا صندوق الرعاية الاجتماعية يقدم قروضاٍ ومساعدات لأسر المستفيدين من الصندوق أياٍ كان يعطوهم من 3000-6000 وهي لا تساوي شيئاٍ فبدلا من ذلك يتم إعطاء قرض للمتسول وتدريبه على مهنة يمارس من خلالها العمل في مشروع القائم على القرض ويكون قرض أبيض بها أرباح ورغم هذا تشهد ظاهرة التسول تزايدا يوميا من فئات المهمشين والمعاقين والأسر الفقيرة من غير المهمشة في المجتمع حتى أنها صارت مهنة من لا مهنة له ولم يعد صاحبها يقتنع بالوظيفة بتاتا لأنه تعود على مبالغ أكبر دون تعب.
ضمانات القروض
بالنسبة للقرض كيف يستطيع الصندوق استعادتها في ظل هذا الوضع وما نسبة نجاح الحالات ضمان هذا القرض يأتي في إطار المساعدة والرعاية فالصندوق يستعيد.
وبالنسبة لمعدل نجاح الحالات فلا نستطيع قياسه دون الرجوع لعمليات أرقام صندوق الرعاية الاجتماعي والصندوق الاجتماعي للتنمية لكن ما أؤكده لك أن بعضاٍ وهي كثيرة من الحالات نجحت خصوصا الذين تعاملوا بصدق ونوايا جادة في مغادرة ظاهرة التسول حبا في الاعتماد على الذات وصدقني إن المسألة مسألة وإحساس وبعدها يأتي النجاح والدليل على هذا أن واحدة من الحالات نجحت نجاحا غير متوقع حيث تم تدريب مجموعة فيها شخص أصبح في معمل ألمنيوم ويشغل الآن عشرة أشخاص وكان عاطلاٍ عن العمل ليس عنده مهنة بل معتاد على 8000 من صندوق الرعاية وعلى المساعدات من الآخرين.
أضف على ذلك لجأوا مع اتساع الظاهرة إلى تحويل المتسولين مثلا إلى باعة متجولين عن خلال جرع توعوية ومساعدات رمزية من بعض الجهات وأحيانا نقدم قروضا بل وجهناهم إلى العمل فتجدهم في الجولات يبيعون الماء مثلا والإكسسوارات الخاصة بالتلفونات ولعب الأطفال وغيرها بعض هذه الحالات استقرت ونجحت تدريجيا وبعضها لم ينجح وصار ميئوساٍ من تقويمها.
حجم الظاهرة
● هل ثمة أرقام معينة تؤطر حجم هذه الظاهرة في اليمن بشكل عام¿
– لا يوجد الآن أرقام محددة فالدراسة التي أعطت مؤشرات عن ظاهرة التسول دراسة قديمة نفذت قبل أكثر من 14 سنة الآن أمين العاصمة طلب دراسة جديدة يتم الإعداد لها لكن ممكن الإشادة إلى بعض الأرقام المتصلة بالأطفال المشردين في الشارع حيث أثارت دراسات متعددة على أطفال الشوارع الذين يصل عددهم إلى حوالي 30 ألف طفل غير النساء والبالغين هذا العدد منتشر في 7 محافظات وهو مؤشر واضح وصحيح..
● بداية هل كان للظروف والأزمة التي عانتها اليمن من صراعات وحروب علاقة بأتساع الظاهرة¿
– بالتأكيد فما شهدته اليمن من حرب القاعدة في أبين وما حصل في بعض المحافظات الجنوبية من أحداث وكذا الحروب التي شهدتها المحافظات الشمالية وأبرزها صعدة أفرزت كما كبيرا ومهولاٍ من النازحين وتحول البعض منهم إلى متسولين الذي ستلاحظ أن عدن وصنعاء وتعز والحديدة هي أكثر المدن تحملا لاتساع هذه الظاهرة التي كثرت نتيجة النزوح والتشرد من كثير من مناطق الصراع والحروب اليمنية.
التسول الوافد
● من الملاحظ ان ظاهرة التسول في اليمن الآونة الأخيرة شهدت رديفا وافدا.. ما حجم هذا التسول الوافد من خارطة الظاهرة المحلية¿
– التسول الوافد لم يكن جديداٍ بقدر ما هو .. الخميسين السنة الماضية لكن الأهم في هذه الظاهرة الوافدة إن اليمن تقع قريبا من القرن الأفريقي حيث يدخل اليمن الآلاف من الأفارقة ولا مهنة لمعظمهم في اليمن إلا التسول فقد وصل عدد اللاجئين الآن في اليمن من القرن الأفريقي نحو مليون ومائتي ألف لاجئ كثير منهم يتركزون في عدن وحضرموت والحديدة ومعظمهم يمارسون التسول.
ناهيك عن مشكلة حرب سوريا التي أفرزت تبعات جديدة ومنحت آخر لظاهرة التسول في اليمن حيث تدفق الإخوة السوريون بكثرة ومنهم من يتسولون في اليمن بمدنها المختلفة واليمن الظاهرة تدخل طورا جديدا هو طور الاتجار بالبشر حيث يتم استغلال السوريات في التسول كونهن نساء حديثات دخلن اليمن مع أنهن كن متسولات من قبل ولكن الحرب رفعت الغطاء عن التسول الخجول والتخفي ليصبح منظماٍ وضمن عصابات ومجاميع تدار عن بعد بإشراف من أشخاص لا يراهم أحد على جانب المتسولين.
مركز مكافحة التسول
● ما يتعلق بمكافحة التسول في أمانة العاصمة كان هناك مركز معروف بمطارة وملاحقة المتسولين هل صحيح أن المركز أغلق وما سبب إغلاقه¿
– نعم تم إغلاقه لأسباب كثيرة أهمها ضعف الإدارة وعدم وجود خطة عمل واضحة أيضا بعض الموظفين فيه كانوا يستغلون بعض المتسولين وصراحة وحتى نكون على بينة فقد أحيلت مجموعة من هؤلاء الموظفين إلى النيابة وتم التحقيق معهم وبالتالي وصلنا مع الجهات المعنية إلى قناعة بأن هذا المركز وبتلك الطريقة الإدارية لا يؤدي الغرض من وجوده وأنه لا بد من إعادة النظر في المسار القانوني لمعالجة وتفعيل هذا المركز وفق رؤى واضحة ولهذا فقد اجتمع كل من أمين العاصمة ووزير الشئون الاجتماعية وبداوا يفكرون ويناقشوا مسألة إعادة تشغيله وفق رؤية جديدة وعقدت في الشهر الماضي بناء على ذلك ورشة عمل في فندق تاج سبأ حول آليات تطوير مكافحة التسول في أمانة العاصمة وقدمت عدد من الأوراق البحثية والرؤى الاجتماعية وقد أوضحت هذه الورشة بإنشاء بيت الرعاية الاجتماعية الذي يقوم على فكرة جمع وتصنيف المتسولين إحالة من كان محتاج إلى الخدمات ومنهم عاجزون على مراكز الإيواء الأخرى وغيرها من الرؤى وهناك متابعة الآن من مدير مكتب الشئون الاجتماعية والعمل في أمانة العاصمة لإحياء هذه الفكرة وبحماسة كبيرة.
● وماذا عن مركز مكافحة التسول في عدن¿
– مركز مكافحة التسول في عدن شغال لكن الضغوط عليه كثيرة والظاهرة متسعة فعدن تضج باللاجئين الأفريقيين وهذا الاتساع يضيع دور مركز مكافحة التسول في عدن في حين لوزرت المركز تجد فيه خدمات وتلاحظ قدراته.
● وفي تعز¿
– مركز مكافحة التسول في تعز قدراته محدودة الاستيعاب نظرا لحجم الظاهرة وخلاصة القول أن مركز مكافحة التسول هي ثلاثة مراكز تتبع السلطات المحلية بإشراف وزارة الشئون الاجتماعية إضافة إلى ثلاثة مراكز لأطفال الشوارع فقط لكنها أيضا محدودة لاستيعاب فأطفال الشوارع ظاهرة كبيرة فمثلا نستهدف عبر مركز أطفال الشوارع في صنعاء أو مركز الطفولة الآمنة في عدن في السنة 150 أو 200 طفل فتجد هذا الرقم لا يعني شيئاٍ أمام 1500 طفل موجودين في الشوارع وبالتالي تظل الجهود ضائعة أمام هذه الظاهرة.
● أخيرا ماذا تعدون من أفكار للمستقبل للتقليل من هذه الظاهرة¿
– هناك أفكار جديدة يتم النقاش حولها لوضع خطة متكاملة بعد الإطلاع على تجارب بعض الدول التي استطاعت حل هذه المشكلة منذ وقت مبكر لكن المعالجة الأساسية تكمن في تحسين الوضع الاقتصادي ورفع مستوى العمل التوعوي وتطوير التشريع والضبط بحيث تكون هناك عقوبات بعد أن توفر الإمكانيات للمتسولين أيضا تطوير أداء الكادر الوظيفي في مكافحة التسول وكذلك تقوية جهود التنسيق والتعاون بين الجهات المتعاملة والمرتبطة بمكافحة التسول بحيث تعزز الجهود المشتركة للحد من الظاهرة.