تحقيق/اشراق دلال –
أمام إشارات المرور وعلى الأرصفة ومفترق الطرق .. أطفال أجبرتهم الظروف القاسية للخروج ومد أيديهم لهذا وذاك أصبحوا يعيشون بلا هدف سوى توفير المال أياٍ كانت الطريقة التي يحصلون عليه ..
فما إن تقف بسيارتك أمام إحدى المحال التجارية أو إشارات المرور إلا وتجدهم يقبلون عليك يمدون أيديهم أو يعرضون عاهاتهم متذللين طلباٍ للمال وما إن تتعاطف مع أحدهم إلا ويتدافع بقية الأطفال عليك لعلهم بذلك قد وجدوا ضالتهم ..لكن السؤال..هل تسير بهم مهنة التسول إلى بؤر الانحراف¿
ملامح الطفولة لا تزال مرسومة على وجه ” خالد -8 سنوات ” إلا أن البراءة استبدلت بتجهم ونظرة شاردة لا مستقبل لها ووجه يحمل ندوباٍ وجروحاٍ كأنه يتعرض لضرب وقسوة استوقفنا يمد يده ويقول : ” أعطوني .. تصدقوا عليِ”
سألناه لماذا يمد يده للناس.. كانت إجابته أكبر من طفولته حين قال ” أيش ممكن يعمل طفل بعمري ” حدثنا خالد بأن والده متوفُ وهو الطفل الوحيد في أسرته بين خمس من الأخوات ووالدته يضطر للخروج للشارع لتوفير لقمة العيش .. وحول الجروح التي ترتسم على وجهه لم يتجاوب معنا ما الذي يحدث له إلا انه كما قال فقط يدافع عن نفسه ..
” سعيد – 10سنوات ” ليس أفضل حالاٍ من خالد حيث التهمت الشمس لون بشرته لتكسبها السواد اخبرنا بأن زوج والدته يجبره هو وأخته سلمى على الخروج للتسول ولا يعودان إلا وقد جمعا ” 2000ريال ” يومياٍ وإذا عادا دون توفير المبلغ يضربهما ويقوم بطردهما من المنزل ليسكنا الشارع ويفترشا الرصيف ..
قوانين واتفاقيات على ورق
أطفال يتعرضون للاستغلال من عصابات إجرامية أو إرهابية ليكون وبالها كبيراٍ على المجتمع ورغم أن قانون رقم (45) لسنة 2002م بشــأن حقوق الطفل في المــادة(144) ينص بأن : على الدولة اتخاذ الإجراءات والتدابير العلمية والعملية للتحقق من معاناة الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة كأطفال الشوارع والمشردين وضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان والأطفال المعرضين لسوء المعاملة والمحرومين والمستغلين اجتماعيا وضمان عدم استدراج الأطفال إلى الاقتراب أو مباشرة الأعمال غير المشروعة او السقوط في ممارستها.
كذلك نصت المــادة(145): على الدولة حماية ورعاية الأطفال الأيتام وأطفال الأسر المفككة والأطفال الذين لا يجدون الرعاية ويعيشون على التسول والقضاء على هذه الظاهرة ووضع الأطفال المتسولين والمتشردين في دور الرعاية الاجتماعية وتوجيههم إلى أن يكونوا أعضاء صالحين منتجين في المجتمع ..وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25/44 وفقاٍ للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة ” 39″ تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أشكال الإهمال او الاستغلال او الإساءة أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهنية او المنازعات المسلحة ويجري هذا التأهيل وإعادة الاندماج في بيئة تعزز صحة الطفل واحترامه لذاته وكرامته .
ورغم القوانين والاتفاقيات الا أن الظاهرة لم تلق الجهد الكافي للمعالجة فالأطفال المتسولون يملأون الشوارع والقضاء على المشكلة يحتاج تكاتف الجهود..
انتشار رقعة الفقر
من جانب علم الاجتماع تحدثنا رئيس المنظمة اليمنية لمناهضة الاستبعاد الاجتماعي – إحسان محمد سعيد الدغيش : بأن التسول يعد ابرز مؤشرات ارتفاع معدلات الفقر والفقر ظاهره اجتماعية لا زمت المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ ويتحدد باثولوجيتة بحسب حدته ومدى انتشاره في المجتمع من ناحية وبسب أدوات قياسه من ناحية أخرى .
وتضيف الدغيش : تردي الأحوال الاقتصادية وانتشار رقعة الفقر وتوسعها وطول مداه الزمني أثر في قدرة الأسرة على الإيفاء بتكاليف تعليم الأبناء وتلبية الاحتياجات المعيشية الأساسية من غذاء ومسكن ودواء وملبس وغيره وهي الأسباب التي تدفع الأسرة إلى التسول لإشباع الاحتياجات الأساسية للأسرة من مأكل ومشرب وعلاج وملبس ……الخ.
ومع توسع دائرة الفقر وطول مداه امتهنت بعض الأسر التسول كمصدر رئيسي للدخل وعمل بعض الأسر على الدفع بالأطفال إلى التسول مستغله بذلك تعاطف المحسنين مع الأطفال حتى أصبحت مهنة لتحقيق دخل يساعد الأسرة على تلبية احتياجاتها المعيشية والصحية.
مشددة : بأن تسول الأطفال يعد انتهاكاٍ فاضحاٍ لحقوق الطفل اذ انه يؤدي إلى حرمان الطفل من التعليم ومن ممارسة حياته الطبيعية كطفل وبالتالي تسلب طفولتهم وتقودهم إلى الانحراف ويرتفع استعدادهم للجريمة فضلاٍ عن كون تسول الأطفال هو استمرار للفقر إذ انه يقود إلى حرمانهم من التعليم ويزيد من النزعة الاتكالية للطفل الأمر الذي يبشر بعجزه عن اكتساب مهارات العمل والتعليم وبذلك ينشأ الطفل متسولاٍ ويكبر عاجزاٍ عن العمل الأمر الذي قد يؤدي به إلى الانحراف وانخراطه بعالم الجريمة.
فرض الزامية التعليم
وأشارت الدغيش إلى أنه وفي دراسات سابقة تناولت الظاهرة وأظهرت النتائج ارتفاع معدلات تسول الأطفال في الأسرة التي فقدت عائلها(الأيتام)وتليها الأسر التي عجزت عن توفير مصاريف العلاج لرب الأسرة وتليها الأسر التي يعاني رب الأسرة من البطالة أو المرض.
لذا فأن ظاهرة التسول مشكلة مشتركة بين المجتمع من ناحية وفقر الأسرة من ناحية أخرى وبذلك فإن مواجهة مشكلة تسول الأطفال مسئولية مجتمعية أطرافها المجتمع (الدولة) وعجزها عن توفير سبل المعيشة لافرادها وانتشار ظاهرة البطالة
مؤكدة بأن الحلول تكون مجتمعية من حيث تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية وتوفر فرص عمل وتوسيع مظلة الخدمات الصحية وشبكة الضمان الاجتماعي وفرض الزامية التعليم الأساسي والثانوي.
السلوكية الانحرافية
الدكتور : ابراهيم الشرفي – أخصائي نفسي بمستشفى الأمل للطب النفسي يحدثنا عن الظاهرة قائلاٍ : سلوك التسول لدى الأطفال سلوك غير طبيعي وينتج عن أوضاع اقتصادية واجتماعية تصيب المجتمع كاملا وأهمها التفكك الأسري وكذلك اليتم هذا طبعاٍ يولد لدى الطفل جذور ” السلوكية الانحرافة ” مثل الخزي الاعتمادية الوحدة هذه الجذور عندما ترسخ لدى الطفل يتجه إما لناحية الإدمان بكل أنواعه وصوره أو يتجه لناحية السلوكية العدوانية .
ويضيف : حين لا يستطيع أن يحقق ذاته في الشيء الطبيعي يبحث عن تحقيق الذات في الشيء غير الطبيعي مثل : إظهار القوة او العنف او التحرش كذلك التسول نفسه يضع الطفل في مكان خطورة بأن يتعرض لانتهاكات نفسية أو جسدية وممكن انتهاكات جنسية وجميع هذه الانتهاكات تعزز نفس السلوكيات..
وشدد الشرفي : على أن الطفل الذي يتعرض لانتهاك نفسي نتيجة التسول إذا لم يتم معالجة هذا بصورة صحيحة تتشكل لديه في المستقبل اضطرابات نفسية مثل الانفصام أو الاكتئاب أو الهوس أو أي نوع من أنواع الاضطرابات أو تصاب شخصيته نفسها لأن شخصيته لم تكتمل بعد فتنموا شخصية مضادة للمجتمع او شخصية حديه او اعتمادية .. وحول احتياجات الطفل في هذه المرحلة العمرية يؤكد الدكتور الشرفي: بأن اهم ما يحتاجه الطفل هو الرعاية والحب غير المشروط ففي حالة التسول لا يحصل على أي نوع منها فالطفل الذي يمتهن التسول تتغير لديه منظومة القيم كالكرامه والحرية والحب والتقدير للذات والعمل فتتجه منظومة القيم من الناحية الإيجابية إلى الناحية السلبية ..ولأنه لم يجد حباٍ أورعاية فيكون طريقه للانحراف واتجاهه للسلوك الإجرامي أسهل ويعود بمردوده على المجتمع..
الإرشاد الشخصي والنفسي
ولكي يتم القضاء على مردودات التسول يشدد الشرفي بأنه ولابد من أن تفتح مراكز رعاية تسمى ” الإرشاد الشخصي ” لأن الطفل بالذات في سن المراهقة إذا وجد إرشاداٍ شخصياٍ من إنسان لديه خبرات حياتية ولو بسيطة سيتغير الكثير على مستوى عمره بشكل هائل .. واضاف :الإرشاد الشخصي يتمثل بأن أجلس مع الطفل أعيش معه فترة من الوقت للخروج أو اللعب والقراءة معاٍ أو أجرب معه بعض المهارات مثل توكيد الذات توكيد الحقوق اعلمه كيف يتخذ القرارات في حياته وكيف يدرس الموضوعات أكون بمثابة أسرة يحصل على دعم معنوي فقط نعلمه الايجابيات والسلبيات اطرح له المعلومات أوفر له بيئة داعمة اكون ” قدوة ” له في هذه الأمور اعلمه كيف يؤكد حقوقه وذاته ولا يكون متجنباٍ او انسحابياٍ ..
وتابع : في دراسة تتبعيه لأطفال تعرضوا لانتهاكات أو سوء معاملة عن طريق التسول او غيره خضعوا للإرشاد الشخصي واستمرت فترة سنة المرشد يجتمع بالطالب أو الطفل ثلاث مرات في الأسبوع يقضي معه وقتاٍ.. هؤلاء الأطفال الذين خضعوا لإرشاد شخصي استطاعوا أن يغيروا في حياتهم واستطاعوا بأن تكون حياتهم في المستقبل أكثر نجاحاٍ ولم يتعرضوا لأزمات نفسية بينما الأطفال الذين لم يتعرضوا لإرشاد نفسي كان ظهور الأمراض والإدمانات وظهور العنف في حياتهم بصور أكبر ..