القضاء .. وبيئة العمل
أحمد يحيى الديلمي
كل مهنة من المهن لها خصائصها ومقوماتها الأساسية التي تُمكن العاملين فيها من إنجاز المهام الملقاة على عاتقهم بطريقة سهلة وبشكل مكثف يمنع التطويل .
في هذا الجانب بالذات يمثل القضاء مهنة ذات أبعاد متشعبة لأنه معني بالفصل في قضايا الناس المختلفة، إضافة إلى حل المنازعات التي تحدث بين حين وآخر على أي مستوى من المستويات، لذلك فإن هذه المهام تتطلب وجود بيئة نظيفة – بعيدة عن الضوضاء والمشاكل، فكلما توفرت للقاضي البيئة المناسبة استطاع الفصل في قضايا الناس بأسلوب متوازن يجسد الشرع والعدل والإنصاف دونما حاجة إلى التطويل أو ابتزاز الخصوم أو إرباكهم والميل إلى من يدفع أكثر .
على ما يبدو أن موضوع بيئة العمل تخضع لتقدير الشخص ذاته – أي للقاضي الذي يتولى رئاسة المحكمة وهذا ما لمسته جلياً في محكمة جنوب شرق العاصمة بعد أن تعين فيها القاضي /بدر الجمرة، فالرجل يبدو أنه يُحبذ العمل في بيئة هادئة بعيدة عن الضوضاء والتجمعات والمساومات في دهاليز وأروقة المحكمة، فعلى الرغم من أن المحكمة غير مهيأة فنياً، إلا أنه استطاع أن يوجد قاعات للتقاضي نظيفة ويلزم المتخاصمين بالالتزام بالمواعيد ويضع جداول خاصة لقضايا الناس بما يضمن سرعة الإنجاز وعدم التطويل، المشهد جميل وحبذا لو تم تعميمه على بقية المحاكم إضافة إلى أن هناك بعض النواقص في نفس المحكمة أتمنى أن يتنبه لها القاضي / بدر، ومنها موضوع النظافة ووقوف الناس خارج القاعات في الممرات والساحات، مما يربك العمل ويوجد مناخا للأخذ والرد، لابد من الحرص على وجود مناخ مكتمل للفصل في الخصومات في أجواء ملائمة بعيدة عن الأعصاب المتوترة وحالات التشنج التي كثيراً ما تؤدي إلى النزاعات وخلق مشاكل إضافة إلى المشكلة المنظورة .
في هذا الصدد لاحظت شيئاً مهما جداً الفت إليه انتباه الاخوة في مجلس القضاء الأعلى، فمعظم القضايا المنظورة أمام المحاكم تتعلق بالأراضي، وتدور في الغالب حول نزاعات غير سليمة مثل الاغتصاب للأرض من قبل متسلطين، أو أن الأجُراء تعاطوا وباعوا دون علم الـمُلاك، أو أن هناك متنفذين استولوا على أراضي الأوقاف والأملاك وتصرفوا فيها بدون وجه حق، أو استغلوا ضعف الأسر المالكة وتصدروا الموقف نيابة عنهم، ثم استولوا على كل شيء وأسقطوا حق الـمُلاك، وكل القضايا تدخل تحت هذه العناوين، ومعالجتها بشكل شامل سيوفر الإمكانية لحصرها وتمكين القاضي من البت السريع فيها، وعدم السماح لمثل هذه القضايا بأن تشغل أوقات القضاة، هذا في حالة القاضي الحريص على العدل، لأن الأجير الذي باع دون علم المالك مغتصب، ولا مجال لمنحه فرصة للتلاعب و تحويل القضاء إلى أداة لشرعنة الاغتصاب، ولو أمعن القاضي النظر في مثل هذه القضايا بدقة بعيداً عن الأهواء والمطامع الذاتية لاستطاع التخلص من الكثير من الملفات في يوم أو أقل من أسبوع، ولما ظلت الحشود واقفة أمام المحاكم، فالتساهل حيال هذه القضايا يعطي فرصة للمتلاعبين لأن يشوهوا صورة القضاء، بينما الأمر بيد القاضي وبإمكانه أن يغلق هذه الملفات من أول نظرة إلى طبيعة الدعوى ومن المدعي وهذا الأمر نطرحه أمام أصحاب الفضيلة رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى لأنهم المعنيون بحماية حقوق الناس وإصلاح شأن القضاء، يكفي نزاعات وخصومات ملفقة تُجيز ما لا يُجاز، ومن المعيب أن نسمع أن قضية من القضايا استمرت في أروقة المحاكم بدرجاتها الثلاث عشر سنوات وأحياناً عشرين سنة، هذا عيب يا ناس!! وهذه معضلة يجب تجاوزها .. لا تعطوا المتلاعبين الفرصة بأن يتمادوا في نهب الحقوق بأساليب ملتوية، مثل حد وبلد، وحق اليد وغيرها .. وأنا في الوقت الذي أشكر فيه القاضي / بدر الجمرة على جهوده، أتمنى أن يتنبه لهذا الموضوع وأن يدرك أن العملية بحاجة إلى تكامل وجهود مشتركة بينه وبين بقية القضاة وأعضاء النيابة العاملين في نفس المحكمة لكي تُثمر الجهود وتتحقق غايتها المنشودة، أتمنى له التوفيق والنجاح وأن يستمر على نفس المنوال .. والله من وراء القصد . .