إلى فخامة الرئيس .. لماذا لا نستخدم القوة الناعمة ؟
أبو بكر عبدالله
في الأيام الماضية تابع اليمنيون تفاعلات مهمة في المشهد الدولي القاتم بتقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة ومبادرة الأحزاب الألمانية لإرغام الحكومة الائتلافية على منع بيع السلاح للدول المشاركة في العدوان وقبلها قرر النرويج وقف تصدير الأسلحة إلى دول العدوان فضلا عن مبادرات مشابهة تمضي في الطريق.
لا يمكن القول أن هذه التفاعلات مؤشر على تغير مهم في الموقف الدولي حيال الأزمة اليمنية، لكن من العبث أن نصدق بصعوبة اختراق الجمود في الدبلوماسية الدولية أو حتى زحزحة سياج المنع الذي فرضته واشنطن في المنظمة الدولية ومجلس الأمن لملف الأزمة اليمنية.
كثير من المؤشرات تؤكد أن السياجات الدبلوماسية البالية لواشنطن التي حيدت المبادرات الدولية بشأن الأزمة اليمنية باعتبارها صراعا داخليا أو ملفا أمنيا على صلة بتهديدات إيران لم تعد قابلة للحياة خصوصا بعد 3 سنوات من العدوان الوحشي والفشل السياسي والعسكري، في حين أن طول أمد العدوان أتاح مساحات في المشهد الدولي يمكن النفاذ منها لتخطي الموانع وكثير من الدبلوماسيين والحقوقيين الدوليين يفصحون اليوم أن بإمكان القوة الناعمة أن تحدث تغيرا في المعادلة وهو ما يحتاجه اليمن اليوم أكثر من أي وقت مضى.
سلاح القوة الناعمة في المحافل الدولية لم يعد يدار بدبلوماسية النفوذ فقط وثمة أدوات كثيرة متاحة اليوم تحتاج منا فقط أن نساهم في تحريك قاطرة المبادرات الدولية البديلة المستندة على قاعدة معلومات إنسانية وحقوقية حافلة لتمضي قدما.
نحتاج يا فخامة الرئيس إلى خطوة عاجلة وشجاعة لتأليف فريق مفاوضات وطني بقرار رئاسي يتيح للوفد ممارسة مهمات متعددة بصورة دائمة من جنيف وهو يستطيع بأدوات متاحة إنتاج مرجعيات دولية بديلة تضع قاطرة مفاوضات الحل السياسي في المسار الصحيح وتضمن وصول الصوت اليمني إلى المحافل الدبلوماسية الدولية وقبلها الحقوقية والإنسانية.
مؤكد أن التحول الطفيف في المواقف الدولية حيال الأزمة اليمنية لم يأت من فراغ بل استند على قاعدة بيانات وفرتها تقارير ممثلي وكالات الإغاثة الدولية بما فيها التقارير السرية التي يقدمها طابور طويل من العاملين في الخطوط الأمامية بمناطق النزاعات.
في الحالة اليمنية فإن هذه التقارير هي وحدها الصوت المسموع في المحافل الدبلوماسية الدولية لكن مفاعيلها دائما ما تقف عند حدود الإدانات دون القدرة على إنتاج مرجعيات بديلة والسبب في ذلك أن العالم لا يعرف بما فيه الكفاية.
ثمة حاجة أن يكون فريق المفاوضات الوطني مهنيا وجاهزا بمهمات متعددة وبأداء متجانس يلبي كل الأغراض ويستطيع نقل مهماته إلى مستويات تتجاوز التعاطي مع المبادرات الجاهزة المفتقدة للنزاهة إلى التعاطي مع وسطاء سياسيين لإنتاج مبادرات بديلة تفتح الأبواب المغلقة وتستثمر الفرص.
في جنيف حيث مقر الأمم المتحدة وموطن أكثر المنظمات الإنسانية ومكاتب المعونات التابعة للأمم المتحدة لا باب مغلق، فالجميع يستطيعون إدارة النقاشات وطرح الأسئلة وهي بيئة مثالية لضمان تحرك سياسي فعال يشارك فيه ممثلو وكالات الإغاثة الدولية الذين لديهم ما يكفي من المعطيات لصوغ مبادرات تتجاوز الاعتبار الإنساني إلى السياسي والدبلوماسي.
مؤخرا شهدت جنيف تحركات دولية متقدمة لإنتاج مبادرات بديلة مدعومة دوليا لفض النزاعات عن طريق تفعيل دور الوسطاء السياسيين (الدبلوماسيين) لفهم أكثر لطبيعة الأزمات والصراعات استنادا إلى سجل حافل من المعلومات لدى موظفي الإغاثة الإنسانية وهي وسيلة يرى كثير من الدبلوماسيين أن بإمكانها أن تضع أمام الوسطاء الدوليين فرصا لتعزيز السلام.
ثمة أسلوب جديد خرج من رحم الأزمات المستفحلة في العالم بدأ يأخذ مكانه في جنيف وهو يضع موظفي الإغاثة الدوليين مصدرا لمعلومات قد تتيح الوصول إلى مبادرات دولية بديلة.
ورغم أن العاملين في منظمات الإغاثة يصرحون أن عملهم إنساني بحث، فهم يؤكدون بالمقابل أن حصر عملهم في هذا المسار يعمل بشكل غير مباشر على إطالة أمَد الصراعات والعديد منهم يدركون خطر هذه المعادلة ويؤكدون أن فشل الدبلوماسية في إنهاء الأزمات أمر لا يمكن القبول به دائما كونه يبقي الجهود الإنسانية تدور في دائرة مغلقة.
المعطى الجيد أن أكثر العاملين في المنظمات الإنسانية والحقوقية يعملون في جنيف ما يدعم الحاجة إلى قرار رئاسي يتوخى إعادة النظر في مهمات فريق المفاوضات الوطني بعيدا عن الدور المحصور في جولات المفاوضات الأممية وبعيدا عن الجمود الذي وسم نشاطه في الداخل والذي شكل عائقا في السنوات الماضية عزز حال الانسداد الذي يعانيه اليمن.
ثق يا فخامة الرئيس أن تشكيل فريق مفاوضات بأفق مهني واسع يمكن أن يحدث تحولا استنادا إلى السجل الحافل لفشل الدبلوماسية الأممية في إيجاد تسويات عادلة مقبولة وقابلة للتطبيق وإخفاقها في إحياء خيار الحل السياسي السلمي بل وتسببها في تعطيل مسار المفاوضات كليا.
كما أن وجود هذا الفريق الآن سيساعد في فتح الطريق أمام الوساطات الدولية وسيساعد بلا شك في صوغ مبادرات دولية أكثر إنصافا تقود لتسويات عادلة.