الثورة / يحيى الشامي
لم يضع جنود العدو السعودي أي احتمال ولو صغير على لائحة احتياطاتهم العسكرية يتعلق بإمكانية نفاذ المقاتلين اليمنيين الى موقعهم شديد التحصين، فالضبعة حصنٌ أكثر منه موقعا عسكريا رقابي يطل على أكثر من وجهة من خبوت نجران وما قابلها من أراضي البقع وكتاف وركوناً الى هذه الحيثية تعامل عسكر الموقع وحاميته مع المهمة كاستراحة أو نزهة مقتطعةٌ من زمن المعركة وخارجة عن جغرافيتها، حتى أنّ أحداً من المرتزقة لا يحظى بالمرابطة على هذا الموقع “المنتزه” فقط جنود سعوديون مقرّبون من قادتهم من قبيل أولئك الذين يأتون لإسقاط واجب الخدمة العسكرية في الدفاع عن الأراضي الجنوبية للمملكة، كما أن الضبعة أكثر المواقع رفاهية ودلالاً من بين أقرانه والمحيطين به فهو مزوّد بخدمات إقامة متميزة عن البقيّة، وقبل الحديث عن تفاصيل الهجوم الأخير على الموقع أو مابات يُعرف بغزوة ذات السلالم نضعكم في صورة جغرافية توضح موقع الضبعة في خارطة المعارك وخريطة جغرافيا الحدود.
يقع موقع الضبعة الجبلي على مسافة تزيد عن الكيلومتر خلف الشريط الحدودي داخل أراضي نجران من الجهة الغربية قُرب سلسلة جبال عليب الشهيرة، وهو أحد المواقع القريبة من سد نجران الذي يبعد عن الموقع مسافة أربعة كيلو مترات. كانت آخر معركة دارت على الضبعة قبل أشهرٍ ، حينها أغار المقاتلون اليمنيون على حامية الموقع موقعين مقتلة رهيبة فيهم قبل أن يفجروا دشمه وتحصيناته وغرف الرقابة وعددا من الآليات العسكرية ويضعوا أسلحتهم على مخازن الأسلحة والذخائر، بعدها انتقلت المواجهات الى مواقع أخرى أبرزها موقع الزور ذو البرج الاسمنتي الشهير الذي عاين عملية تفجيره بعض سكان مدينة نجران ، وكذلك قيادة عليب وهو الآخر سبق تفجير برج رقابته الاسمنتي.
وبالإضافة الى تضاريسه الخاصة شديدة الانحدار والتي جعلت منه موقعاً يُقدم خدمات جليلة من ناحية الرقابة العسكرية ورصد التحركات واستطلاع القادم من مسافات بعيدة، هذه الخصوصية صقلتها الآلة العسكرية السعودية التي ظلت تنحت في الجزء الجنوبي من الموقع المقابل لمواقع الجيش واللجان الشعبية ، وحولتها الى حصن يستحيل اختراقه وبلوغه، بالآليات العسكرية أو حتى تسلقه مشياً على الأقدام خاصة مع التشديدات الرقابية المضافة على أسواره والتي يستخدمها حرس الحدود السعودي من كاميرات رقابة ونواظير رصد واستطلاع موصولة بغرف العمليات، علاوة على متاريس مستحدثة في الخطوط المتقدمة من المحور ومحيطه…
بخطوات حذرة وواثقة يتقدم المقاتل اليمني صوب الضبعة بعد دراسة طبيعة الموقع واستطلاعه ورصد عديد الجنود والعدة عليه، تحدى المجاهدون اليمنيون كل الحسابات بالغة التعقيد التي احتمى خلفها الجندي السعودي وتجاوز أسوار وجهود شهور من الأشغال التحصينية العسكرية، وبينما راهن العدو على ثلاثة عوامل استبعد وفقاً لها وقوع المعركة أو بلوغ المكان وهي:
1 – طبيعة الموقع الجبلي بالغ الارتفاع وشديد الانحدار باتجاه الأراضي اليمنية،
2 – ابتعاد الموقع مسافة كافية عن خطوط النار ومحاور القتال باستثناء ما يصل اليه من القذائف وصواريخ الكاتيوشا
3 – احتدام المعارك في جبهات بعيدة نسبياً بالاتجاه المغاير ( أمام منفذ الطوال والى الجهة الغربية منه).
والعامل الأول وهو الأقوى من بين العوامل الثلاثة ، وبالنسبة للمقاتل اليمني فهذه الخاصية لا تحتاج لتجاوزها سوى (سلم) بارتفاع يبلغ الخمسة عشر مترا يحمله المجاهدون الى الموضع المنحدر أسفل الموقع ليجتازوا عبره العقبة الأخيرة، قبل إكمال المسير لبلوغ التحصينات وغرف العمليات والرقابة داخل الضبعة وفي أعلى قمة جبلية فيه، بالفعل يتحرك سبعة من المجاهدين اليمنيين الى الموقع و(السلم) أهم سلاح سيستخدمونه في عملية إسقاط الضبعة ، وبينما توافي وحدات الرصد والاستطلاع المشاة السبعة بالمعلومات المتعلقة بتحركات العدو في الدقائق الأخيرة يستمر المسير مشياً على الأقدام مسافة تقدر زمنياً بالساعة الا دقائق ، كيف أغفل العدو تحركات سبعة من المجاهدين اليمنيين على الأرض صوب مواقعه ، هذا السؤال يُعد لغزاً لا يقل إثارة للدهشة عن حكاية السلم نفسه ، وبعد بلوغ المجاهدين المكان قبل الأخير ، يتم رفع السلم واستخدامه لعبور العقبة الجبلية الأكبر ، يمر الجميع من على السلم ويواصلون المشي مسافة أمتار ، لتبدأ بعدها معركة نقطة الصفر ، العدو السعودي وبين أفراده ضباط يقع في وهدة المفاجأة ضحية لمباغتة المقاتل اليمني القادر على الوصول الى أي نقطة يُقرر بلوغها، لا مجال حتى لحمل السلاح الرصاص ينهمر من سبع نواح والكاميرا توثق لحظات الرعب المحاصرة للجنود السعوديين يواصل المصور التوثيق بينما يستمر المجاهدون في التنكيل وفي المشاهد صراخ يتعالى وبكاء وعويل ودماء تغطي تراب الجبل وتسيح الى تلك الحفر التي ثًبّتت عليها مرابض مدفعية حرس الحدود ورشاشاته وحتى كاميرات الرقابة والرصد.
تدخل الطيران في الوقت الضائع :
أثناء المعركة ظل الطيران الحربي يُحلق بجنون ، لكنه هذه المرة لا يُمكنه القصف ، ويكتفي بفتح حواجز الصوت بغير جدوى وبصورة تكمل أو تشبه صياح الجنود السعوديين على الأرض.
وقبل المغادرة وبعد التأكد من قتل الجميع يحمل المجاهدون الغنائم ويعودون الى مواقعهم ، وفي الطريق وقبل الوصول يحضر طيران الأباتشي للنجدة ، فالأباتشي في المعارك التي تتلاشى فيها مسافات المواجهة قد يكون أكثر جدوى من الأف 16 والتايفون ، لكن الطيار لا يجد من يقصفه ولا يرى على الموقع من ينصرهُ، لذا يحاول عبر الاقتراب من الأرض أكثر والتحليق على علو منخفض التأكد من وجود جندي على الأرض ، غير أنه لا يجد شيئاً على الموقع سوى أدخنة تتصاعد من أحد المخازن وجسم معدني طويل ملتصقٌ على منحدر القلعة العسكرية إنه (السلم).
Prev Post
Next Post