محطات في تجربة التحرر الفيتنامية “8”
عبدالجبار الحاج
سأتناول في الحلقة الثامنة هنا قبل أن اختم الجزء الأول من حرب التحرير الوطنية الفيتنامية ضد الاحتلال الفرنسي مباشرة وحلفائه الأمريكان الانجليز الداعمين مالا وسلاحا وخبراء وأخيرا طيران وأساطيل بحر وحاملات طائرات محاولة لإنقاذ فرنسا من هزيمة محققة مع أعوام امتدت من بين اعوامو 50 وحتى 55 .
وتعد معركة ديان بيان فو هي المعركة الفاصلة التي حوصر فيها الفرنس وانهزموا وأعلنوا الاستسلام وخسرت فرنسا في حرب فيتنام خلال تسع سنوات 11500 من جنودها قتلى وضعف الرقم من مرتزقة محليين وأجانب وعرب كما قلت و263 طائرة وسأفصل بعض الخسائر اثناء هذه التناولة ..
ففي هذه الحلقة سأتناول تطورات الميدان عسكريا وتصاعد عمليات ألفيت منه التي ستحرز منذ الآن انتصارات تسحق الجيش الفيتنامي ومرتزقة المتعددي الجنسيات من دول الجوار وفيهم مرتزقة من المغرب الغربي والجزائر قبل انتصار الثورة فيها وفي هذه الحلقة تشكل معركة ديان بيان فو المعركة الفاصلة
معارك دين بين فو الفاصلة :
تعد معارك ديان بين فو ، أكبر جولة عسكرية بين القوات الفرنسية والقوات الفيتنامية (الفيت منه) وآخر هجوم شامل شنته فرنسا. وقد تعددت مواقع هذه المعارك، وتباينت تكتيكاتها ومسارحها وأحداثها ..
دين بين فو : بلدة صغيرة في شمال غربي فيتنام الشمالية، ومنطقة ومتاخمة على حدود لاوس، وهي المنطقة التي حرص الفيت منه على إيجاد مجال جغرافي يربط بين الفيت منه والباثيت لو الشيوعي اللاوسي لإيجاد طرق مفتوحة للعمل العسكري في تحالفهما ..
في 16 مارس 1953م، كانت قوات الفيت منه قد بدأت حصارها لدين بين فو. وبدأت شن هجماتها على الحاميات الفرنسية المتحركة، التي كانت تدافع عن دلتا النهر الأحمر. ومن ثم، فإن هذه الهجمات أرغمت فرنسا على تحريك حامياتها إلى دين بين فو والجبهات الأخرى.
عن هذه الموقعة قال الجنرال هنري نافار، إن خطته اقتضت تحصين بلدة دين بين فو، بالقرب من حدود لاوس؛ واستدراج الفيتناميين إلى الهجوم. وشرح كيف أن دين بين فو، كانت مكمناً لخصمه الفيتنامي، الجنرال فو نجين جياب ؛ ولكنها تحولت، بسبب الخيانة والانهزامية، إلى مذبحة للقوات الفرنسية في الهند الصينية وأما جياب فعدد أسباب النصر بصيغته وهو ما تناولناه في حلقة سابقة في فقرات عديدة لجياب عن دور الحزب الشيوعي في مواجهة الفرنسيين .
كانت الخطة في جوهرها استدراج الفيت منه إلى الفخ المرسوم وهو ما كانت تدركه قيادة حرب التحرير هنا . واستخدمت العديد من التكيكات التي توهم المعسكر الفرنسي بأنها واقعة في الفخ لا محالة .
قررت القيادة الأساسية الفرنسية، في ضوء خطة نافار، ضرورة ضرب الوحدات الفيتنامية النظامية، ومنعها من شن أي هجوم، وإبقائها مشتتة ومرتبكة، ومنعها من السيطرة على الجبهة الشمالية الغربية، واتخاذها قاعدة انطلاق آمنة للسيطرة على لاوس العليا، وتهديد المواقع الفرنسية جنوباً، ولا سيما بعد معاهدة الدفاع المشترك، التي وقعتها فرنسا مع حكومة لاوس الملكية، في ابريل 53 تقريبا في محاولة لامتصاص تاييد شعب لاوس لحركة التحرر في لاوس وعموم الهند الصينية
على الرغم من القلق، الذي أثارته خطة نافار في الدوائر الفرنسية، بسبب حشد أفضل الوحدات العسكرية في منطقة بعيدة، إلا أن القيادات: السياسية والعسكرية، وافقت، في النهاية، ولا سيما لجنة الدفاع الوطني. ولم يعارضها سوى العميد رينيه كونيى قائد منطقة تونكين، وأشرف كل من وزير الدفاع الفرنسي، رينيه بليفين ؛ ورئيس هيئة الأركان المشتركة الفرنسية، الفريق الأول بول إيلي ورئيس الجماعة الاستشارية العسكرية الأمريكية الجديد، الفريق جون أو دانييل ، على عمليات التفتيش على الاستعدادات العسكرية في ميدان المعارك. وبعد
شن جياب، في اوائل أبريل 1953م، هجوماً كاسحاً، بهدف ربط لاوس، وتقدمت قواته في ثلاثة أنساق، بطول ثلاث زوايا، واجتاحت العديد من النقاط الفرنسية الحصينة، تصدى الضابط الفرنسي، تيوليير ، في مونج خوا ومعه عدد من ضباط الصف، و300 من رجال المشاة الخفيفة من أهل لاوس، مقاومين كتيبة من الفوج 148 المستقل، تدعمها سرية هاون ثقيلة، مدة 36 يوماً قبل أن يهلكوا جميعاً، ولم يفر منهم سوى جنديين فرنسيين، وآخرين لاوسيين.
اضطر جياب، في شهر مايو، إلى الانسحاب إلى تونكين، والتخلي عنعن لاوس؛ بسبب موسم الأمطار الغزيرة، واستطالة خطوط إمداداته.
رد نافار بضرب مناطق قواعد الفيت منه، بطول ساحل أنام وهي المنطقة الواقعة وسط فيتنام والمنطقة التي وضعت في مشروع الفدرلة فيدرالية وسطى بين شمال وجنوب فيتنام إضافة إلى الفيدرالية الخماسية في الهند الصينية التي ضمت بحسب دستور فرنسا آنذاك كل فيتنام وكمبوديا ولاوس وقامت حروب التحرير في المنطقة وتحالفات الأحزاب الشيوعية والعمل والتحرير والجبهات على أساس من هذا الهدف..
وأعود إلى النقطة الأولى حيث بدأ في 17 يوليه، إنزال ثلاثة آلاف جندي مظلات في لانج سون ، بهدف مواجهة الفوج 95 من الفيت منه. وقد استخدمت العملية عناصر من عشرة أفواج مشاة، وكتيبتين محمولتين جواً، وثلاثة أفواج مدرعة، وأربع كتائب مدفعية، إضافة إلى 34 طائرة نقل، و22 طائرة مقاتلة، و12 سفينة.وفي أغسطس، أُخليت نا سان من عشرة آلاف جندي فرنسي، وحشدت القوات الفرنسية اثنتي عشرة كتيبة مشاة، وألحقت بها سبع سرايا مشاة أخرى، وثلاث وحدات مدفعية، ووحدة مدرعات، ووحدة نقل جنود، ومعدات، ووحدة هندسية، وسرب طائرات نقل عسكري للجنود، وتجهيزات. وظلت هذه القوات في حالة تربص، تنتظر هجوم الفيتناميين.
وفي أكتوبر، منحت فرنسا لاوس الاستقلال الناقص والذي كان ضمن الاتحاد الفرنسي. وعبرت أغلبية المجلس الوطني الفرنسي عن أملها في التوصل إلى تسوية للحرب في الهند الصينية.
وفي 9 نوفمبر، تولى الأمير نوردوم سيهانوك قيادة جيش كمبوديا، وأعلن استقلال كمبوديا عن فرنسا. فأعادت القوات الفرنسية احتلال دين بين فو. وفي20 نوفمبر، عقب اتفاق بين نافار والجنرال رينيه كونيى ، القائد الفرنسي في تونكين .
أمكن إبرار 4560 جندي مظلات، ضمن ست كتائب، في سهل هناك ، في منطقة تاي تقريبا وهي على حدود لاوس؛ بهدف احتلال الطرق المؤدية إلى لاوس ولاستدراج قوات الفيت منه إلى قلب المواقع الفرنسية؛ تنفيذاً لخطة نافار، لخوض سلسلة معارك محدودة، تحدث خسائر فادحة في قوات الفيت منه. ولكن سرعان ما انسحبت الفرقة الفيتنامية 312 منها، وهي التي كانت قد سيطرت عليها في ديسمبر 1952م. وشرعت القوات الفرنسية في تحصين ديان بيان فو .
وفي ديسمبر 1953م، تعاونت قوات الفيت منه الجناح العسكري لقوى الثورة والتحرير الفيتنامي .. وحلفاؤها في الحزب الشيوعي اللاوسي، أي ( الباثيت لاو ) للسيطرة على ثاكهيت ، في جنوبي لاوس على نهر الميكونج. ونجحوا في الاستيلاء عليها؛ غير أن عدة كتائب من الاتحاد الفرنسي، دافعت عن قاعدة سينو الجوية الحيوية، ونجحت في تأمينها.
عكست تقارير المراقبين الأمريكيين الاضطراب الفرنسي في شأن الأهداف الحقيقية من عملية دين بين فو، والشك في ما أكده الجنرال نافار للسفير الأمريكي، دونالد هيث ، أن الهدف الأساسي هو تأسيس قاعدة عمليات هجومية تهدف إلى وقف تقدم القوات الفيتنامية إلى لاوس، وتدميرها. وذكر الفريق الأول جون أو دانييل ، قائد البعثة العسكرية الأمريكية، التي أرسلتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهند الصينية لدراسة المتطلبات الفرنسية الإضافية من المعدات والدعم (تولى أو دانييل) وظيفة قائد الجيش الأمريكي، وكان قبل ذلك قائداً عسكرياً متميزاً شمالي إفريقيا، وإيطاليا، وفرنسا، وكوريا) أن نافار كان يريد محاكاة عملية عسكرية مماثلة في بلد آخر أي أن هدفه كان اجتذاب قوات الفيت منه للتقدم؛ فتصبح في مرمى المدفعية الفرنسية.
في 20 يناير 1954م، بدأت القوات الفرنسية عملية كبرى، بطول ساحل أنام، مستخدمة 25 كتيبة مشاة، وثلاث كتائب مدفعية، وكتيبتي مهندسين. وسميت عملية أطلانطا ، حول منطقة توي هوا ؛ وهدفت إلى سحق 12 كتيبة نظامية، وست إقليمية للفيت منه. ولكن العملية باءت بالفشل، وتمكنت قوات الفيت منه من تحاشي المعركة .