الإصلاح يحتاج إلى إرادة !!

 

أحمد يحيى الديلمي
سألت سياسياً معروفاً ذات يوم.. بدأت تباشير الحكومة الجديدة تلوح في الأفق ، هل تأمل الظفر بإحدى الحقائب ، نظر إليَّ باستغراب وأجاب بصرامة وثقة زائدة بالنفس : نعم سأقبل بشروطي لا بشروط صانع القرار !!
قلت وما أبرز شروطك ، أجاب بنفس الحدة : أن أكون صاحب قرار وتتاح لي فرصة اختيار فريق العمل لتشكيل خلية متجانسة نسهم جميعاً في خدمة الوطن والتعاطي مع قضايا المواطن بوعي ومسؤولية . بعيداً عن المنافع الذاتية والحسابات الضيقة بأخطائها المفزعة التي تراكمت في الواقع وأفسدت الحياة ، نحن رضعنا شروط المواطنة وصدق الانتماء للوطن من منهج حزب عريق يعصم العضو عن الانزلاق إلى مهاوي الفساد والبحث عن الشهرة والمكاسب الذاتية الرخيصة على حساب قضايا الوطن أو المتاجرة بمعاناة الناس مستقبل الوطن واحتياجات المواطن خطوط حمراء لا يمكن المقامرة بها أو التهوين من شأنها .
بعد مرور عام على استلام الحقيبة التي أسندت إليه ، انتابني ذهول أمام المنزل الذي اشتراه وأصبت بالدهشة وأنا أتابع تصرفات الرجل ، تنكر لكل القيم والمبادئ التي كان يرددها صباحا ومساء ، بات في سباق محموم يبحث عن المكاسب والشهرة على حساب أي شيء وصولاً إلى مغادرة أروقة الحزب والقدح في المبادئ والأفكار التي ظلت لزمن أداته الوحيدة للمزايدة وخداع الآخرين ، حجم المكاسب جعله يتجاهل الشروط ، بات أكثر انقياداً وطاعة عمياء لمن يرى فيه سنداً لضمان استمراره في نفس المنصب أو المساعدة على الارتقاء به إلى منصب أكبر وأكثر أهمية .
استحضرت المشهد السابق من تجربة حقيقية نقلت تفاصيلها كما حدثت في الواقع للتدليل على التعامل الانتهازي مع الأحزاب بتجريدها من المعنى الحضاري وتحويلها إلى سلم للترقي والكسب غير المشروع .
من الإنصاف القول إن الصورة السيئة التي أسلفت ليس المذنب فيها الرجل لوحده، الوزر يقع على المجتمع ويمتد الذنب إلى المزكي ومصدر الاختيار وإلى الحزب لأنه فشل في تهذيب النفوس وتقويم السلوك ، وراهن على الكم أكثر من الكيف .
تكمن الخطورة في أن الظواهر تأخذ أبعاداً أخرى في ظل العدوان، اتجاهات السياسة العامة للمسيرة القرآنية تتبنى الإصلاح ومكافحة الفساد ، إلا أن ما يجري في الواقع مختلف تماماً ، لم نسمع عن التوغل في الموضوع للنفاذ إلى الجذور ومعرفة الأسباب ، المسألة محيرة بالفعل أحاديث كثيرة عن إصلاح القضاء والارتقاء بدور أجهزة الرقابة دون أن نشاهد أي فعل ملموس بل أن طريقة اختيار مسؤولين لبعض المواقع لا يزال خاضعاً لمبدأ الولاء المطلق لفلان أو علان من الناس بحجة الظروف الاستثنائية الصعبة الناتجة عن العدوان من الصعب جداً فهم ما يجري بالذات في المؤسسة العسكرية مع أنها تلتهم القسط الأكبر من الميزانية ، فلم تتمكن الحكومة من نقل الرواتب إلى البريد أو البنوك ، القادة يرفضون هذه الخطوة بسابق إصرار وترصد مع أن مجرد الرفض شبهة تؤكد وجود الاختلالات المريبة ، مع ذلك لم نجد من يحرك ساكناً وهذا أحد مصادر الانتقادات التي تسدد إلى المسيرة وتعطي المتربصين والمغرضين فرصة للتشكيك في سلامة النهج . هناك عشرات الشواهد الحية في هذا الجانب تقتضي التحرك وإخراج الرغبات والنوايا الطيبة من الصدور إلى واقع الفعل الذي يلمسه المواطن للإسهام في تجاوز الشروخ والجروح العميقة المتوغلة في النفوس ، فهل آن الأوان أن نرتقي إلى مستوى تضحيات رجال الرجال الممسكين على الزناد بإصلاح حقيقي يسقط عروش الفساد وينمي موارد الدولة ؟! الأمر ممكن إذا توافرت الإرادة ، والله من وراء القصد ..

 

قد يعجبك ايضا