رصاص الأعراس.. أفراح وأتراح

 

اجراءات غير رادعة والقاتل محصن بالقانون

رصاصة راجعة تغتال براءة الطفلة فاطمة والجريمة تقيد “ضد مجهول”
وفاة واصابة 80 طفلا وآلة القتل مستمرة في الحصاد
مطالبات بتجريم مطلقي الرصاص في الاعراس وتغريمهم بدية القتل الخطأ
باحثون:
ظاهرة دخيلة على الموروث اليمني وغياب التثقيف والتوعية أسهم في اتساعها
الثورة / محمد الفائق
شيع جثمان فاطمة ذات الربيع الخامس الى مثواها الاخير واغتيلت طفولتها من دون ذنب او سبب سوى انها كانت تلعب وتلهو في احدى شوارع العاصمة صنعاء مع اطفال حارتها ولم تكن على علم ان رصاصة راجعة من السماء ستستقر في رأسها وتنهي حياتها ويعم الحزن والبكاء والعويل على فقدانها لدى الجميع وتسعف والدتها الى المشفى لعدم تحملها صدمة ما حدث لطفلتها فاطمة، فيما تشهد المنطقة المجاورة لمكان مقتل فاطمة حفل زفاف صاخب للشاب جبران الذي ينتمي من احدى قبائل محافظة عمران واطلق اخوانه واقاربه اكثر من 1500رصاصة سلاح كلاشنكوف الى السماء احتفاءً بالمناسبة وتعبيرا عن “الرجولة والقوة” وفقا للثقافة السائدة والدخيلة لدى الكثير من المواطنين.
سرعة الضبط
توجه طقم امني الى حفل الزفاف وقبض على شقيق العريس جبران في وقت وصل بلاغ اخر الى قسم الشرطة المجاور يفيد بمقتل طفلة تدعى فاطمة لا يتجاوز عمرها الخمسة اعوام برصاصة راجعة من السماء، تحرك الفريق الامني على الفور الى مكان الحادثة واتخذ الاجراءات اللازمة وسجل القضية ضد مجهول، ورغم ان القاتل الحقيقي محتجز لديهم الا انهم لا يعلمون الغيب، ولا يستطيعون ادانته او اتهامه.
جاء والد العريس جبران الى قسم الشرطة ودفع غرامة مالية لا تتجاوز 70 ألف ريال وتم الافراج عن نجله المحتجز وذهبا الى مواصلة افراحهم الصاخبة واستكمال حفل زفاف الشاب جبران وتعلو الزغاريد من جديد على ايقاعات الاغاني الفرائحية ، فيما والد الطفلة فاطمة الذي يتقطر قلبه دما على فراق ابنته وعلى مصابه هذا المفاجئ والمقيد “ضد مجهول” ومصابه ايضا في وعكة زوجته التي لا تزال ملازمة للمشفى ، يحاول لملمة قواه وتجميع افكاره المشتتة بين الفاجعة والنايحة ليسلم امره في اخر المطاف الى الباري عز وجل بعد ان عجز ومعه اجهزة الامن عن ايجاد القاتل.
مفارقات غير منصفة
اسرة العريس جبران لا تعلم انها ازهقت روحا بريئة في المنطقة المجاوره لمنزلها ، وحرمت اما وابا من طفلتهما ، لم تعلم ان في الجوار اصوات نوايح وبكاء وعويل بسبب ذلك العرس الصاخب والثقافة المغلوطة والاجراءات القانونية الضعيفة والتي لا ترد الحق لاهله، كما يقول الباحث في الشؤون الاجتماعية العزي صلاح والذي يؤكد ان آلية الضبط والغرامة المحددة على مطلقي الاعيرة النارية في الاعراس لا ترتقي بمستوى الجرائم والقتل التي تحدث بسبب الرصاص الراجع.
مشيرا الى انه من غير المعقول ان يدفع مطلق الرصاص 70 الف ريال ثم يطلق سراحه في وقت يوجد هناك من ازهقت روح طفل وقتلت برائته من دون ذنب سوى انه خرج يلعب مع اطفال حارته اي ألم هذا واي حسرة ، لافتا الى ان مطلق الرصاص في الاعراس يعتبر بنظر الكثير من المواطنين قاتلاً وهو ما يجب على الجهات ذات الاختصاص ان تتعامل مع مطلقي الرصاص كقتلة وليس كغارم، ويجب على الاجهزة الامنية ان تقوم بمصادرة السلاح الذي تم الاطلاق منه وان تقوم بتغريمهم دية كاملة للقتل الخطأ حتى تكون هذه التجراءات رادعا للجميع وحتى تتوقف آلة القتل ويحد من هذه الجرائم المقيدة ضد مجهول.
80 طفلا ازهقت ارواحهم بالرصاص
تشير التقارير الامنية الى ان نحو 80 طفلا وطفلة قتلوا واصيبوا بالرصاص الراجع منذ بداية العام 2017م، وتأتي العاصمة صنعاء اولا من حيث عدد الوفيات بسبب الاعيرة النارية بواقع 20 طفلا ثم محافظة إب 14 طفلا ثم محافظة عمران بواقع 11 طفلا وتتوزع الوفيات والاصابات الاخرى على محافظات البيضاء والحديدة وذمار وحجة والمحويت.
وتبين الاحصائيات الامنية انه تم منذ بداية العام ضبط نحو 300 شخص من مطلقي الرصاص في الاعراس اغلبهم في امانة العاصمة.
يساعد الارهاب على الجرائم
ورغم حملات التوعية والتثقيف من قبل وزارة الداخلية المستمر والمتواصلة إلا انها لم تجد نفعا ولم تحقق ويصفها الكثيرون “بالضعيفة” .
فيما يبقى القانون عاجزا عن اتخاذ اي اجراءات ضد مطلقي الرصاص في الاعراس ويعجز عن تجريمهم واعتبارهم كقتلة، حيث يؤكد العقيد محمد صالح الشريف ان اطلاق الرصاص في الاعراس يخل بالامن والاستقرار ويساعد الجماعات الارهابية والتخريبية على تنفيذ جرائمها خلال ذلك العرس الصاخب من دون علم الاجهزة الامنية ، مشيرا ايضا الى ان اطلاق الرصاص في الاعراس يحدث ارباكا كبيرا لدى الاجهزة الامنية فضلا عن سقوط قتلى وجرحى بسبب الرصاص الراجع.
واكد العقيد الشريف ان الحل في انهاء هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا هو وجود توجه وارادة حقيقية من قبل القيادة السياسية لاصدار قرارات حازمة وحاسمة وتجريم عملية اطلاق الاعيرة النارية في المدن الرئيسية وتعديل نصوص القانون.
وساطات واخراج المضبوطين
يواجه ضباط ومدراء اقسام الشرطة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن والمحافظات الرئيسة تحديات كبيرة وضغوطات أكبر تتمثل بالمحسوبية والوساطات بعد كل عملية ضبط مطلقي الرصاص في الاعراس حيث يقول مدير احد اقسام الشرطة في الامانة ان الاجراءات التي تنفذ حاليا بحق مطلقي الرصاص ليست رادعه ولن تنهي هذه الظاهرة، ورغم ذلك حسب قوله يرفض بعض المضبوطين بدفع الغرامة ويستغل قرابته او معرفته بمسؤول او ضابط من اجل الضغط علينا والافراج عنه.
واضاف ” الغريب ان بعض الاتصالات التي نتلقاها من اجل الافراج عن بعض مطلقي الرصاص تأتي من شخصيات اعتبارية ولها مكانتها واحترامها في المجتمع وبعض هؤلاء ضباط كبار ومسؤولون أمنيون.
مشيرا ان هؤلاء المسؤولين لا تهمهم ارواح الاخرين ولا تهمهم تلك البرائة التي تغتال كل يوم ، بقدر ما يهمهم استخدام نفوذهم وعلو صيتهم في قراهم او مناطقهم والشعور بالانتصار حين يتم الافراج عن قريبه من دون ان يدفع الغرامة المتوجبة عليه.
واختتم قوله بضرورة تعزيز جوانب الوعي لدى المجتمع بمختلف شرائحه وتعزيز قوة القانون على الكبير والصغير والحد من هذه الظاهرة التي تزعزع الامن والاستقرار .
عادات وتقاليد دخيلة
اطلاق الاعيرة النارية في الاعراس او المناسبات عادات دخيلة وليس لها امتداد او اصل في ثقافتنا اليمنية المتجذرة في عبق التاريخ.
باحثون اشاروا الى ان اطلاق الرصاص في المناسبات هي “ظاهرة” دخيلة وليست من العادات والتقاليد اليمنية الاصيلة.
مؤكدين ان المجتمع اليمني شعب مسالم وينشد السلام رغم امتلاكه ملايين القطع من الاسلحة المختلفة وهو في ذات الوقت شعب قوي وشديد في وقت النوائب ولا يستخدم سلاحه الا اثناء الحروب والقتال دفاعا عن الارض والعرض والدين والوطن.
الباحثون اشاروا ايضا الى ان غياب الوعي المجتمعي ووسائل التثقيف والتوعية والتعريف بالحضارة اليمنية واهمية التمسك والحفاظ على الموروث اليمني من العادات والتقاليد الاصيلة التي تقام في الاعراس والمناسبات تسببت بانحدارها وتلاشيها بشكل تدريجي وهو ما يتيح المجال لتواجد مثل هذه الظواهر الدخيلة على المجتمع اليمني ومنها اطلاق الرصاص في الاعراس كتعبير عن الرجولة والقوة وهذا مفهوم خاطئ لدى الكثير من القبائل.
مؤكدين ان رقصة “البرع” هي احدى موروثاتنا الثقافية الاصيلة وهي شبيهة بالنزال والمبارزة وتعبر عن القوة والرجولة والغلبة.
الباحثون حذروا من اتساع مثل هذه الظواهر الدخيلة وخطرها على الموروث اليمني وخطرها ايضا على امن واستقرار البلد.
الدموع لم تجف
تبقى والدة الطفلة فاطمة اسيرة خلف صدمتها وحزنها الشديد على فراق ابنتها وتبقى دموع والد الطفلة فاطمة مستمرة ولم تجف حتى اللحظة فيما القاتل الحقيقي يمارس نفس الطقوس في كل عرس تقيمه تلك الاسرة التي لا تبالي ولا يهمها انها ستكون سببا في ادخال الحزن والنواح لغيرها من الاسر.
وهكذا تستمر افراحنا واتراحنا في ظل غياب الوعي والمسؤولية.

قد يعجبك ايضا