
إعداد/فايز محيي الدين البخاري –
لا تخفتú إلا لتعودِ مجدداٍ وبصورةُ أنكى من ذي قبل ولا تكاد الحلقة السابقة تختتم حتى تبدأ حلقة أطول.. إنْها ظاهرة الاختطاف أو إنú شئتم سموها مسلسل الاختطافات الذي أضحى هاجساٍ يؤرق الدولة والشعب على حِدُ سواء. وهذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا اليمني جلِبِتú معها الويلات والنكبات لبلادنا على مختلف الصْعْد.. وحرصاٍ منا على تسليط الضوء أكثر على هذه الظاهرة المشينة كان لابْد لنا من تناولها عبر هذا الملف الذي حرصنا على أنú نتناول فيه هذه المعضلة من كافة جوانبها لنْقدم صورة حقيقية وواقعية قد تكون كفيلة بوضع حد لهذه المهزلة.
إنِ انتشار ظاهرة الاختطافات والتقطعات تفقد الوطن أمنه الاجتماعيوتجعل المواطن يخشى المرور في بعض الأماكن والطرق وبالذات في المحافظات ذات البنية القبلية القويةناهيك عن أنه ينتج عنها جملة من الآثار فهي تحد من تحركات المواطنين والمسافرين وتعوق التنمية على اعتبار أن حرية الحركة ترتبط ارتباطاٍ مباشراٍ بقضايا التنمية سواءٍ تعلق الأمر بالسياحة أو الاستثمار وإنشاء المشروعات الخدمية والتنموية وهذه الآثار – بحسب الدكتور عادل مجاهد الشرجبي – أستاذ علم الاجتماع المشارك جامعة صنعاء – لا تقتصر على الجماعات التي تقوم بالاختطاف أو الأشخاص المختطفين وإنما تنعكس أضرارها على المجتمع بشكل عام وبالذات النشاط السياحي مع أن بلادنا تْعد من الناحية الطبيعية والثقافية واحدة من البلدان ذات الإمكانات السياحية العالية في الوطن العربي لكنها مع ذلك لا تستقبل إلا عدداٍ محدوداٍ جداٍ من السياح نتيجة للاختطافات التي زادت معدلاتها خلال السنوات الأخيرة وقد أدى هذا إلى تدني المردود الاقتصادي من السياحة.
إن السائح الأوروبي مازال يتخوف من القدوم إلى اليمن خشية أنú يقع ضحية لأحد الاختطافات. ومن آثارها السلبية تراجع حركة الاستثمارات بشكل ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة. وتْعد الاختطافات سبباٍ مباشراٍ في إحجام المستثمرين عن الاستثمارحيث يمكن الربط بين ظاهرتي الاختطافات والتقطعات وبين الاستثمار ذلك أنه كلما توفر الأمن في المجتمع كلما ارتفعت معدلات الاستثمار في البلاد والعكس.
إن دورنا كأفراد في المجتمع تجاه هذه الظاهرة التي شوهت سمعة اليمن وألحقت الكثير من الخسائر بالاقتصاد الوطني هو التوعية بأضرار ومخاطر هذه الظاهرة وأثرها على السلم الاجتماعي والاقتصاد الوطني كما ينبغي علينا نشر وإشاعة مفاهيم الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في المناطق الريفية وفي أوساط التجمعات القبلية.
وأشارِ الدكتور عادل الشرجبي إلى أن الدور الرئيسي والذي يعول عليه في الحد من هذه الظاهرة السيئة يقع على الدولة فينبغي عليها إنفاذ القوانين الخاصة بمثل هذه السلوكيات الخارجة على النظام والقانون والمنافية لكل الأعراف والعادات والتقاليد ومتى ما طبقت الدولة القانون على كل من يختطف فإنها تستطيع أن تحد من هذه الظاهرة.
وأكد على أهمية تطبيق القانون الخاص بالاختطافات والذي يْجرم هذه الظاهرة كما أنهْ تضمنِ عقوبات شديدة يجب أنú تْتِخذ بحق كل مِنú يختطف شخصاٍ سواءٍ كان أجنبياٍ زائراٍ للبلاد أم مواطناٍ من أبناء البلد وما على الدولة إلا العمل بمواد ونصوص هذا القانون وتحويل تصريحات المسئولين من أقوال إلى أفعال خصوصاٍ وأننا نسمع مثل هذه التصريحات منذ ما يقارب عقدين من الزمان لكن الاستمرار في تحييد القانون أو عدم العمل به أسهِمِ وشجعِ بعض الجماعات والأفراد من القبائل وغيرهم على ممارسة الاختطافات والاشتراطات التعجيزية والمطالبات غير الشرعية. كما يجب أنú يكون دور المجتمع تجاه هذه الظاهرة دوراٍ مسانداٍ للدولة ويْسهم في تحقيق الأمن والاستقرار لأن المسؤولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها بل لابد أنú يشارك كل أبناء المجتمع في محاربة هذه الظاهرة والتحذير من مخاطرها.
ويذكر الشرجبي أن من أسباب الظاهرة طبيعة البْنى الاجتماعية التي تتميز بأنها ذات طابع قبلي وظهور القبيلة كجماعة مسلحة وشبه عسكرية وكذلك الثقافة القبلية السائدة التي تميل غالباٍ إلى حل النزاعات بالعنف كما إن من أسباب تنامي ظاهرة الاختطافات والتقطعات عدم بسط الدولة لهيمنتها على مختلف مناطق البلاد وضعف الدور الذي تقوم به المؤسسات القضائية والأمنية ذلك أنه لو قامت هذه المؤسسات بأدوارها المناطة بها على أرض الواقع تجاه هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر السلبية وضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة لاختفت ظاهرة الاختطافات أو لِقلتú حدتْها إضافة إلى الأسباب الثقافية والاجتماعية هناك أسباب سياسية تتعلق بمستوى وطبيعة بناء الدولة التي يجب أنú تْبنى بناءٍ قوياٍ ومتيناٍ وأنú تْمنح الصلاحيات الكاملة التي يخولها بها الدستور والقانون بعيداٍ عن التدخلات في أعمال مؤسسة الشرطة باعتبارها مؤسسة وطنية وكذلك الجهاز القضائي. وأرجع الشرجبي أسباب الظاهرة إلى ما أسماه التكامل بين العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية وهي التي أدت إلى ظهورها وبروزها ولذا ينبغي دراسة كل هذه العوامل والعمل على معالجة أوجه القصور فيها بنشر التوعية المجتمعية والحقوقية ومحددات السلم والأمن الاجتماعيين وشروط توفرهما.
آثار اقتصادية وسياحية مدمرة
هناك مغالطة يقوم بها البعض لتحميل الأوضاع الاقتصادية مسؤولية الاختطافات وتبريرها بهذه الحْجِة الواهية مع أن الهدف منها هو السعي إلى تحقيق مصالح شخصية وابتزاز الدولة أو بعض الجهات وإجبارها على الرضوخ والاستجابة لمطالبهم من خلال القيام بمثل هذه السلوكيات المشينة. هذا ما قالِهْ الدكتور علي قائد – أستاذ الاقتصاد المشارك كلية التجارة جامعة صنعاء والذي اعتبِرِ كْلِ ذلك من قبيل الحْجِج الواهية كون الاختطافات أو التقطعات وسيلة مرفوضة ومفهوم خاطئ لأنها تعتمد إطفاء النار بالنار. وقال إن مثل هذا السلوك هو سلوك مْجرِم كونه يعيق عملية التنمية في المجتمع ويٍسهم في إحداث المزيد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
وأشار إلى أن الاختطافات سواء طالت أجانب أو مواطنين يمنيين فإنها تسهم في إعاقة وتوقيف الكثير من الأنشطة والمشاريع الاقتصاديةكما أنها تنعكس سلباٍ على كافة القطاعات الداعمة للاقتصاد في الوطنكما يظهر تأثيرها على القطاعات الاقتصادية الواعدة كقطاع السياحة الذي لحق به وبالعاملين فيه ضرر كبير جرِاء هذه السلوكيات حيث أحجِمِ المستثمرون عن الاستثمار فيهوتحول مِنú كانوا يعملون في هذا القطاع وهم بأعداد كبيرة إلى عاطلين وما ذلك إلا بسبب الأعمال المنافية للعادات والقيم وبحسب قائد فإن الأضرار لم تقتصر على قطاع السياحة بل شملت القطاعات الإنتاجية الأخرى كقطاع الملاحة البحرية والثروة السمكية وغيرها كما شوهت سمعة البلد الأمر الذي ترتب عليه تجمد معظم الأنشطة الاقتصادية والسياحية والصناعية وأدت أيضاٍ إلى رفع نسبة التأمينات من قبل البواخر على السلع المستوردة التي تمر عبر المياه الإقليمية والموانئ. ناهيك عن زعزعة الأمن والاستقرار داخل المجتمع نتيجة لتلك الممارسات اللا إنسانية حيث يْعد الأمن والاستقرار شرطان أساسيان لتحقيق التنمية في أي مجتمع ذلك أن المستثمر الأجنبي عندما يسمع أن اليمن تشهد مثل هذه الأعمال التخريبية يْحجم عن الاستثمار فيها مع أن الاستثمار يْعتِبر مْحركاٍ أساسياٍ للعملية التنموية والنهضة الاقتصادية في البلد وبدون استثمار لا يمكن لأي نشاط اقتصادي أنú يتطور وينمو ولا يمكن أنú يزداد الناتج المحلي ويقل دخل الفرد والعاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة في اليمن. كما تْسúهم الاختطافات والتقطعات والقرصنة في تعكير المناخ الاستثماري وجعله غير ملائم.
وأوضح الدكتور قايد أنِهْ لا يمكن أنú يتحرك دولاب الاقتصاد ويرتفع دخل الفرد وتتولِد الدخول ما لم يكن هناك استثمار ولن يحدث استثمار ما لم يكن هناك استقرار وأمن الأمر الذي يؤدي بدوره إلى طرد وانسحاب رؤوس الأموال من اليمن سواء كانوا مستثمرين يمنيين أو أجانب وأدى أيضاٍ إلى ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل وظهور سلوكيات وممارسات مرفوضة منها انحراف الشباب وتفكك المجتمع جراء تدني مستوى المعيشة وافتقار أفراد المجتمع للسلع الأساسية فازدادتú نسبة الفقر وارتفعتú معدلات البطالة.
ونوه إلى أن النشاط الاقتصادي حساس للغاية ووثيق الصلة بالأمن والاستقرار حيث لا يمكن لمستثمر أنú يستثمر في بيئة يجهل حجم عائدات استثماراته ورأس ماله فيها. ولكي نحد من هذه الظاهرة نطالب الحكومة بإتباع أسلوب القوة والصلابة في التعامل مع من يثبت ممارستهم لمثل هذه الأعمال وألا تتبع أسلوب التفاوض أو المهادنة معهم بل يجب عليها أنú تتخذ إجراءات حاسمة ورادعة ضد مثل هؤلاء الخارجين على الدستور والقانون وذلك حتى نْهيئ مناخاٍ استثمارياٍ آمناٍ. كما ينبغي القيام بحملات توعوية تْعرف المواطنين بمخاطر وأضرار الاختطافات والتقطعات وذلك من خلال منابر المساجد وخطباء الجمعة وعبر وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية حتى يرتفع منسوب الوعي لدى كل المواطنين فينظروا إلى هذه الأعمال باعتبارها أعمالاٍ مْجرمة وعقوبتها شديدة.
ولا تقع المسؤولية في مكافحة هذه الظاهرة على الحكومة فحسب بل يشاركها هذه المسؤولية كل المكونات الاجتماعية أفراداٍ وجماعات ومنظمات مجتمع مدني ونشطاء حقوق الإنسان كما إنهْ لابْدِ أنú يتعاون الجميعْ لدحر هذه الظاهرة واجتثاثها وما ينتج عنها من آثار كارثية على مستقبل الاقتصاد في الوطن.