تقرير / محمد أحمد الحاكم
في ظل ما تمر به الدولة السعودية من أزمات مالية متفاقمة نتيجة سياسات نظام حاكمها الأرعن الذي أفرط بشدة في نفقاته المختلفة العسكرية منها ومن المنح وكافة صور الدعم المالي والتي بذلها طيلة عدة عقود من الزمن لجماعاته الإرهابية العاملة في كل أنحاء العالم , وعلى وجه الخصوص منها العاملة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن , بالإضافة الى نفقاته العسكرية المتنوعة والكبيرة جداً التي انفقها لمواجهة حربه على اليمن , ونتيجة لذلك كله بدأت تطفو على السطح مجدداً دعوات شعبية سعودية للتظاهر ضد هذا النظام وسياساته الاستبدادية التي أوصلت هذا الشعب الى مرحلة صعبة جداً من الانهيار النفسي والاقتصادي المتأزم.
قد تكون ” ثورة حنين ” الشعبية السعودية التي أتت في الحادي عشر من شهر مارس 2011م , والتي طالبت بإسقاط النظام والمطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية من أبرز وأطول الحركات والاحتجاجات الشعبية المناهضة لسياسات الدولة الفاشلة , نظراً لأنها انطلقت في أكثر من إحدى عشرة منطقة في السعودية , واستمرت خلال الفترة من28 / 2011/1/م وحتى 18 /3 /2011م , وبالرغم من أنها لم تنجح في حينه إلا أنها لم يتم اعتبارها آخر الحركات الشعبية السعودية الواعية.
وتأتي الدعوات الشعبية الأخيرة الداعية للخروج يوم الأحد 30/ ابريل /2017م , تحت عنوان ” تجمع العاطلين 30 ابريل ” لتشكل نقطة تحول متجددة في مسار الوعي الشعبي السعودي الذي ما يزال يعاني مرارة القهر والقمع للحريات وسلب الحقوق , خاصة في الآونة الأخيرة التي شهدت انهيارات شديدة في البنية الاقتصادية الرئيسية للدولة سجلت عجزاً كبيراً في موازناتها وانخفاضاً في احتياطيها النقدي العام , وتراجعاً كبيراً في أسعار النفط الدولية وغير ذلك من الانهيارات .
هناك عدة سمات قد تلتقي فيها ” ثورة حنين ” مع الدعوات الأخيرة , إلا أن أبرزها هو واحدية الفكرة والظروف السياسية والاقتصادية التي مرت ومازالت تمر بها السعودية , وبناء عليه فإن هذا التغير قد يمكن الشعب السعودي من التأثير بشكل أكثر ويزيد من مخاوف النظام الحاكم , وهذا ما تجلى في ما رأيناه في توجهات هذا النظام الأخيرة التي أتت في يوم الحادي والعشرين من ابريل 2017م , وما أسفرت عنه من إعادة كافة العلاوات والبدلات والمكافآت لكافة الموظفين .
هناك اعتقاد حسبما يراه بعض الباحثين والسياسيين السعوديين بأن هذه الدعوات سوف تذهب نحو الفشل كغيرها من الحركات والتظاهرات السابقة التي حدثت , معللين أسباب فشلها الى عدة اعتبارات أبرزها ضعف طريقة وأسلوب منظمي هذه التظاهرات الذين ارتكزوا على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة فقط , وإمكانية عدم التجاوب الشعبي الشامل للتفاعل معها , كما أن قيام النظام بالقمع لهذه التظاهرات بالقوة المفرطة وما قد ينتج عنه من قتل وجرح العديد من المواطنين سيكون له الأثر الأكبر في فشل هذه التظاهرات والاحتجاجات , مؤكدين أن هناك فرضية وحيدة رئيسية ممكنة الحدوث قد تنجح هذه التظاهرات وتحدث تغيراً حقيقياً وكبيراً على أرض الواقع , وذلك في حالة وصول الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لدرجات سيئة جداً كوصول نسبة البطالة إلى 30 % وتراجع لنسبة الخدمات العامة الصحية والإسكانية إلى درجة عالية جداً من الانخفاض .
ولمعرفة إمكانية نجاح هذه الدعوات أو فشلها وفق ما أشار إليه الباحثون يمكننا تحليل هذا الموقف من مبدأ قراءة نسبة البطالة باعتبارها العنصر الرئيسي المحرك لهذه التظاهرات , فبالرجوع إلى التقارير والإحصاءات الأخيرة , التي أصدرتها السعودية ممثلة بالهيئة العامة للإحصاء , فقد أشارت الهيئة في تقريرها الخاص بالربع الأخير من العام 2016م إلى أن نسبة البطالة السعودية بلغت 12.3% بما يعادل ( 693800) مواطن عاطل , بزيادة 0.2% عما أشارت إليه في آخر تقرير لها في الربع الثالث من العام 2012م , وبالنظر إلى هذه النسبة ومقارنتها مع النسبة 36% التي روج لها بعض الباحثين والسياسيين السعوديين التي يمكن أن تحقق أي ثورة شعبية في الداخل السعودي ينهي ذلك الاختلال يمكننا أن نجزم مقدماً فشل هذه الدعوات الأخيرة ” تجمع العاطلين 30 ابريل ” لتصبح فاشلة كسابقاتها من التظاهرات والدعوات .
إلا أنه وبعد الرجوع إلى تقارير وإحصاءات سعودية أخرى تحمل صفة الرسمية كونها تصدر عن جهات حكومية مثل ( وزارة التعليم العالي , وزارة العمل ) فإنها تؤكد لنا خلاف ما سارت إليه الهيئة العامة للإحصاء حول تحديد نسبة البطالة السعودية , حيث أن هذه الجهات قد استندت في تقديراتها إلى قراءة عدد المتخرجين السعوديين من الجامعات السعودية , حيث بلغ عدد البطالة حسب تقديرات وزارة العمل السعودية وفق ما جاء في موقعها الرسمي ( نطاقات ) بلغ حتى نهاية العام 2016م عدد ( 1500000) متخرج عاطل عن العمل , وهذا العدد يُعد ضعف العدد الذي ذهبت إليه هيئة الإحصاء السعودية .
بالاعتماد على تقرير وزارة العمل السعودية حول عدد البطالة السعودية البالغ (1500000) متخرج يمكننا تقدير نسبة البطالة الحقيقية للعاملين السعوديين والتي لم تشأ السلطات السعودية أن تفصح عنها , وذلك من خلال قسمة هذا العدد على عدد العاملين السعوديين حسب آخر التقديرات والتقارير الرسمية السعودية والتي أكدت أن عدد العاملين في القطاعين الحكومي والخاص بلغ ( 3060000) موظف , لنحصل على ما نسبته 49% عاطل , وليس على أعلنته السعودية من نسبة 12.3% , وهي في ذات الوقت نسبة أعلى بكثير عما قدره الباحثون السعوديون بـ36% , التي تمكن الشعب من القيام بثورة ضد نظامه الحاكم .
وبناء على هذه النسبة واستناداً الى الفرضيات التي أجازها الباحثون السعوديون يمكننا الجزم بنجاح هذه الدعوات التظاهرية التي قد تتطور الى ثورة حقيقية , هذا إن لم يكن للقمع الأمني والعسكري في ظل فتاوى زبانية النظام قول آخر يجهض هذه الدعوات التظاهرية .
عموماً…. يمكننا القول إن الشواهد والظروف السياسية والاقتصادية التي تشهدها الدولة السعودية في الآونة الأخيرة نتيجة تراكمات الماضي السلبية للقيادة السياسية والاقتصادية , باتت تؤكد لنا بجلاء مستوى تسارع إنهيار هذا الكيان المتغطرس ,الباحث من أسياده الصهيوامريكيين عن طوق نجاة ينتزعه مما هو فيه , لمعرفته الشديدة بأن أوضاعه الاقتصادية لم تعد تتحمل أكثر لأي درجة من درجات الإنهيار , ولمعرفته أيضاً بأنه وحتى في ظل وجود فتاوى زبانيته الدينية الممنهجة وأساليبه القمعية المختلفة إلا أنها حسب تقديراته لم تعد تجدي لأن تتعامل مع مثل هذه الأوضاع المتأزمة , حتى وإن فلحت فإنها ستفلح مؤقتاً ولن تستطيع أن تقف مستقبلاً تجاه أي ثورة عارمة .