الأنا القاتلة
أحمد يحيى الديلمي
قال الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ” الدنيا كلها سرور لولا الغرور ” عبارة مختصرة اختزلت كل مآسي البشر ومعاناتهم ، فعلاً كان الرجل محقاً فيما ذهب إليه ، فالغرور هو أقصى درجة الانحراف التي يصل إليها الشخص وتؤدي به إلى الهاوية ، لأنه عنوان الأنا ، والأنا محور للأنانية المفرطة والقاتلة التي تجعل الشخص يرى أنه فوق مستوى البشر ، وأنه الوحيد الذي امتلك الحقيقة دون غيره ، هذه للأسف معطيات حلقت في سماء الكثير من الزعامات الدينية ، بل والزعامات السياسية ، جعلت كل واحد منهم يرى أنه لا سواه المعني بكل شيء في الحياة ، وأنه استطاع أن يصل إلى الحقيقة ويتشبث بها ، بما تفرضه هذه المعاني من بشاعة ، كونها تحتم إقصاء الآخر ، وإظهار العداء له ولو بدون مبرر ، المهم أن هذا الآخر إذا أراد أن يعيش لابد أن يخضع لهذا الأناني المفرط في الأنانية ، هذا هو حالنا اليوم وما نعانيه من أمريكا على المستوى الدولي ومن جيراننا في السعودية على المستوى الإقليمي ، كل طرف امتلك أسباب القوة والمال ، أراد أن يستعبد الآخرين من حوله ويفرض عليهم شروطه ولو كانت مجحفة ، وهو مرض خطير في الغالب لا يصاب به إلا من يعاني الشعور بالنقص ، نتيجة فراغ حضاري أو خواء ذهني أو ما شابه ذلك .
وهنا يمكننا اختزال مشكلتنا الأساسية مع الأشقاء في السعودية ، نقول الأشقاء من باب المجاز باعتبار ألسنتهم تنطق العربية ، فقد وجب علينا أن ننعتهم بهذا الوصف ، وإن صنعوا بنا ما صنعوا ، المهم أننا في الأساس نؤمن أن العروبة إطار جامع للكل ويجب أن نضع له ألف حساب ، عند كل خطوة نخطوها أو عمل نقوم به ، هذا للأسف ما لا يفقهه الأشقاء ممن جاد عليهم الدهر بالمال والثروة وبدلاً من أن يسخروها لبناء الحياة ومساعدة البشر ، ها هم ينفقون المليارات من الدولارات من أجل قهر الآخرين بحسب الأقرب فالأقرب ، وكما قال الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من ضرب الحسام المهندِ
فهؤلاء الأقرباء الذين كنا نرى فيهم السند والملاذ ، تحولوا إلى عدو شرس متغطرس متكبر يتصرف بغرور وبأنانية مفرطة تجاه إخوانه في اليمن ، لا لشيء إلا لكي يخضعهم لإرادته وتتحول البلاد بأكملها كما كانت في الماضي إلى حديقة خلفية لهذا النظام .
لاحظوا أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان محقاً إلى ما ذهب إليه ، فالغرور هو الذي يمحق الحياة و يقضي على قيم التآلف والتعايش بين البشر ، خاصة حينما يكون صادراً عن إنسان غبي متخلف يتصرف بعنجهية المال ويتكلم بلغة القوة إن هو امتلكها ، وليته امتلك هذه القوة ، لكنه مجرد إنسان يلهو بها ويدفع المبالغ الطائلة من أجل الحصول عليها من الآخرين ، بل وبسببها تحول إلى شرطي لهؤلاء الآخرين من أولياء نعمته في واشنطن ولندن ، إنها قمة المأساة أن يصل البشر إلى هذا المستوى من الانحطاط ، وأن يتصرفوا بمثل هذا الجنون يدمرون الحياة بمسميات مختلفة ، وها هم قد وصولوا إلى حافة الهاوية ، فمن يتابع قائمة التعيينات والقرارات التي أصدرها الملك سلمان ، يلاحظ أن العد العكسي بدأ لنهاية هذه الدولة البائسة وهذا النظام المتغطرس ، فخارطة التعيينات دلت بما لا يدع مجالاً للشك على أن الغليان اتسع خاصة في نطاق الأمراء الصغار من الدرجة الثالثة ، وهم الذين أوكلت إليهم مهام ثانوية في نطاق الدولة ، إضافة إلى تلك المعالجة المضحكة المتصلة بالحوافز المادية ، فقد تنصل الغلام الغر محمد بن سلمان عن المسؤولية وألقى بها على كاهل وزير المالية السابق الذي تم اعفاؤه من منصبه نتيجة المخالفات كما قيل في ديباجة القرار ، اللهم لا شماتة ، كما قلنا فهؤلاء إخوان لنا بغوا علينا فسننظر لهم بعين الشفقة ، ونتمنى أن لا تتعاقب المحن عليهم ، والأمل أن يفقهوا مثل هذه الأشياء وأن يعوا بأن دمارهم لليمن مفتاح انهيار دولتهم ودمار بلدهم الذي نحرص عليه كونه يحتضن قبلة المسلمين ، و الله أسأل أن يعيد هؤلاء إلى الصواب ، وأن يساعدهم على التخلي عن الغرور والكبر والغطرسة .. إنه على ما يشاء قدير .. وهو نعم المولى ونعم النصير ..