ملامح السياسة الخارجية الأمريكية المتوقعة في ظل إدارة ترامب
أمجد الدعيس
يستعد دونالد ترامب لتولي الرئاسة الأمريكية رسميًا في 20 يناير 2017م وتثير هذه الحقيقة هواجس كثيرة داخليًا وخارجيًا وحيث ترامب لم يسبق له أن تولى منصبًا عامًا من قبل، ولأن ترامب يفتقد الخبرة في السياسة الخارجية ولا يملك رؤية متماسكة لها باستثناء الاقناعات الفضائية فإن الفريق الذي سيقوم بترجمتها واقعًا ينبغي أن يعكس هذا التبسيط وهذا التناقض في رؤيته، ويعد افتتان ترامب بنموذج الزعماء الأقوياء وهي من الأسباب التي تجعله ينظر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين باحترام ويسعى لإصلاح العلاقات مع روسيا ورفع العقوبات عنها والتحالف معها في سورية وهذا يبرز التناقض مرة أخرى في مواقف ترامب فروسيا حليفة لإيران التي يعدها ترامب عدوًا لأمريكا، وأن أهم السياسات الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب نحو عدد من الملفات الدولية الخارجية وأهمها سورية وفلسطين وإيران وروسيا والصين.
سوريا
ومن تصريحاته سابقا عن الصراع في سوريا أنه لا يعد الأسد هو المشكلة بقدر ما يرى أن التنظيمات الجهادية الإرهابية هي ما يشكل الخطر الحقيقي ولهذا يتحدث كثيرا عن تحالف ممكن مع روسيا لمحاربة داعش في سوريا، وسبق أن لمح إلى أنه سيوقف دعم بعض الجماعات السورية المعارضة لنظام الأسد التي تدعمها إدارة بارك أوباما.
فلسطين
وعلى الرغم من أن ترامب قد أعلن خلال حملته الانتخابية أنه سيكون محايدًا في موقفه من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كي يكون في وضع يؤهله لصنع السلام بين الطرفين فإن مواقفه بدأت تنحاز لمصلحة إسرائيل بعد نجاحه في الانتخابات ومؤخرا صدرت تلميحات من فريقه الانتقالي بأنه لن يعطل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة نهاية مايو 2017م وهو ما جرت عليه العادة في العشرين سنة الماضية منذ إقرار الكونغرس قانون نقل السفارة في 1995م مع ضمانة بند يخول الرئيس تعطيل القرار ستة أشهر إذا ما رأى أن في ذلك خدمة للمصالح القومية الأمريكية.
إيران
يرى بعض الخبراء أن الموضوع الذي سيكون محل توافق كبير داخل إدارة ترامب المقبلة هي إيران، إذ يعدها كل مكونات فريق أمنها القومي العدو الأول, يرى فلين المعركة مع إيران جرءً من الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي في حين أعلن ماتيس مرارا خلال رئاسته للقيادة الوسطى العسكرية الأمريكية أن أعظم تهديد تواجهه الولايات المتحدة هي إيران ويتبنى الموقف نفسه وزير الأمن القومي المرشح الجنرال جون كيلي عينه مايك بومبيو المرشح لمنصب رئيس الوكالة الأمريكية المركزية سي اي ايه هو الرئيس الحالي للجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي لكن هذا لا يعني أن هذا العداء المعلن قد يقود إلى حرب بالضرورة, فعلى الرغم من أن ترامب كان قد توعد خلال الحملة الانتخابية بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران وهو الموقف الذي يؤيده فلين وبومبيو. فإن ماتيس يرى أن الاتفاق قد نجح في تجميد المساعي النووية الإيرانية ولم يوقفها, كما أنه سمح للولايات المتحدة بتعزيز قاعدة أهدافها الاستخباراتية في حال قررت قصف المنشآت النووية الإيرانية وليس من المؤكد إن كانت إدارة ترامب ستعمد إلى تمزيق الاتفاق فعلًا أو لا ذلك أنه قد يحرر إيران من التزاماتها فيه كما أن الدول الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاق وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين سوف تستاء من مثل هذه الخطوة الأمريكية إن تمت، وسترفض إعادة فرض عقوبات على طهران، وعلى الأغلب فإن إدارة ترامب قد تلجأ إلى محاصرة إيران في خليج العرب وسورية واليمن وأفغانستان والعراق وتعزيز الرقابة على برنامجها لتطوير صواريخها متوسطة المدى.
روسيا
تعد مسألة العلاقات مع روسيا القضية الأشد تعقيدًا في إدارة ترامب المقبلة إذ لا يخفي ترامب رغبته في إعادة إطلاق العلاقة بين البلدين، وترشيحه لتيلرسون كوزير خارجية، جاءت في جزء منه نتيجة علاقته القوية ببوتين، وهو ما أثار حنق العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي ومن بينهم جمهوريون ممن يعدون روسيا خصما إستراتيجيا ويطالبون بالتحقيق في التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في حين ترامب يعرض ذلك. وكان تيلرسون قد عارض كمدير تنفيذي لشركة إكيون موبيل النفطية التي تربطها علاقات تجارية بموسكو فرض عقوبات على روسيا بعد أن اجتاحت قواتها شرق أوكرانيا وضمت إليها إقليم القرم في 2014م. ويريد ترامب أن يتحالف مع روسيا في محاربة الإرهاب الإسلامي في سورية، غير أن ذلك يتناقض مع عد ترامب إيران وهي الحليف الروسي عدوا أول. وأيضا يرى ماتيس وبومبيو في روسيا شريكا لإيران وحزب الله، ومن ثم يعارضان أي تحسين للعلاقات بها. كما أن أي تقارب أميركي – روسي قد يثير غضب الحلفاء الغربيين في الناتو المتخوفين من التمدد الروسي في شرق أوروبا. وعلى الرغم من ذلك يبدو أن ترامب قد يمضي في اتجاه أعادة العلاقات بموسكو، مع موازنة بتطمينات لحلفاء واشنطن الغربيين وإبقاء الملف الإيراني منفصلا عن ملف العلاقات الثنائية.
الصين
كانت الصين أحد الأهداف المفضلة لترامب خلال حملة ترشيحه ؛ ذلك أنه يتهمها بعدم احترام قواعد اللعبة وخصوصا في العلاقات التجارية بين البلدين . وفي 12 ديسمبر الجاري ، قطع ترامب مع عرف دبلوماسي أميركي سارت عليه الولايات المتحدة أربعين عاما تقريبا في العلاقة بالصين ؛ وقد اتبع ترامب بتصريحة بأنه لا يرى نفسه ملزما بمبدأ صين واحدة إلا إذا قبلت الصين بصفقة مع امريكا في عدد من الملفات بما في ذلك مجال التجارة إذ يميل الميزان التجاري لمصلحة الصين . كما هدد ترامب خلال فترة ترشحه بأنه سيفرض تعرفة جمركية على الصادرات الصينية إلى الولايات املتحد تصل إلى 45% إذا لم تدخل عن حماية منتجاتها المحلية وإذا لم تقم برفع قيمة عملتها . وعلى الرغم من ذلك فإنه من الصعب تصور أنه سيذهب إلى حد تغيير أسس العلاقة بين الدولتين الكبريين اقتصاديا ، تغييرا جذريا ؛ فأي معركة اقتصادية بين الدولتين قد تقضي إلى ركود اقتصادي مشترك ، كما أن الصين قد تساهم في تعقيد ملفات أخرى لأمريكا ، كما في كوريا الشمالية وبحري الصين الشرقي والجنوبي . بناءً عليه ، سيسعى ترامب غالبا للضغط على الصين من البوابة التايوانية لتحسين وضع الولايات المتحدة التفاوضي ولا سيما ما يتعلق بالتجارة .
خلاصة
يصعب التكهن بتفاصيل بتفاصيل السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترانب ، غير أنه يمكن تلمس بعض مبادئها العامة . وتعود التبؤ بالسياسة الخارجية لترامب إلى أنه لا يملك تصورًا متماسكا عنها ، كما أنه لا يوجد له تاريخ سياسي يمكن القياس عليه . وهو يقول الشيء ونقيضة ، فضلا عن أنه أتى بفريق للأمن القومي غير متجانس . وعلى الرغم من توقع إحداث ترامب تغييرات كبيرة في مقاربات السياسة الخارجية الأمريكية ، على نحو قد يؤدي إلى بعض الاضطرابات دوليًا ، فإنه من المستبعد أن ينجح في قلب السياسة الخارجية الأمريكية جذريا ؛ بالمؤسسة البيروقراطية الأميركية ، بما في ذلك في مجال الأمن القومي والسياسة الخارجية ، كبيرة إلى الحد الذي يصعب فيه تغييرها على هذا النحو.