محمــد علــي ثامـر
برغم مشاكل الناس وهمومهم، وظروف وطننا الحبيب (اليمن) والذي يتعرض لأقذر عدوانٍ وأشد حصارٍ وأفتك تدميرٍ ربما لم يتعرض له بلدٌ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وها نحن على أعتاب السنة الثالثة من بدء هذا العدوان؛ إلا أن الشاعر/ محمد سيف القبيلي – أحد أبناء قرية الرفاعي بعزلة الأملوك بمديرية الشعر في محافظة إب، وأحد شعراء بلادنا المغموريـن والمطموريـن، فهو مغمورٌ كونه الشاعر الذي صدح شعراً وقصائدَ وثقت كل أفراح وأتـراح وطننا (اليمن)، ومطمورٌ كواقع والذيـن يعانون من عدم اهتمـام الجهات المختصة – إلا أن يصدر ديواناً شعرياً جديداً تجاوزت صفحاته (840) صفحة، وحملت في طياتها (261) قصيدة شعرية تنوعت ما بين القصائد الوطنية وقصائد المديح النبوي والابتهالات وقصائد محاربة الفساد، كما أن هناك العديد من القصائد التي تناقش القضايا والهموم العربية والإسلامية، وهذا الديوان كسابقه الذي صدر في عام 2013م وحمل عنوان (أطياف من حياة الشاعر.. من حنين الغربة وأشواق المهاجر) إلا أنه يتميز باحتوائه على مجموعة من القصائد الجميلة والتي تنادي بالخير واليُمنِ والبركات لهذا الوطن اليمني الكبير الذي يملأه الإبداع والجمال في كل جوانبه ونواحيه.
كُـلا يُخاطب أخيه بصدقٍ وأخلاق
ووطننا بالخيراتِ واعد
الشَّـركات تتسابق لإخراج المعادن من الأعماق
الخامات ذهبٌ وفضةٌ وغير ذلك مُتواجد
أرضنا بكرٌ يتـردد عليها من يدفع الصَّداق
من كُثُـر مشاكلنا لا أحد يستطيع يُساعد
قصائد الحب النبوي
يا حبيب الله يا محمد.. يا خير مخلوقٍ يولد، يخاطب الشاعر القبيلي رسولنا الكريم بأرق القصائد وأحلاها وأرقاها كلاماً ومعان جميلة ودافئة كما أنه يدون ذكرى الهجرة والإسراء عن طريق قصائد لا تمر واحدة من تلك المناسبات إلا ودونها وحفظها بقصيدة شعر وفي ذكرى المولد النبوي الشريف كتب قصيدةً عنوانها (خير مخلوقٍ يوجد):-
في ذكرى خير مخلوقٍ يولد
هو صاحب الأخلاق رسوله مُحَـمَّد
من مكة المكرمة بَـزَغَ بنوره
فأنار الكون دعا الخلائق ووحَّد
أما في ذكرى هجرته إلى المدينة المنورة واستقبال اليمنيين من الأوس والخزرج له فقد كتب قصيدةً يقول في أبياتها:-
عـمَّت المدينةَ الفرح
فأنشدوا تـرحيبـاً بالرَّسول
من المدينة أسس دولة الإسلامَ
دولة العدالة لكـل شـيءٍ حلول
فانتشـر الدِّيـن شـرقاً وغرباً
نشـر ديـن الله فنال القبول
اليمن.. والعدوان البربري
ذهل اليمنيون من تعرض بلادهم وديارهم وبنيتهم التحتية وآثارهم وحضارتهم لعدوانٍ غاشمٍ من قبل (18) دولة ضد هذا الشعب العظيم بتاريخه وحضارته، بشجاعته وصموده واستبساله، الكبير في تحمله لحربٍ ضروس أكلت الأخضر واليابس وها هي السنة الثانية على انطلاقه على وشك النهاية، ولكن شعبنا لا زال صامداً وشاعرنا – القبيلي – أحد أبناء هذا الشعب الذي انبرى صادحاً بالعديد من القصائد الشعرية والتي هاجم فيها العدوان والإجرام الغاشـم الذي ارتكبته دول ما تسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية مدعومةً أيضاً بالعديد من الدول الأخرى في حق اليمن، فارتكبت فيه أفظع المجازر وأبشع الجرائم التي يندى لها التاريخ، كمـا استخدمت القنابل العنقودية والفسفورية والفراغية والانشطارية.. وغيرها من السلاح المحرَّم عالـميـاً لتقتل وتشـرد الآلاف من أبناء اليمن وتدمر بنيته التحتية وتعيده إلى الخلف لعقودٍ كبيرة.. ونورد هنا بعضاً من أبيات قصيدته (تحالفكم لقتل العرب):-
أهذا التَّحالف الكبيـر
على اليـمـن المُسلم الفقيـر
تحالفكـم لقتل العرب
تحالفكـم لقتل المسلميـن شهيـر
أهذا التَّحالف على اليـمـن
رفض مخطط التَّقسيـم المريـر
ثم نراه يخاطب ضمائر وعقول قادة دول ذاك التحالف الإجرامي الكبير علهم يعقلون، علهم يسمعون، علهم يبصرون؛ ولكنهم كالحجر أو أشد قسوةً لا يتحركون إلا بإشارات أسيادهم في الغرب، ولعل أبيات قصيدته المعنونة (بعتم ذممكم بالدولار والذهب) والتي مطلعها:
انتـزعت الرَّحمة من العرب
بعتـم ذممكم بالدُّولار والذَّهبْ
عرب التَّحالف لضـرب اليـمن
كلُّ من بسلاحه في اليـمن جرَّبْ
غذيتُـم الصِّـراعات في اليـمن
كلاً يقتل أخيه أجـجتُـم اللَّهبْ
أليس أجدر بكم أن تصلحوا بيننا؟
وتبعدوا الأقاليـم لا نقبلها ولا نـرغبْ
لهي مخاطبة من رجل عاقل قضى معظم سنوات عمره في المهجر، وبحكم غربته الطويلة في دول الغرب وبالأخص في أمريكا فتراه يكتب حسـرةً وألماً لما يـراه ويشاهده من تطورٍ وتقدمٍ ونهضةٍ وبناء في هذه الدول، ليلتفت خلفه إلى وطنه ومحيطه العربي وكيف يعيشان في تخلفٍ وتفرقٍ وتشـرذمٍ وذلة، يصل بها الوضع أحياناً إلى التقاتل والتحارب فيما بينها البين، وأحياناً أخرى تعيش ذاك الألم ذاته بسبب أطماع أبنائها وتفرق آرائهم وتشخصُن أطماعهم الدُّنيوية البغيضة، والتي لا هم لها إلا التسلط والوصول إلى الحكم دونـما مراعاةٍ لآراء الشعب واختياراتهم، ودونـما أيضاً الإيـمان بالديـمقراطية الحقة المتمثلة بالتداول السلمي للسلطة والرضا والقناعة بالعملية الانتخابية التي وجِدَت لخير الأوطان وبنائها وتقدمها.
أفراح الوحدة ودموع العيون
أنشد الشاعر القبيلي لليمن وثورته وجمهوريته ووحدته، وكان للوحدة اليمنية في يومها الأغر الثاني والعشرين من مايو 1990م وقعٌ خاصٌ في قلبه فصدح في مهجره بقصيدةٍ شعريةٍ عصماء يقول فيها:-
توحّدنا بنينا القواعد والعمود
وتحطمت جدرانُ وأتـراك الحدود
أفراحُ لعروسِ الدَّهـرِ تبقى
في كل عامٍ أفراحٍ تعود
في اثنين وعشـريـن مايو عُرْسُهَا
تلبس التَّاج فوق شَعْرِ الجَعُوْد
كما أنه حرص على عدم إغفال أية احتفالات لبلادنا بهذه المناسبة العظيمة على قلب كل يمنيٍّ ويمنية؛ فلم يمرُّ عامٌ إلا وأنشد طروباً بهذا اليوم التَّاريخي، ولم تـمرُّ ذكرى وطنية إلا وأعطاها حقها.. فقد ملأ الدنيا من روائع قصائده، وأزهار أشعاره، وفيض حبه لوطنه وبلده… بل وسجَّل أروع قصائده في مدح من قاموا بإعادة تحقيقها، وظلَّ منافحاً ومدافعاً لتوثيق عراها، والحفاظ عليها، وكان لاحتفال بلادنا بالذكرى العاشرة لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية صدىً عظيم في قلبه فغرد بقصيدةٍ يقول فيها مرحباً بضيوف هذا الاحتفال الكبير:
أقولها من القلب وبالصَّخر تُكْتَبْ
يُسجلها التَّاريخ ذكرى للذَّاكِـر
هذا اليوم أجمل الأيام وأَطْيَبْ
يومٌ لا يغيبُ عن الخاطـر
بَـزَغَ النُّور من بعد ما غَرَّبْ
نورٌ ساطعٌ على الملأ ظاهـر
اليمن والمشاريع التدميرية
فلسطين.. يا جرحنا النازف ووجعنا الدائم
كمـا لم ينسه الابتعاد الطويل عن وطنه ومنطقته أن يشارك في قضايا الأمة العربية الكثيرة، المؤلمة منها والموجعة، فألقى شاعرنا قصائد عن فلسطين – جرح العروبة الغائـر –، عن أطفال الحجارة، عن الشهيد محـمد رامي الدُّرة واختبائه في حضن والده، عن المقاومة وضـرورة دعمها بالمال والسلاح والرِّجال أيضاً، عن القدس ومسجده الشـريف، عن قطاع غزة والحروب المجرمة والمتكررة بحق هذا القطاع..
قتلوا محمـداً قتلُ عَمْدٍ
مُتعطشون للدِّمـاء والمَجازر
رَمَوا رامي أهل الضَّلالة
رشوه بوابلٌ جنودهم العساكـر
وللأقصى حكايةٌ أخرى مع الشاعر القبيلي ففي عام 1996م أطلق العنان للسانه ليسجل أروع القصائد في ذكر مسرى الرسول الله صلى الله عليه وسلم ويندد إزاء بقائه بيد اليهود، وما يتعرض له من عمليات الحفر تحت أساساته لغرض انهياره وتهدمه.
وفي الأخير.. فإن إنجاز هذا الديوان الشعري – والذي أهداه الشاعر إلى اليمن أرضاً وإنساناً، وللعرب تاريخاً وحضارة، وللأمة الإسلامية تقدماً ونهضة، وقدَّمه الباحث والمحقق الأستاذ/ محمد محمـد عبدالله العرشي وحمل غلافه لوحةً تشكيليةً رائعة للفنان التشكيلي اليمني/ زياد العنسي – يضم في طياته مئات القصائد الوطنية، وعشـرات القصائد القومية، والعديد من قصائد مهاجمة الفساد والفاسديـن، في مختلف مفاصل الجهاز الإداري في الدولة، وبعض قصائد الترويج والتسويق لليمن، ذاكراً أوصاف مناطقها الأثـرية والسياحية، ومتغزلاً بما تحمله من قيم إنسانية خلاقة، وعظمة الإنسان اليمني الذي عمَّر وشيَّد تلك القلاع، وتلك الحصون.. كمـا أحتوى هذا الديوان على العديد من القصائد المنشورة في بعض الصحف المحلية والخارجية، والمساجلات الشعرية مع بعض أرباب الشعر والحرف في بلادنا سواءً في الداخل أو في الخارج.