22 مايو .. مخاض جديد
جمال الظاهري –
يتفق الجميع على أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة وفي خضم الأحداث الجسيمة التي يرزح تحتها الوطن اليمني أرضاٍ وإنساناٍ وما نتج عنها من مخاضات لم تنتج أكثر من الشعور بالخوف على مستقبل الأجيال الحالية والقادمة.
هذا الشعور العام دفع بقوة إلى البحث عن مفاتيح لحلحلة الحالة المحتقنة التي سادت خلال الأعوام الأخيرة والتي سبقها حالة من عدم الاستقرار السياسي والانسجام المجتمعي والخلل في توزيع الثروة وغياب سلطة القانون الذي اتاح لبعض النافذين في اجهزة الدولة بأن يستولوا على بعض الممتلكات العامة والخاصة وخاصة بعد حرب صيف 94م وظهور من ينادون بفك الارتباط والعودة إلى ما كان عليه اليمن من حالة التشظي والتجزؤ لوطن الثاني والعشرين من مايو الذي شكل انتصاراٍ لنضالات أجيال متعاقبة عبر التاريخ سعت وبذلت في سبيل الوصول إليه الغالي والنفيس وقدمت القرابين تلو القرابين من خيرة أبناء الوطن العزيز.
ها هي عدن وحضرموت اليوم تصرخان في وجه القاصي والداني ومحذرتان من خطورة بقاء الحال على ما هو عليه من انفلات وغياب دولة القانون – دولة العدالة والمساواة التي آمنت بها وسعت الى تحقيقها.
إن ذاك الوميض واللمعان الذي تنتجه سحابة المحافظات الجنوبية إنما هو تحذير وتنبيه لخطورة ما تحمله سحب هذا الجزء الغالي من الوطن وخطورة التراخي مع دعاة التجزئة والعودة إلى ما قبل الوحدة وفي نفس الوقت هو تحذير وبراءة ذمة تقدمه هذه المحافظات لأولئك الذين رووا بدمائهم شجرة الوحدة ومن أجل تذكيرنا مع كل ومضة بأن هناك خيارات أخرى يرفعها دعاة التجزئة من أجل تشتيت وخطف الابصار وارباك خطواتنا المترنحة أصلاٍ بسبب الحمولة الثقيلة التي يرزح تحتها الشعب المثخن بالجراح التي أحدثتها السنتان الأخيرتان وما سبقهما من اعتلال لحالة الانسجام الوطني الذي تفاقم عاماٍ بعد عام.
إن عدم المبالاة التي سيطرت على واقعنا المعاش وعدم تحصين مولود الثاني والعشرين من مايو والتهاون في علاج ما كان يظهر على جسده من تشوهات أولاٍ بأول حتى استفحل الداء وضعفت المناعة ما أدى إلى استقواء جرثومة الانتهازية وطفيليات النفعية التي وجدت في هذه الحالة الفرصة ليعتاش بين شقوق الجراح مفرزتان لسمومهما وأحقادههما على الوطن الواحد وتحميل الوحدة وزر أخطاء النفر القليل الذي أساء استخدام السلطة والنفوذ بغية انهاكها والقضاء عليها كمنجز يعتز ويفاخر به كافة ابناء الوطن اليمني الواحد.
هذا الصرخات التحذيرية تحمل رسالة غاية في الأهمية من أبناء جزء غالُ من وطن الثاني والعشرين من مايو تؤكد على خطورة الاستمرار في تجاهل قضية ابناء المحافظات الجنوبية واخوانهم من أبناء المحافظات الشمالية وما يمكن ان تنتجه حالة عدم المبالاة بمطالبهم العادلة وعدم تصحيح الاختلالات التي اعترت ميلاد ومسيرة الوحدة المباركة.
هذا اللمع القادم من المحافظات الجنوبية لم يكن كل الحكاية ومجمل تفاصيل المحنة التي تعيشها اليمن فحين يومض السحب في ربى عدن كانت تصاحبه الرعود من جميع محافظات الوطن ويتردد صداها بين جنباته بين الفينة والأخرى ويزداد ترددها عند كل منعطف أو حدث يزيد من أعباء وتكاليف عيش المواطن الذي لم يلتفت لحاله وما يعانيه من عدم اكتراث للمسؤولين وللحكومات المتعاقبة التي داومت وتمادت في تحميله ضريبة أخطائها وفشلها المتكرر في تحقيق ما كانت تعده به فكانت هذه الرعود هي كل ما يصل إلى مسامع هذا الشعب الصابر والمثابر الذي ظل وما زال يقدم قرابينه للقدر عل هذه الرعود تمطر أو يصيبه منها وابل يحيي ما مات ويجبر ما انكسر ويداوي ما سقم متعلقاٍ بكل بادرة أمل أو وميض وإن كان باهتاٍ.
ذاك البرق القادم من الجنوب وتلك الرعود التي لا تمطر ولا تعطي بالاٍ لتلك الآذان المشنفة والعيون الشاخصة إليها كأنها لم تكن كافية ولا بد لها كي تعطي نتاجاٍ وتلد مزناٍ أن تطلق صعدة صرختها صواعق تشقق سحب الغيث بعد أن طال صبرها وتحملها فكان نصيبها من الألم أكبر وجراحاتها أعمق وكان مقدراٍ لها أن تكون الضلع الثالث الذي اكتملت به نهاية حقبة زمنية وبداية جديدة لحقبة زمنية أخرى.
مثلث تمثل أضلاعه الثلاثة غاية في الأهمية والخطورة ستبدأ بين أضلاعه وزواياه رسم ملامح المرحلة والبداية اليمنية التي أوكلت إلى المؤتمرين منذ ما يقارب الثلاثة أشهر ونيف فهل هؤلاء المؤتمرون عند المستوى المطلوب من التحدي ويمتلكون القدرة والمهارة من أجل إنجاز المهمة التي ينشدها أبناء اليمن¿ فهم في هذه المهمة أشبه بالجراح الذي يلجأ إليه من أجل إنقاذ المولود والحفاظ على حياة الأم وأي أم إنها اليمن.