اليمن وزوابع المولد النبوي !
أحمد عبدالله الشاوش
يأتي الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف والأمتين العربية والإسلامية في أمس الحاجة إلى مراجعة النفس ، ووخز الضمير ، والتحرر من الهوى وإحياء السنة النبوية المطهرة من خلال التأسي بالسيرة العطرة والأخلاق الفاضلة والقيم العظيمة لخاتم الأنبياء والمرسلين .
تطل علينا هذه الذكرى العطرة وقلوب المسلمين يعصرها الأسى والألم، ويلفها السواد والحزن من جور ذوي القربى التي امتلأت قلوب السواد الأعظم منهم بالحقد والكراهية ، وتشبعت بالحسد والقسوة ، والتآمر والخيانة ، والدماء والدمار، ورغم المفاخرة بروابط الدين والنسب واللغة والجغرافيا والتاريخ المشترك ، إلا أن واقع الحال والمشهد المروع يؤكد بما لايدع مجالاً للشك ، أن الأمة تعيش حالة من الاضطراب والحيرة والسقوط الأخلاقي والإنساني بعد أن قفزت الأمة المحمدية على منظومة تعاليم القرآن الكريم والسيرة العطرة لخاتم الأنبياء والمرسلين الذي انتشل الأمة من الظلمات إلى النور ، في حين بقيت قلوب الكثير من الحكام والمحكومين خارج إطار الحكمة بتجاوز تلك السيرة العطرة والمثل الرفيعة والأخلاق النبيلة التي تجسد مشروع حياة .
ورغم المآسي والمصائب والإخطار المحدقة بالأمتين العربية والإسلامية ، إلا أن التذكير والاحتفال بهذه المناسبة العطرة منقوشة في قلب كل مسلم وكل أسرة وقرية ومدينة ودولة بمختلف مشاربها الإسلامية للتزود بمنظومة القيم السامية وتطبيقها في الحياة، وان لها من الأهمية والإجلال والتقدير ما يفوق التصور ، رغم الأصوات النشاز والجدل المعارض وبعض الفتاوى التي ترى في الاحتفال بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام ” بدعة ” في حين يغض الطرف بعض العلماء عن بدع حقيقية وإحياء احتفالات وسهرات ومؤتمرات لتدمير الأخلاق وتكريس التطرف والتشكيك في الأمة وإذكاء الخلاف الفكري وهو ما يحمل أكثر من علامات تعجب واستفهام واستفزازاً للأمة !!.
ولهذه المناسبة السعيدة على قلوب كل مسلم مازلنا نحتفل نحن اليمانيون أنصار رسول البشرية منذ القدم بهذه المناسبة العظيمة من كل عام ونحتفي بذكرى مولد رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة والسلام على مستوى الفرد والأسرة والدولة في البيوت وكل مساجد اليمن بسعادة وزخم كبير ، ومازلنا نتذكر ونعيش بعض لحظاتها السعيدة وروائحها الزكية وعطورها العبقة وموائدها المتواضعة والاستعدادات الكبيرة وقراءة الأذكار والسيرة والأصوات المميزة والأناشيد الدينية والصلاة على النبي والتزود بالتقوى ، لاسيما في محافظة الحديدة وتعز وصنعاء وذمار وحضرموت وحراز وغيرها من المدن اليمنية ، مستدعيين لحظات إيمانية وسلوكاً عظيماً ..
كما يحتفل أبناء مصر والمغرب والأردن والجزائر وفلسطين وغيرها من الدول الإسلامية بهذه المناسبة العظيمة بشيء من الإجلال والقدسية في أبهج صورة وتزدان الشوارع والأسواق بالأعلام والحلوى وغيرها من اللوازم والاستعدادات للاحتفاء بهذا اليوم للوقوف على سيرة خير البرية ودراسة حياة الرسول صلى الله عليه.
لذلك فلا غرابة أن يبادر أبناء اليمن إلى الاحتفال بالمولود النبوي الشريف في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء ، بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ونزفت دماؤهم ودمرت بيوتهم ومقدراتهم من جور وعدوان ذوي القربى بعد أن جاوز قادة العالم الإسلامي المدى ولهثوا وراء المصالح والتكتلات الضيقة وأيدوا الظلم وتناسوا الدور المشرف لليمنيين في نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإيصال الإسلام إلى كافة مشارق الأرض ومغاربها ، مشككين ومستنكرين ومستغربين الاحتفال بالمولد النبوي وتلك الفرحة وذلك الحضور المتميز رغم الجراح المثخنة والعدوان والحصار الجائر.
كما أن اليمانيين بحضورهم وتلبيتهم في معظم مدن اليمن يقولون للمشككين أن الاحتفال بميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شيء عظيم يستلهم منه الجميع الدروس والعبر والعظات والامتثال والتأسي بأخلاق رسول البشرية مهما عظمت المصائب والمحن ونوائب الدهر ، وان الدعوة إلى احتفال رسمي من قبل المجلس السياسي أو غيره بهذه المناسبة الجليلة ليس حقاً حصرياً لجماعة “أنصار الله” أو “الحوثيين” أو المؤتمر وغيرهم، وان حضور مئات الآلاف من أبناء الشعب اليمني إلى ميدان السبعين في صنعاء عصر الأحد صورة مشرفة ومشرقة ومشهد مذهل ودليل كبير على قوة إيمان اليمنيين وحكمتهم وحبهم وتمسكهم بالإسلام ورفضهم للفتاوى السياسية والمتطرفة التي تحاول التشكيك في عظمة وقدسية الاحتفال والتمتع بهذه المناسبة السعيدة .
كما أن الاحتفال به في مصر وغيرها من الدول الإسلامية ليس منتجاً حصرياً للأزهر الشريف أو غيره كون الهدف من الاحتفال بالمناسبة هو التذكير بسيرة خاتم الأنبياء والمرسلين والتأسي بمناقبه العظيمة واستلهام الدروس العظيمة.
Shawish22@gmail.com