بالمختصر المفيد..الناصريون والتحالف مع الأعداء والقتلة!
عبدالرحمن الرياني
كنت ولا أزال من المؤمنين بفكر القومية العربية ومن المؤمنين بتحقيق دولة الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وكغيري من القوميين الوحدويين العرب كنت أتفاعل مع أي محاولة وحدوية عربية تعمل على تحقيق الوحدة بين هذا القطر أو ذاك ، ولم أكن كغيري من الوحدويين العرب أرى أن الامبريالية العالمية تعمل على عدم تحقيق الوحدة العربية، على العكس من ذلك تماما كنت أرى أن أعداء الوحدة العربية يقبعون في الداخل العربي ولديهم كياناتهم المصطنعة التي تعمل على وأد أي عمل عربي يقود إلى الوحدة العربية.
نعم تكونت لدي وتيار واسع من القوميين والوحدويين العرب قناعة بأن الكيان السعودي يعمل على ضرب الوحدة العربية كمشروع كما فعل ذلك في الوحدة المصرية السورية فبراير 1958م عندما حاول الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر مرتين في عام 1958م وكما حاول بمليارات الدولارات منع قيام الدولة اليمنية الموحدة في العام 1990م.
من الأشياء المعيبة للتيار القومي في اليمن وبخاصة التيار الناصري أن لديه العديد من الحقائق أكثر من سواه حول المؤامرات التي قامت بها السعودية ضد التيار القومي الناصري على وجه التحديد وكيف حرضت الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج على تصفية الناصريين العرب إلى حد التصفيات الجسدية ، فلقد كانت الاستخبارات السعودية تقف بقوة ضد وجود أي حركة ناصرية قومية فاعلة تمت تصفيتها في السعودية أولا من خلال إعدام عبدالرحمن الشمراني ومن ثم بعد اقل من عقد تمت تصفية الفريق سعيد العمري والرائد منيف الرومي.
ووصل الحال بالنظام السعودي إلى عزل بعض كبار الضباط الذين تشك في علاقتهم بالزعيم جمال عبدالناصر مثل اللواء علي زين العابدين لمجرد انه كان زميل دراسة لعبدالناصر في الكلية الحربية ومن ثم اتجهت إلى الحد من نشاط الحركة الناصرية في الخليج العربي من أمثال سيف غباش في الإمارات الذي اغتالته مجموعة فلسطينية بأوامر سعودية، وجاء الدور بعده على تهديد حياة أحمد بن خليفة السويدي مستشار الشيخ زايد ودعم السعودية للحركة الانقلابية التي حدثت للشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لكونه كان من المؤمنين بالفكر القومي الناصري ومن الداعمين للحركة الناصرية في الوطن العربي.
حتى سلطنة عُمان لم تسلم من المؤامرات السعودية على التيار الناصري، فعمدت السعودية إلى ممارسة العديد من الضغوط لينتهي الأمر بالناصريين في عمان إلى الإقامة في الإمارات العربية المتحدة وعلى رأس هؤلاء كان المناضل القومي الناصري عبدالله الطائي.. أما الكويت فقد شن الإعلام السعودي خلال الثمانينيات من القرن الماضي حملات منظمة ضد جاسم القطامي ومحمد جاسم الصقر وعبدالعزيز المساعيد وغيرهم وهكذا والقائمة تطول واعتذر للقارئ عن الإسهاب في ذلك لكنني ارتأيت توضيح بعض المؤامرات على التيار القومي الناصري في اليمن والوطن العربي.
والحقيقة أن وضع الناصريين اليمنيين لا يختلف كثيرا عن وضع اليسار اليمني من حيث الخطأ الاستراتيجي المتمثل في التموضع الراهن إلى جانب العدوان السعودي على اليمن، قد يقول قائل إنك بهذه المقالات تدافع عن الحركة الحوثية ورأيي في ذلك أنني لست عضوا في جماعة أنصار الله ولست متحوثا لكنني أرى أن هذه القوى ومن ضمنها الناصريين ارتكبت خطأ فادحا في تحالفها مع أكبر نظام ظلامي رجعي عرفته المنطقة.
كان يمكن أن نلتمس العذر للأخوة الناصريين في حالة تحالفهم مع ليبيا القذافي أو سوريا الأسد أو صدام حسين أو الجزائر كونها أنظمة قومية عربية وهناك قاسم مشترك هو القومية ووحدة الفكر والاتجاه السياسي لكن أن تتحالف الحركة الناصرية أو القيادات الناصرية مع نظام يعادي الفكرة القومية وقام بشنق وإعدام القوميين والناصريين ويتآمر على الحركة القومية واغتال البعض وحاول اغتيال رموزها الباقية، فهذا أحد أمرين: إما أن تلك القيادات التي ضحت وحوربت وأعدمت وقدمت حياتها ثمنا لانتصار الحركة الناصرية العربية كانت على خطأ ومجانبة للصواب وتستحق ما حدث لها ففي هذه الحالة كان عليها ان توضح ذلك لقواعدها وجماهيرها وأنصارها.
وفي حالة عكس ذلك كان عليها أن ترفض بشدة التحالف مع قوى العدوان بقيادة المملكة الأتوقراطية وتؤكد ذلك الرفض من خلال توضيح الجرائم التي قامت بها السعودية ضد الحركة الناصرية العربية وهنا ستخرج من المأزق السياسي الذي وقعت فيه ودخلت ضمن القوى العميلة ليس لعبدربه منصور هادي بل للدولة السعودية.
وليس صحيحا ولا من المنطق أبدا القول بأن وجود تلك القيادات في الرياض يأتي من قبيل أنهم جزء من الحكومة السابقة أو بصفتهم مستشارين لعبدربه منصور هادي، المعلوم للجميع أن موقف العضو الفرد ينسحب على الموقف العام للتنظيم السياسي والعكس هو الصحيح في ظل عدم وجود نفي لذلك الموقف والذي يجعلنا نشك في ان التنظيم السياسي يعمل بصورة عشوائية وغير منظمة.
والحقيقة هي أن الموقف الأخير للحركة الناصرية في اليمن لم يكن مواكبا لأدائه وحضوره في الملتقيات القومية للقوى السياسية العربية التي كانت تضمن بياناتها بصورة دائمة بالوقوف في وجه المشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية وهذه الأخيرة تتمثل في زعيمة العدوان: فهل كانت الحركة الناصرية في اليمن تخدع وتخادع التنظيمات القومية في الوطن العربي؟.
سؤال يمكن الإجابة عليه من خلال الدعم الذي قدمه القائد الشهيد معمر القذافي للحركة الناصرية في اليمن على مدى أربعة عقود وهو دعم مالي سخي وعندما حدثت المؤامرة على ليبيا في 2011م وقفت الحركة الناصرية إلى جانب تنظيم الإخوان المسلمين الذي استدعى حلف الناتو لضرب ليبيا وتشريد نصف شعبها إلى المنافي!!.
اعتقد ان السر في ذلك يكمن في أن القيادات الناصرية تفكر بعقلية المقاولة والمناولة وإلا ماذا يعني تحالفها مع الإقطاع القبلي ومع الأنظمة الرجعية التي نحرتها على مدى عقود؟!..
الموقف الناصري وتحالفه مع السعودية كان يمكن قراءته من خلال الموقف من ما جرى للحليف الليبي ، ومع ذلك ومن خلال رصد للعديد من القيادات التي تحولت إلى قيادات قبلية من موريتانيا مرورا بليبيا وصولا لليمن اعتقد أن المناطقية انتصرت على القومية وهذا ما حدث للحركة الناصرية في اليمن نفس عملية الاختطاف المناطقي للحزب الاشتراكي اليمني تكررت مع الحركة الناصرية في اليمن.
أسباب عدة ساهمت في ذلك أهمها وقف التربية الفكرية في إطار الحركة الناصرية اليمنية مما أفرغها من محتواها فلو استمرت التربية الفكرية العقائدية كما كان حالها في الثمانينيات لما تحولت إلى الخندق المضاد واعني به تحالفها مع الإخوان المسلمين الذين حاولوا قتل عبدالناصر في حادثة المنشية ومن ثم تحالفها مع السعودية التي حاولت قتل عبدالناصر مرتين وتحالفها مع أعداء عبدالناصر القوى القبلية التي حاربته لقرابة عقد زمني في اليمن.
إن حالة التموضع للحركة الناصرية أو لقياداتها – إذا صح التعبير – يذكرني بقول الشاعر :
غرابا تعلم مشي القطا وقد كان يدرك مشي الحجل
فأصبح من بين هذا وذا فلاذا تأتى ولاذا حصل.
*الأتوقراطية صفة الدولة التي لا تؤمن بالديمقراطية وتحكم بواسطة الفرد بدون دستور أو مؤسسات.
* رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة