آخر من يعلم
د. أحمد صالح النهمي
تصريحات عبد الملك المخلافي التي قال فيها إن حكومة هادي في الرياض لا علم لها بالاتفاق بين الوفد الوطني ممثلا في أنصار الله وبين وفد التحالف العدواني في العاصمة العمانية مسقط حول وقف العدوان على اليمن، أعادت إلى الأذهان تصريحات هادي في بداية العدوان التي قال فيها أنه لا علم له بعاصفة الحزم وشن الحرب على اليمن، وكلا التصريحين أثارا موجة واسعة من السخرية والتندر في أوساط المتابعين للملف اليمني. ولعل أطرف ما قرأت في هذا الشأن هو تشبيه الكاتب العربي الكبير عبد الباري عطوان لهادي وحكومته بــ”الزوج المخدوع الذي يكون آخر من يعلم”.
بعد مكابرة طويلة أدركت السعودية وتحالفها العدواني أن الاستمرار في العدوان على اليمن لا يعني سوى مزيد من الاستنزاف المالي وتقريب لحظات الانهيار الاقتصادي وتثوير المجتمع السعودي والخليجي ضد الأسر الحاكمة له، وبالتالي ليس أمامها سوى أن تخضع للحل السياسي الذي ظلت ترفضه منذ بداية الحرب، لهذا فقد أوعزت إلى (كيري) بأن يحمل لها سلالم النزول من شرك الشجرة التي صعدت إليها في لحظات تجمع بين غرور القوة وزهو الثراء المادي، والاستهانة بالخصم، لكن أكثر من 600 يوم من العدوان أثبتت أن اليمن عصي على الانكسار، وأن طول أمد الحرب لم يزده إلا قوة، في المجال العسكري والقدرات القتالية لا سيما بعد التساقط الدراماتيكي للقرى والمواقع السعودية في الفترة الأخيرة، وتصاعد أداء القوة الصاروخية التي حملت مفاجآت لم تكن في الحسبان بعد أن وصلت الصواريخ البالستية إلى الطائف ومطار الملك عبد العزيز بجدة، وما زالت صواريخ اليمن تتوعد بمفاجآت جديدة قد تصل إلى ما لم يتوقعه أحد.
قديما قال المتنبي العظيم:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميتٍ إيلامُ
وحديثا قال عبد الناصر الزعيم:
من لا يملك قوْته …لا يملك قراره”
وهؤلاء الذين ارتهنوا للعدوان، وداروا في فلكه، وشرعنوا العدوان على وطنهم، ومدوا ظهورهم جسورا لمجنزراته وقواته، ولم تتحرك ضمائرهم، وهم يرون طائراته تقتل أهاليهم وتقصف قبور أمهاتهم بكل صلافة، كيف لهم أن تثرروا لكرامتهم لأن دول العدوان تجاهلتهم وأبرمت حلا مع القوى الوطنية دون علمهم، وبدون أن تراعي مصالحهم؟
يا هؤلاء:
إن حديثكم اليوم عن ضرورة أن يكون الحل يمنيا ــ يمنيا أمر يثير الشفقة والسخرية في الوقت نفسه، فأين كان مثل هذا الطرح والمبعوث الأممي السابق جمال بن عمر يدور حواليكم يمنة ويسرة للتوصل إلى حل يمني يمني، وكنتم حينها تشترطون لأي حل موافقة أسيادكم في الرياض لكي توافقوا، وما زالت صدى كلمات (بن عمر) في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن يتردد صداها في سمع العالم : كان اليمنيون قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى حل نهائي عادل للمشكلة اليمنية لكن العدوان السعودي دمر كل شيء.