الجزائر كهدف لمشاريع الفوضى والتقسيم في ظل الوضع الإقليمي الصعب

بقلم: عميرة ايسر*

تَعرف الجزائر منذ سنة 2011 نوعا من الحَذر والتَّرقب في التعامل مَع المُحيط الإقليمي وحتى الدولي وذلك نتيجة اندلاع أحداث الربيع العربي وما انجرَ عَنها من عدم استقرار ضَرب دولاً لها جوار إقليمي حدودي معها ، كتونس التي رغم الاستقرَار الأمني النسبي الذي تعيشه إلاّ أن الإرهاب نجح في ضَربها بقوة عدة مرات في السنوات الستة الماضية وخَلف خَسائر بشرية ومادية معتبرة أثَرت على مكانة البلاد سياسياً واقتصادياً وسياحياً ،وعَجز القوات الأمنية التونسية في تَجفيف منابعه أو القضَاء على جيوبه نهائياً ،وخاصةً في منطقة جبال الشعانبي التي تُعتبر من أشد المناطق الجبلية وعورة وتعتبر المَنفذ الشرقي للإرهاب العابر لحُدود .
ورغم كل أنواع الدعم والمسَاندة والمُساعدة التي تلقاها الجيش التونسي من نظيره الجزائري إلا أن هُناك حسب تَقارير أمنية تُونسية مئات الإرهاَبيين التابعين لكتيبة ” عقبة بن نافع ” التابعة “لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي ” والمسئُولة منذ 10 ديسمبر 2012 على سقوط العشرات بين قَتيل وجريح منْ أفراد الأمن والشرطة والجيش التونسي كان آخرها ربما الانفجار الذي أصَاب كتيبةً من الجنود التي كانت تُمشّط مناطق واسعة منه ، حيث أدى انفجار مجموعة من الألغَام التي كانت مزروعة من طَرف المَجموعات الإجرامية والتي أدت إلى إصابة 18 جندياً منهم بجراح متفاوتة الخطورة ، وتم تصنيفه من طرف الرئيس السَّابق مَنصف المرزوقي بتاريخ 11 ابريل 2014 كمنطقة “عمليات عسكرية وأمنية محظورة “إلا على الأجهزَة والقوات الأمنية المخولة ، ورغم التَعاون التُونسي الجزائري بالاعتماد على الأقمار الاستخبَاراتية التجسّسية الروسية والتي زودتهم بصُور دقيقة عن أماكن تَسلل عناصر داعش والقاعدة إلى تونس أو الجَزائر انطلاقاً من الجارة ليبيا إلا أن وجودهم رغم الاستهداف المركز لهم بسلاح الطيران والمدفعية الثقيلة لا يزال حاضرا ومؤثراً.وبانتقال إلى الجارة ليبيا والتي تُعتبر البوابةَ الشرقيةَ الجنوبيةَ لمجموعات الإرهاب التي حاولت التسللَ عدة مَرات إلا العُمق الجزائري من أجل تنفيذ عمليات نوعية و إحداث أكبر حَجم من الدمار في هياكل ومؤسسات الدولة، أو القيام باستهداف المنشآت العسكرية والطاقية الحيوية .
وعملية تيقنتورين التي كانت تستهدف شلّ توريد الغاز الجزائري إلى اسبانيا بالكامل، والتي نجحت القوات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات الجزائرية المسماة وقتها (بالجيس) في إفشالها وتَحرير جميع الرهائن الأجانب التي كانت تُعول الجماعات الإرهابية على أخذهم كرهائن لمبادلتهم بقادة التنظيمات الإرهابية المعتقلين في السجُون الجزائرية ،الجماعات الإرهابية وقتها والتي تَعدى عدد عناصرهَا 100فرد مُسلح استطاعوا السيطرة على مركز طاقوى حيوي غازي واعتقال 900عامل من بينهم 130أجنبياً ،وكانت العمليات الإرهابية بقيادة كل من عبد الرحمن النيجري ولمين بن شنب .
ونفذ الجيش بقيادة قائد الناحية العسكرية الرابعة بتاريخ 16-17 في 2013عملية خاطفة أدت إلى تحرير عدد كبير من الرهائن مع سُقوط العَشرات منهم قتلى وجَرحى بسبب طبيعة العملية وعَمد العناصر الاجرامية “داعش والقاعدة “إلى تفخيخ جُثث عدد منهم ومن ثم تفجيرهَا. -فالإستراتيجية العسكرية والأمنيَة التي أقرها “المجلس الأعلى للأمن” في التعامل مع مُختلف التَحديات الأمنية والإرهابية هي الردُّ بقوة وبحزم وعدم الاستسلام لرغبات الخاطفين من المجموعات الإرهابية التي أصبحَت العدو الأول الذي يهدد وحدة البلاد وسلامة أراضيها.
وربُما هذا يفسر تَزايد الميزانية المُخصصَة للدفاع إذ بلغت أرقاما فلكية وصَلت حسب تقرير “معهد ستوكهولم لأبحاث السلام” إلى 13مليار دولار العام الماضي وهو ما يفوق ميزانيات الدفاع في دول عربية مجتمعة في سنة 2013 وهي كل من مصر وتونس والمغرب وهي أكبر بحوالي 13 مرة من ميزانية الدفاع منذ 25 سنة وحوالي 6 مرات من ميزانية الدفاع لسنة 2008-2009،
وهذا الإرتفاع الكبير في حجم الأموال المُخصصة لتطوير القطاع الأمني العسكري وعصرنته وتَغيير العقيدة القتالية للجيش الوطني الشعبي من جيش يقوم على التجنيد الإجباري الإلزامي إلى جيش احترافي مُدرب على أعلى مُستوى ويخضَع ضباطه إلى دورات تَكوينية في الكليات والمعاهد العسكرية الأجنبية .
وتعتبر روسيا إلى جانب أنها الحليف الاستراتيجي الأول للجزائر في مجال الأمن والدفاع إذ تزودهَا بحوالي 50-60 بالمائة من احتياجاتها التَسليحية وآخر صفقة ربما تم عَقدها بين وزارة الدفاع الروسية ونَظيرتها الجزائرية تمثلت في تزويد الجيش الجزائري بحوالي 28 مدرعة متطورة ذات أنظمة تكنولوجية معقدة ، فالتعاون الروسي الجزائري الحَيوي الذي يَشمل إلى جانب بيع الأسلحة المتطورة والحديثة إلى الجزائر ومنها طائرات ميغ 35 وحوامات مي 28 ذات الرؤية الليلية وأنَظمة الاستشعار عن بعد ، وبطاريات عربات البانستر والصواريخ الإستراتيجية من نوع أس 300- اس400 التى تَجعل المجال الجَوي الجزائري مُغطى بالكامل أمنيا وإمكانية تدمير أي جسم غَريب على بُعد أكثر من 600 كلم ، فإن الضُباط الروس يقومُون بتدريب الكوادر الاستخباراتية والأمنية الجَزائرية وتزويدهم بأهَم المعلومات والمَناهج الدراسية المتقدمة في المجالات العسكرية والأمنية وحتى الخاصة بالتكنولوجيات العسكرية المُتطورة.
ولا نَنسى بأن الحُدود الجنوبية مع الجزائر باتت مشتعلة منذ الحرب الفرنسية على مالي وتَحول دول لها حدود جغرافية ، كالتشاد ومالي والنيجر إلى بُؤر لنشاط العناصر الاجرامية “داعش والقاعدة ” التي باتت تُحاول ضرب المنشآت الطاقية الجزائرية باعتبار أن الجزائر دولة تعتمدُ في أكثر من 95 بالمئة من مداخليها على البترُول وتَحتل المرتبة 12 عالميًا في إنتاجه وتصديره ، فالتواجد الفرنسي على الأراضي المَالية ومَنطقة باماكو أعطى لهذه الجماعَات المُرتبطة بحركة الازواد الانفصالية في شمال مالي و المجرم “مُختار بالمختار” أمير “كتيبة الملثمين” في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وكذلك أمير “منطقة الصحراء” في “تنظيم داعش وما يسمى بجماعة الدعوة والقتال” وأيضاً “مًؤسس كتيبة الموقّعون بالدم ” التي نفت في بيَان لها مقتل زعيمها وتفنيد مزاعم القوات التشادية التي ادعت أنها تمكنت منْ قتله في جبال افوغَاس رفقة 28 مقاتلاً وذلك بتاريخ 2 مارس 2013.
فكل هذه المجموعات الإجرامية التي تهدد الحدود الإقليمية الجزائرية على طول الحدود الشرقية والجنوبية الغربية وخطر داعش الذي باتَ يحتل مناطق واسعةً في ليبيا وغيرها ووصل نفوذه وتأثيره حتى منطقة الساحل الإفريقي ، وإعلان “بَاكو حَرام” في نيجيريا بأنها تتبع له وتسانده وقامت بمبايعة البغدادي زعيمه خليفة عاما لهم وأكدت استعدادها للمشاركة إلى جانبه في أي عمليات يخطط لها من أجل ضرب نيجريا أو أي من الدول المغاربية أو الصحراوية التي تستطيع الوصول إليها.
هذه التنظيمات الإجرامية التي تمول من طرف دول عربية خليجية وأجنبية بهدف زرع الفتنة وحالة العنف والجريمة في الجزائر من أجل تحويلهاَ إلى دولة فاشلة تمهيداً لتقسيمهَا كما هو مُخطط لذلك مسبقا ودعم “حركة ألمَاك الانفصَالية ” في منطقة القبائل والتي ليس لها وُجود إلا في وسائل الإعلام الغَربية كفرانس 24 وغيرها ، والتي لا تمتلك أي دعم أو مساندة شعبية أو مناطقية ولها علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني والمُوساد الإسرَائيلي والتي أكد زَعيمها فرحات مهني بأنه مُستعد في حال اندلاع إحداث شغب وتمرد أو ثورة شعبية في الجزائر طبعا ستكون على غرار بعض الثورات العربية التي استفاد منها الاخوان والوهابية بدرجة كبيرة – ضمن تحالفاتهم مع المشروع الامريكي – التي صنعت في مخابر أجهزة المخابرات البريطانية والأمريكية ، أنْ يُعلن انفصال منطقة القبائل وإقامة علاقات دائمة وطبيعية مع الكيان الصهيوني رَغم علمه المُسبق بمدى مقت وكره الجزائريين لدولة الاحتلال الصهيوني وعشقهم الجنوني لفلسطين المحتلة.
وأمام هذه الأوضاع والتحديات الأمنية الصعبة التي تهدد الأمن القومي الجزائري وازدياد نشاطات جَماعات التهريب وتجارة المخدرات والسلاح وخاصة على الحدود المغربية ، فإنه بات لزاماً على صناع القرار الأمني والسياسي وضع خطط إستراتيجية أمنية واقتصادية بالدرجة الأولى وسياسية من أجل مواجهة هذه التحديات الكبرى في ظل مشهد عَربي وإقليمي متوتر وغير مستقر.
– والمُحاولات الغربية والأمريكية لاستفزاز الجزائر إعلاميا وحتى سياسيا من خلال التدخل في الشؤون الوطنية باتت مكشوفة لكل مراقب للأوضاع عن كثب ، وهذا مخالف لكل الشرائع والاتفاقيات الأممية والدولية ، فالدولة الراعية الأولى للإرهاب العالمي والتي تساند قتل أطفال العراق وفلسطين وسوريا وليبيا ، والتي لها تاريخ أسود في ذبح البشر وإبادتهم يكفي الإشارة إلى أنها أبَادت حوالي 1 مليار منَ “الانكا لاكانا ” أو سكان أمريكا الأصليين ، هذه الدولة التي تدعى أنها تراقب الحُريات الدينية في العالم وذلك انطلاقا من العقيدة الإسترَاتيجية لوزارة الخارجية الأمريكية وأمنها القومي ، قامت بإصدار تقرير يمكن وصفه بالكاذب والمضلل .حول الحريات الدينية في الجزائر أصدره نائب وزير الخارجية الأمريكي انتونى بلكين 2015 حيث تم وصف الجزائريين بأنهم معادون للسامية رغم أن حرية المعتقد هي جزء لا يتجزأ من الدستور والعقيدة الإسلامية السَمحة ، فالسياسة الخارجية القوميَة الجزائرية المدعومَة شعبياً والتي تَعتبرُ دولة الكيان الصهيوني من ألد أعدائها المحتلين لأراضي عربية مُغتصبة ، وبالتالي تعادى سياساتها الإجرامية الاستيطانيَة تُعتبر في نظر الأمريكان عنصرية.
ويعتبر الكثير من المحللين الأمنيين أمثال الدكتور “رياض صيداوي” “مُؤسس المركز العربي للأبحاث والنشر” أن الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة مخابرات غربية يراهنون على محاولة إحداث شرخ ديني أو مذهبي أو عشائري ، بين مكونات الشعب الجزائري المختلفة والذي يدين 99 بالمائة من أبناءها بالإسلام إلى جانب أقليات مسيحية ويهودية صغيرة ، ويستخدمون لذلك وسائل الإعلام من أجل إظهار الأحداث والاضطرابات الأمنية التي قد تحدث نتيجة صرَاعات قبَلية أو عشائرية تعتبر عادية وطبيعية في المجمل للتحريض على الجزائر ومحاولة ضرب أمنهَا وتَماسكها الاجتماعي والديني .
والنقطة الأخُرى التي يجب التَنويه لها أنَ الأزمة الاقتصَادية التي تعيشهَا الجزائر بسبب انخفَاض أسعار النفط الدولي والتي تُهدد خزينة الدولة بالإفلاس في السنوات القليلة القادمة إن لم يتم إيجاد حلول سريعة لها تُعتبر من أهم القنابل الموقوتة و قد تنفجر الاوضَاع الداخلية نتيجة ذلك في أي لحظة لا قدر الله ، وتحول البلاد إلى بركان هادر لأن الدولة ربما قد تكون نجحت أمنيا وإلى حد كبير في تجنيب البلاد مصير ليبيا أو سوريا ، ولكنها اخفقت نسبياً في إحداث تنمية ونهضة اقتصادية وتَنموية حقيقية شَاملة ، تُحافظ على أمن واستقرار البلاد لعقود قادمة فعلى الجَميع الانتباه إلى هذا الخَطر المُحدق بالسياَسة الإستراتيجية الأمنيَة العُليا لدولة الجزائرية.
*كاتب جزائري

قد يعجبك ايضا