احمد الطيار
كشفت وثائق وإحصاءات رسمية عن أن الأمن الغذائي في اليمن يتعرض لتدهور مستمر بسبب تصاعد الصراع وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض قوة العملة المحلية بالرغم من ارتفاع معدل هطول الأمطار عن المتوسط في جميع المحافظات والذي يعطي الأمل في إمكانية ازدياد الإنتاجية الزراعية.
وأوضحت أحدث البيانات الصادرة عن مشروع نظم معلومات الأمن الغذائي المنفذ في اليمن من الفاو بتمويل الاتحاد الأوربي وبشراكة وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن الأمن الغذائي يزداد سوءاً في الوقت الحالي منذ أن تم تنفيذ التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في يونيو 2016م والذي اظهر أن أكثر من نصف السكان 51 % (14 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي أما في مرحلة الأزمة (المرحلة الثالثة )و في مرحلة الطوارئ (المرحلة الرابعة ).
وتقول الوثائق: إن الوضع الاقتصادي في اليمن مقلق ويتطلب اهتماما عاجلا لمعالجة انهيار الريال اليمني المستمر مقابل الدولار الأمريكي ويتطلب ذلك تعزيز بيئة مواتية لانعاش الواردات من السلع الغذائية الأساسية والضرورية وتيسير أعمال التصدير للأسماك والفواكه والخضروات والمساعدة في حل إشكاليات سبل المعيشة المفقودة.
وتشير الوثاق إلى أن الاضاع الحالية التي تمر بها البلاد تزيد من سوء وضع الأمن الغذائي بسبب التدهور الاقتصادي ،وتضاؤل فرص العمل ،وانخفاض سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي في الأشهر الأربعة الماضية ،حيث وصل سعر صرف الريال من 250 ريالا للدولار إلى 300 ريال يمني للدولار الواحد في السوق الموازية.
بالرغم من ارتفاع معدل هطول الأمطار عن المتوسط بحسب تقارير من جميع المحافظات تقريبا منذ يونيو 2016م إلا أن التوقعات بزيادة الإنتاج ليست كما هو مؤمل بسبب تصاعد الصراعات في أغسطس 2016م والتي أثرت على مساحات زراعة الذرة في تعز وصعدة وريف صنعاء.
من المتوقع أن يكون الحصاد الزراعي للعام 2016م نفس تقديرات عام 2015م من الحبوب والذي كان مقارنة بالعام 2012م والذي كان عاما جيدا قد انخفض بنسبة 50%. وبصورة مشابهة عند المقارنة بإنتاج عام 2014م انخفضت بنسبة 30-35% .
يحتاج حوالي 3 ملايين شخص 74 % منهم أطفال دون سن الخامسة ،و26% نساء حوامل ومرضعات )إلى مساعدات تغذوية إنسانية ،ويعاني مايقارب من 1.3 مليون طفل من سوء تغذية حاد.
وفيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية المستوردة كالقمح ودقيق القمح والسكر والرز توضح الاحصاءات أنها بقيت مستقرة ،إلا أنها لازالت مرتفعة على مستويات ماقبل الأزمة بنسبة 25.7 %،21.6 %،46.2 %،48.4 % على التوالي .
أما الاتجاهات السعرية فهي متشابهة بالنسبة للسلع الغذائية المنتجة محليا – الذرة الرفيعة ،والدخن ،والذرة الشامية ،والشعير حيث أن أسعار سبتمبر اعلى من أسعار ما قبل الأزمة بنسب 58.2 % ،51.7 % ،63.8 %،69،2 % على التوالي.
وتعد اليمن إحدى البلدان الاستراتيجية في منطقة شبه الجزيرة العربية ،حيث تطل على مضيق باب المندب ،ولها إمكانيات اقتصادية كبيرة نظرا للجحم الكبير للقوى العاملة فيها ،وطول منطقة الشريط الساحلي الغني بالثورة السمكية والموارد الزراعية والفرص الاقتصادية المتنوعة . ومع ذلك بالرغم من كل هذه الإمكانيات والفرص إلا أنه أحد أفقر البلدان وأكثرها ضعفا في المنطقة .فالبلد غارق في وضع من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والفقر المزمن وانتشار البطالة والنزوح وفقدان سبل المعيشة.
ويعمل الصراع الدائر في اليمن على تفاقم السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي يعاني في الأساس مؤثرا على مجمل الوضع الاقتصادي والمعيشي ومؤثرا سلبا على القطاع الزراعي وغيره من سبل المعيشة غير الزراعية الأمر الذي ينتج عنه إطالة وضع انعدام الأمن الغذائي وتدهوره المستمر .
وقد أشارت نتائج التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في يونيو 2016م إلى أن وضع الأمن الغذائي والتغذية يتعرض لتدهور مستمر وتتمثل العوامل الرئيسية المساهمة في انعدام الأمن الغذائي في البلد في النزوح لناتج عن الصراع ،وتعطيل الإنتاج المعتمد على المحاصيل والإنتاج الحيواني ،وارتفاع أسعار الأغذية الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية للريال اليمني مقابل الدولار ،وانعدام فرص العمل ومصادر الدخل .
ويعاني ما يقدر عدده بحوالي 14 مليونا و119 الف شخص من انعدام الأمن الغذائي أو عدم كفاية الغذاء للأكل (1.7 مليون في مرحلة الأزمة ) و(7 ملايين في مرحلة الطوارئ ) وذلك يعادل 51% من السكان في اليمن بزيادة 9.4 % على نتائج التصنيف الرحل المتكامل للأمن الغذائي لشهر يونيو 2015م .
وإضافة إلى ذلك يفتقد حوالي 19.4 مليون شخص لإمكانية الحصول على مياه نظيفة وخدمة صرف صحي ويعيش 14.1 مليون بدون خدمات رعاية صحية ملائمة وذلك وفقا لخطة الاستجابة الإنسانية للعام 2016م والصادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة .
ووفقا لمجموعة التغذية الخاصة باليمن يحتاج حوالي 3 ملايين شخص لمساعدات تغذية عاجلة حيث إن حوالي 2.1 مليون شخص يعانون حاليا من سوء تغذية ، من بينهم 1.5 مليون طفل وحوالي 370 الفاً منهم يعانون من سوء التغذية الحاد ،ويمثل ذلك ارتفاعا بنسبة 65 % في عدد الأشخاص المحتاجين منذ أواخر عام 2014م وفيما يخص الاستيراد فإن اليمن واحد من أكثر الدول اعتمادا على استيراد المواد الغذائية في العالم حيث أن حوالي 55 % من المنتجات الغذائية المستهلكة في اليمن مستوردة كما أن 90 % من القمح ومنتجاته التي يتم استهلاكها تؤمن عن طريق الاستيراد.
من ناحية أخرى فإن الإنتاج المحلي والذي يغطي 30-35% من الغذاء المستهلك في اليمن يواجه العديد من المتحديات أهمها شحة وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية والعمالة الزراعية ونفقات الآلات وإضافة إلى إمكانية الوصول للأراضي التي تعقدت بسبب الوضع الأمني الحالي .
بالرغم من أن اليمن استقبل في العام 2016م معدل سقوط أمتار مرتفع عن المستوى في جميع مناطق الإنتاج الزراعي (المرتفعات الوسطى والمناطق الساحلية والمرتفعات الجنوبية إلا أن تحدي التغلب على انعدام الأمن الغذائي يكمن في الصراع الدائر الذي طال أمده وتسبب في تقليص البيئة التي تمكن المزارعين من فلاحة الأرض وتأمين المدخلات الزراعية في الوقت المناسب .
كما أن الآثار المضاعفة لعمليات النزوح الداخلي ،والهجرة الخارجية ،وانحسار خيارات سبل العيشة لليمنيين من المناطق الحضرية والريفية قد أعاق عمليا القطاع الزراعي والذي يعتبر القطاع الاقتصادي الرئيسي لأكثر من 50 % من السكان أو القوة العاملة في الريف .
وقد أدى الجمود السياسي الذي اتبع انهيار مشاورات الكويت في أغسطس 2016م إلى تصعيد الصراع ،وهذا يزيد من احتمالية حدوث انهيار أكثر مما هو عليه ،إضافة إلى ذلك فإن دمار البنية التحتية العامة والخاصة وفقدان سبل المعيشة وانهيار الريال اليمني مقابل الدولار والحظر على الاستيراد وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية قد أوصل أسرا إلى وضع زادت فيه صعوبة الحصول على الغذاء الأمر الذي نتجت عنه احتياجات ملحة في جانب الأمن الغذائي.
ويوصي التقرير بتضافر جهود الجميع في الداخل والخارج من أجل معالجة الوضع الإنساني عموما وانعدام الأمن الغذائي والتهور في كليهما، ويحذر من تفاقم الصراع سيؤدي إلى تفاقم خطير في الوضع الغذائي للسكان الواقعين في أزمة المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وحالة الطوارئ 4 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في مناطق نشاط الصراع في تعز وصعدة وحجة والجوف وشبوة.
ومن أجل انقاذ الحياة هناك حاجة عاجلة لتقديم الغذاء والمساعدات النقدية لإنقاذ الحياة بما يناسب الأشخاص المحتاجين مع إعطاء الألوية للأكثر احتياجا والمصابين بسوء التغذية من الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل والمرضعات .
كما يطالب التقرير بأن تركز الجهات الإنسانية والحكومية برامجها لحالة الطوارئ تجاه الصمود والتعافي المستدام لسبل المعيشة وخاصة في المجتمعات المعتمدة على الزراعة وصيد الأسماك وكل ذلك من اجل استعادة سبل الحياة.
مؤكدة انه مع استمرارية الصراع والتحديات التي ترافق استيراد المدخلات والخدمات إضافة لتكلفة الوقود المرتفعة والنقل حيث تمثل تحديا لجميع القطاعات وتسبب في استمرار زيادة أسعار المنتجات الأساسية في السوق المحلي.