مشاهد من مجزرة القاعة الكبرى

سارة عبدالغفور المقطري
لم تكن صور الاشلاء وبقايا الاجساد المحترقة أولى المشاهد التي حضرت في ذاكرة اليمنيين يوم مجزرة القاعة الكبرى.
تلك الذاكرة مليئة بكل تفاصيل الألم التي قررت السعودية ومن معها من قوى التحالف التكفل “بتحديثه” كلما أقدمت الذاكرة على ارتكاب جريمة النسيان.
لم تكن تلك المشاهد قادرة على قتل ما تبقى من إنسانية في ضمائر البعض لكنها تركت حقدا كبيرا ووجعا سينعكس على كل تفاصيل الميدان العسكري.
مشاهد في تلك الجريمة حضرت و أثخنت الذاكرة بحضورها:
شاب في مقتبل العمر يخرج من بين ركام المبنى المقصوف .. يئن بكل قهر ووجع وجوارحه تبكي من فقدانه عزيزا.. كانت (الآه) تعلو كل ضجيج المكان المتواجد فيه… لم تستجب له سوى كاميرا إحدى القنوات لتسمع وجعه إلى الملايين لكنها من الصعب أن تنقل وجع الرجال.
(الرجال لا تبكي) هكذا يقولون أو هكذا تقول العادة.. لكنه لم يكن يدرك أنه يبكي، فقط إيصاله لوالده إلى القاعة قبل الجريمة وفقدانه والداه بعد دقائق من وصوله هو ما أدركه ربما في تلك اللحظة.
مشهد آخر
من منا لا يحب الصور، من منا لا ينتظر أن يأتي إليه المصور لالتقاط صورة كي يضعها للذكرى.. أحدهم لم يعتقد أن صورته ستصبح منتشرة بذاك الشكل بعد الجريمة رافع رأسه .. ينظر بعينين متفحمتين .. وجسد محترق، صرخته لم تصل سقف الصالة حتى تلاشت لكن عدسة المصور بحثت عنه بين ركام الأشلاء لتصوره وتمنحه حقه بال (آه).
هل تراه راضيا عن الصورة؟ ولما لا راسه مرفوع شامخ، جسده مغطى بالعزة والكرامة، عاري عن لباس الذل والهوان، دخان جسدة سيختنق به كل متكبر وحاقد.
مشهد ثالث:
يد محترقة.. لم يتبق منها سوى خاتم في إحدى الأصابع هل ستتعرف الأم على أبنها من تلك الأصبع المحترقة؟ هل ستستطيع الزوجة ادراك زوجها من ذاك الخاتم؟
هل سيدفن الخاتم أم الأصبع وهما ما تبقى من ذاك الجسد ماذا سيقُبل الأطفال وهم من اعتادوا على تقبيل يد والدهم كل يوم، هل سيحتفظون بالأصبع لتقبيلها أم سيكتفون بتقبيل الخاتم؟
هل كان ذاك الخاتم لزيدي أم شافعي، مسؤول أم موظف، شاقي أم رجل أعمال، عسكري أم سياسي، حوثي أم مؤتمري أم اصلاحي أم ناصري أم اشتراكي تعزي أم صنعاني أم عدني أم ذماري.
لم يكن أي منهم بل كان جميعهم كانت أصبع يمني كانت يد بشر كان جسد إنسان بعيدا عن كل تلك التصنيفات التي حاول الحاقد إدراجها في نسقنا المجتمعي ليبرر حقده الخبيث والشيطاني.
منذ زمن نساء اليمن يستقبلن الشهداء
نساء اليمن يودعن كل يوم أفراد أسرهن مدركن أنهم قد يغادروا دون عودة نساء اليمن أدركن منذ زمن من الحزن سيطرق بيوتهن وأن هذه الحرب الشعواء التي تقودها السعودية ستترك شهيدا في كل بيت تترك وجع على كل دم يسفك على أرض هذا الوطن ولكل زوجة وأم واخت وأبنة شهيد قد قضى وستتحول كل بيوتا إلى مجالس عزاء.
أخيرا
كل ما تقوم به قوى العدوان هو مسلسل تنتجه السعودية وتكتب مشاهده بدقة عالية وربما كان المشهد ما قبل الأخير هو “حفلة شواء” في الصالة الكبرى على شرف الأمم المتحدة التي غادر أمين عامها القلق لتستبدله المنظمة بـ”قلق” جديد لكن اليمنيين هم من سيكتبون المشهد الأخير بشكل أكثر دقة.
السلام على أرواح شهدانا الأبرار.

قد يعجبك ايضا