لماذا توحي أمريكا بالتخلي عن السعودية في اليمن؟؟
احمد شعيتو
منذ أغسطس الماضي بدأنا نلاحظ مواقف أمريكية وتقارير على وكالات ومواقع غربية عالمية مثل “رويترز” و “سي ان ان” تشير إلى تراجع الدعم الأمريكي للسعودية في “حرب اليمن” أو تقارير عن سحب أمريكا عسكرييها من خلية استشارية في السعودية وما شابه ذلك..
بعد مجزرة صنعاء منذ أيام لوحظ تكثف للموقف الأمريكي المتنصل والذي يُبدي استياءً أمريكيا من التحالف الذي تقوده السعودية، وجاء قول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض بعد المجزرة إن “التعاون الأمني للولايات المتحدة مع السعودية ليس شيكا على بياض. وفي ضوء هذه الحادثة وغيرها من الحوادث الأخيرة، شرعنا في مراجعة فورية لدعمنا” ليوحي بموقف أمريكي متقدم في هذا الخصوص.
ظهرت في الإعلام الأمريكي أيضا مواقف أمريكية منتقدة للسعودية مجددا وورد في صحف أمريكية جو من الاستياء الأمريكي مثل ذلك الذي جاء في “واشنطن بوست” نقلا عن مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية: “هل على الحليف أن يعطيكم شيكا على بياض لكل ما تفعلونه في الحرب؟”
محاولات التملص ومزاعم الاستياء تأتي رغم أن الوقائع تشير لاستمرار تغطية العدوان -الذي ينفذ بأسلحة وطائرات أمريكية- وتنفيذ اتفاقات بمليارات الدولارات من صفقات أسلحة للسعودية آخرها وُقّع منذ فترة قصيرة . تستمر محاولة التعمية على الحقيقة، تلك الحقيقة التي تقول أن الأمريكي هو الداعم الأول للعدوان ومستمر في هذا الدعم وتغطية الجرائم ومن المؤكد أيضا انه غير مبال بالدم اليمني ولم يتحرك لديه “الحس الإنساني” بعد المجازر.
والأمريكي هو منذ فترة حاول الايحاء بلعب دور “الوسيط” في الأزمة للتوصل لحل سلمي عبر وزير خارجيته كيري وقد اكد اليمنيون أن كيري لا يمكن أن يكون وسيطا فالأمريكي ليس وسيط سلام بل طرف.
ورغم كل ذلك فالمنظمات الدولية لا تأخذ الكلام الأمريكي جديا، وفي مقال لإحدى باحثات “هيومن رايتس ووتش” تحت عنوان “على الولايات المتحدة الكف عن اختلاق الأعذار لانتهاكات السعودية في اليمن” تقول ” لا يبدو على الإدارة الأميركية أنها ستحاول كبح حليفتها السعودية”.
يذكر المقال أن “الولايات المتحدة تدعم الحملة العسكرية بقيادة السعودية بتزويد الطائرات بالوقود جوا والمساعدة في تحديد الأهداف، دون انتقاد السعودية وحلفائها لقصف المدنيين بشكل متكرر وغير قانوني، وارتكاب ما يبدو أنها جرائم حرب. طبيعة هذا الدعم تجعل الولايات المتحدة طرفا في النزاع المسلح، وربما مسؤولة عن ضربات غير قانونية، كما تستمر الولايات المتحدة في بيع الأسلحة للسعودية – ما يزيد عن 20 مليار دولار من الدعم العسكري والأسلحة في 2015 – رغم اعترافها المتزايد بأن الأسلحة قد تستخدم بشكل غير قانوني”.
إذا ورغم ما سيق من تحليلات أن السعودية تلعب ادوارا منفردة في المنطقة أو اليمن وتخرج عن التنسيق مع أمريكا منذ استيائها من توقيع الاتفاق النووي أو القول ان جاستا كان تعبيرا عن الانفصال بين الدولتين، لكن في الساحة اليمنية أظهرت الوقائع حتى فترة غير بعيدة حجم المساعدات وصفقات الأسلحة. وهذا ما ظهر على الملأ، أما ما تحت الطاولة فتتحدث عنه تقارير عديدة حول الدور الأمريكي في مساندة تحالف العدوان لوجستيا ومخابراتيا ولأهداف ليست سعودية بحتة بل أمريكية أيضا في اليمن والمنطقة ويأتي التملص اليوم مشابها لقانون جاستا حيث تنفذ السعودية ادوارا لصالح أمريكا ثم تتملص منها أمريكا إعلاميا أو تصدر قوانين ضدها مثل جاستا .
لذا السؤال هنا لماذا ابداء الاستياء ولماذا التملص إعلاميا من السعودية رغم استمرار الدعم ورغم أن أحدا لا يصدق أن أمريكا تريد كبح جماح السعودية في اليمن حرصا على اليمنيين وهي التي لم تكبحها لسنة ونصف ذبح فيها عشرات آلاف اليمنيين وحوصر البلد بحرا وبرا وجوا؟
عندما يخرج كلام أمريكي يوحي بسحب التغطية عن السعودية في اليمن فليس ذلك نتيجة شعور أمريكا الإنساني جراء اقترافات السعودية واقترافاتها هي في اليمن ومساندتها العدوان، فأمريكا أصل الإرهاب في العالم وأصل الاحتلالات في المنطقة والداعم التاريخي للكيان الصهيوني المجرم لن يصدق احد انها مستاءة من مجزرة صنعاء!
يمكن تفسير الموقف الاميركي بما يلي:
1- استياء من عدم نجاح التحالف بقيادة الرياض في اليمن في تحقيق أهدافه المرسومة رغم كل هذا الوقت والدعم وضغط على الرياض لدفعها نحو أداء “أفضل” يحقق أهداف العدوان.
2- تخوف من عواقب قانونية تطال أمريكا: وهنا يمكن أن نشير إلى تقرير لرويترز اليوم تحت عنوان مخاوف أميركية من العواقب القانونية للقصف السعودي في اليمن، يظهر أن وثائق حكومية وروايات مسؤولين حاليين وسابقين اظهرت أن إدارة أوباما نفذت صفقة بيع أسلحة قيمتها 1.3 مليار دولار للسعودية العام الماضي رغم تحذيرات من بعض المسؤولين من إمكانية توريط الولايات المتحدة في جرائم حرب بدعم حملة القصف الجوي التي تقودها السعودية في اليمن وسقط فيها آلاف القتلى من المدنيين.
وينقل التقرير عن أربعة مسؤولين حاليين وسابقين إن خبراء القانون بالحكومة الأمريكية لم يتوصلوا بعد لرأي نهائي بشأن ما إذا كان الدعم الأمريكي للحملة الجوية يجعل الولايات المتحدة شريكا في الحرب بمقتضى القانون الدولي.
ويقول : إذا استقر الرأي على هذا الأمر فسيلزم ذلك واشنطن بالتحقيق في الاتهامات الخاصة بارتكاب جرائم حرب في اليمن ولأثار ذلك خطرا قانونيا يتمثل في إمكانية مقاضاة بعض رجال الجيش الأمريكي من الناحية النظرية على الأقل. ويذكّر التقرير أن الهجوم السعودي الأخير في صنعاء “دى إلى أعنف رد لفظي من واشنطن حتى الآن إذ قالت أنها ستراجع دعمها للحملة في اليمن”.
هذا التقرير يؤشر إلى أن واشنطن رغم محاولة اظهار استياء في الإعلام من الحملات الجوية السعودية لكن تستمر في دعمها ويُظهر من جانب آخر أن ابداء هذا الاستياء هو شكل من اشكال الدفاع المسبق بوجه أي عواقب قانونية قد تطال الجيش الأمريكي والإدارة الأمريكية جراء دعمهم للعدوان السعودي.
3- إبداء الامتعاض بشكل مكثف في الآونة الأخيرة احد أهدافه أيضا التمهيد لأي خطوات تراجعية وتسوية في اليمن في ظل الفشل المتكرر لتحالف العدوان.
*نقلا عن موقع المنار