نعم .. معي خمسين
إبراهيم الحكيم
#معك- خمسين؟
نعم معي خمسين ريالا، وخمسة لترات دم بجسدي، وخمسين عاما من عمري وأولادي، وخمسين سببا لأبذله وكل ثمين أملكه .. عن طيب خاطر لكي أعيش حرا لا ذليلا لدول وصاية وهيمنة، معتدية باغية على وطني، تريدني لها تابعا خاضعا مستكينا!.
لم يعد الأمر خافيا، صار علنيا واضحا .. دول تشكل تحالفا ضد اليمن، تريد خضوعه أبدا لوصايتها والخنوع دوما لإرادتها .. لا يعنيها أمنه أو استقراره، لا تريد له نهضة أو ازدهارا أو دولة موحدة تامة السيادة،مستقلة الإرادة وحرة الإدارة، ناهضة ومكتفية بذاتها.
دول طامعة بموقع وطني الجغرافي المتحكم بخطوط تجارة العالم وبثرواته الظاهرة والكامنة .. تدرك أن استقراره ووحدة صفوف شعبه وأيديهم وكلمتهم تعني قوته ومنعته ونهضته وازدهاره واستقلاله وتحرره من ذل الحاجة وهوان التبعية ومهانة الوصاية.
متى سأقف مع وطني إن لم اقف معه ضد دول حاقدة تسعى علنا لوأد ذلك وتفتيت مواطن قوة اليمن وتحويلها مكامن ضعف دائمة بدعمها المالي والسياسي والعسكري أدوات عميلة خائنة مهمتها تفخيخه بالفتن وتمزيق نسيجه المجتمعي الوطني الموحد.
أي شرف لي في خذل وطني بمواجهة دول باغية معتدية تريد علنا تقاسم النفوذ في اليمن وتسير به نحو تقسيم كيانه إلى دويلات صغيرة ضعيفة، عاجزة متناحرة، تابعة خاضعة، بدعاوى باطلة: مناطقية ومذهبية وطائفية، تروج لها زورا وتزرعها في جسده قسرا.
لا شبهة في الأمر مطلقا .. بلادي تواجه تحالف عدوان اقليمي دولي يشن حربا قذرة عسكرية وإعلامية واقتصادية، والأخيرة يستخدم فيها وسائل عدة: الحصار البري والجوي والبحري، وتدمير مقدرات وطني الاقتصادية كافة، وسحب عملته الوطنية.
كل هذا يجري علنا وينفي كل شك أو تمحك سياسي، ودعوة اليمنيين إلى دعم اقتصاد وطنهم ورفد بنكهم المركزي بسيولة النقد ليس بدعة جديدة تستدعي السخرية كما أن تبرع المواطنين لخزينتهم ليس جديدا ولا باعث تندر أو خزي أو عار، حدث ويحدث عالميا.
حدث هذا مئات المرات عبر التاريخ، فحدث مثلا في ألمانيا إبان الحرب العالمية الأولى، تبرع الشعب بمجوهراته لتمويل مشاريع الدفاع تحت شعار “أعط الذهب للحديد”.. وحدث قبل ذلك بروسيا (القرن 18) لدعم حرب التحرر من فرنسا نابليون الامبريالية.
حدث أيضا في ماليزيا .. في تايلاند .. في كوريا إثر الأزمة المالية الآسيوية 1997 جراء انخفاض سعر العملات الوطنية وسحب رؤوس الأموال الغربية وانهيار سوق البورصة والشركات والبنوك والارتهان لقروض البنك الدولي واملاءاته تحت نفوذ أميركا والغرب، تبرعت الشعوب لبنوكها كي لا تخضع أو تذل.
كذلك اليابان، مولت عجزها يتحويل الديون لمواطنيها وسيطرت على عملتها الوطنية ..
نجدة الشعوب الحية أوطانها ودعم دولها في محنها ليس حالة غربية أو اجنبية فقط، وحدث عربيا في مصر جمال عبد الناصر في 1955 بعد العدوان الثلاثي، وحدث أيضا في مصر السيسي 2014م، باطلاقه حساب تبرع “تحيا مصر” بنكيا من دون عدوان.
حتى في أغنى ممالك العالم نفطا وثروة وبنوكا جارة السوء ومملكة الشر السعودية، حدث أيضا .. ودعا مفتيها ورئيس هيئة كبار مشايخها آل شيخ سكان المملكة إلى “التبرع للجيش” .. وقريبا سيتكرر هذا الطلب مرارا لسداد التزامات الحروب التي تشنها المملكة وتعويض ضحاياها وجرائمها الإرهابية !!.
نعم .. هذا الواقع، لكن المستغربين ليسوا متابعين جيدين، والساخرين والشامتين من دعوة اليمنيين لدعم اقتصادهم وبنكهم المركزي، يجهلون معنى الانتماء للوطن والولاء المطلق له .. تلك كل الحكاية وأس المشكلة : الانتماء لغير الوطن والولاء لاعدائه حتى وهم يعتدون عليه!!.
ليس صحيحا أن البنك المركزي اليمني أفلس أو نهبت أمواله، فرغم حرب العدوان الاقتصادية القذرة لا يزال يحتفظ بمليارات من العملات الاجنبية .. المشكلة “ترليون و300 مليار ريال سحبت منه إلى التداول العام ولم تعد”، بحسب محافظ البنك بن همام.
تعلم دول تحالف العدوان ذلك علم اليقين وعملاؤها ومرتزقتها لكنهم يشوشون عليه عبر ترسانة قنواتهم ووسائل إعلامهم كذبا ويفترون كعادتهم لإفشال صمود اليمنيين بوجه عدوانهم الغاشم وحربه القذرة، ويعلم اليمنيون ذلك ويهزمونه كعادتهم.
يؤمن اليمنيون أن إيداع أموالهم في حساب بريدي أو بنكي هو لهم، وأن شراء العملات الأجنبية بالريال اليمني، وسداد ما عليك من رسوم ضرائب وجمارك وخدمات اتصالات ومياه وكهرباء للدولة، وتبرعهم بما يقدرون هو لهم أيضا ولعزة بلدهم وسيادة دولتهم.
لطالما كانت مشكلة هذه البلاد في خاصتهم من يوصف اغلبهم زورا بأنهم “نخبة” وتؤكد أفعالهم وأقوالهم أنهم “خمة” وتثبت مواقفهم وأدوارهم أنهم “نكبة” .. وأما عامة الشعب فجلهم مصدر فخر وعزة، يجاهدون بكل عزم وهمة ليعتاشوا بشرف وكرامة.
فسلام الله على الشعب اليمني الأبي الجسور الكريم الهصور .. سلام على “الرعية” وقبح الله من خذلها وخانها وسلط نفسه وبالا وعدوانا عليها.