هل تنجح المخططات الأمريكية في اليمن؟!
عبدالرحمن هاشم اللاحجي
لعبت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أواخر القرن الماضي دورا أساسيا ومحورياً في انفجار براكين الغضب الثائرة في العديد من الاقطار العربية والعالمية وذلك لما نجم عنها من ممارسات مشينة وأساليب غوغائية منافية للفطرة الإنسانية السليمة ومناقضة لأبسط حقوق الإنسان ومتعارضة مع أوضح القوانين الدولية واكثرها شيوعاً والزاماً .
وبالرغم من سطوها ومصادرتها لتلك الأحلام الشبابية العربية- اليافعة التي ظهرت على حين غرّة من ساستها وقواديها الشياطين في اكثر من قُطر عربي مطلع العام 2011م حين تمكنت وعلى حين غفلة من الشعوب العربية الثائرة ذاتها من انتاج ذات الأنظمة الديكتاتورية اللعينة واستبدالها بأنظمة تقليدية وأخرى معاصرة تدين لها بالولاء والطاعة وبشكل اكثر انحطاطاً وابتذالا من ذي قبل لكنها: لم تتمكن من كسر الإرادة اليمنية الصلبة الطامحة بتغيير جذري على مستوى نظام الحكم المحلي والإقليمي فقد وجدت نفسها عقب ثورة 21 أيلول 2014م امام ثورة شعبية – ريفية قدمت رحم الريف اليمني النقي (كانت ترصد تحركاتها بدقة لا متناهية ) لتطيح بتلك الأوهام – العبثية وتناثرها في مهب الريح اليمنية وذلك بالتزامن مع اندحار مراكز النفوذ التقليدية وسقوط مركز الحكم المترهل ممثلا بصبيها المخلوع /هادي وزبانيته وفرارهم الى عدن – الرياض وذلك قبيل انطلاق العدوان البربري السافر .
وعلى امتداد سنوات العدوان البربري الغاشم عملت الخارجية الأمريكية على حبك المشاهد السياسية الآنفة سواءً ما تم منها في جنيف او الكويت بالشكل الذي يمكنها من إعادة عجلة التاريخ اليمني الى الوراء في محاولة عبثية منها لفرض خيارات الاستسلام والتبعية وبما يضمن عودة وصايتها الهلامية على القرار السيادي اليمني وذلك من خلال مبادراتها المفضوحة وأوراقها المكشوفة التي تقدم بها سفيرها المنفي من اليمن / ماثيو تولر في اكثر من جلسة تفاوضية وتشاورية سابقة لكنها:لم تنجح في المرور وبقيت كسابقاتها حبراً على ورق تتقاذفها صفحات التاريخ المعاصر لتوضح وبجلاء دهاء السياسي اليمني وحنكته الفريدة في التعاطي مع مختلف الوسائل والاساليب الأمريكية المخادعة.
انتقلت زمام المبادرات (كما هو واضح ) من احضان السفير الأمريكي / ماثيو تولر الى وزير الخارجية الأمريكي / جون كيري حين اعلن الاخير قبل اكثر من شهر عقب اجتماع رباعية جدة الأول عن خطوط عريضة لمبادرته المفضوحة قائلا بأنها: ستمثل “خارطة طريق” لحل المشكلة اليمنية العالقة ومؤكدا بأنها: “ستوقف نزيف الدم الجاري وتردم الهوة التي احدثتها السياسة التمزيقية – لبلاده بين اليمنيين انفسهم من جهة وبين اليمنيين والسعوديين من جهة اُخرى ولكن: الرجل سرعان ما توارى عن المشهد ليظهر اخيرا في اجتماع ضمه مع وزير بريطاني واخر اماراتي وسعودي بالمبعوث الاممي/ ولد الشيخ في نيويورك ليل الخميس الماضي ويمتنع عن الحديث لوسائل الاعلام لكن: وسائل اعلامية رصدت بعضا من مجريات اللقاء وقالت بأنه : كرس لبحث بعض التفاصيل المتعلقة بالمبادرة الأمريكية المزعومة.!
يُدلل الأمريكيون جزرتهم الفاسدة على شكل مبادرة جوفاء –عقيمة لا تنتج حلاً يمنيا- يمنيا بقدر ما تسعى لضمان تنفيذ سياستهم الشيطانية الماكرة الساعية الى اقلمة الجغرافيا اليمنية وتفتيتها تحت مسميات واهية واساليب مخادعة وأن أضافوا لها قليلا من الوعود الشيطانية – القاطعة كأن تتضمن حلولا شاملة وكاملة وغير مجزأة وذهبوا الى الامم المتحدة لتقديمها في استجابة مغشوشة لرغبة الوفد الوطني حين قال : بأنه لن يقبل أي مبادرة خارجية الا عبر الامم المتحدة ومبعوثها لليمن / ولد الشيخ فإنها لا تعدو كونها بهارات ساخنة تتوهم بأنها ستثير لعاب اليمنيين نحوها وتنشط خلاياهم الوجودية للهث ورائها غير مدركة بأن اساليبها المتحذلقة تلك باتت مكشوفة ومفضوحة امام المواطن اليمني البائس .!
ولعل اللافت في الأمر هو ان الاتجاه الآخر الذي تسلكه السياسة الخارجية الأمريكية في اليمن بالتوازي مع مبادرتهم التي لا زالت طي الكتمان حتى الان هو العصا الغليظة التي تسعى من خلالها لإجبار الوفد الوطني المحتجز في مسقط على تقديم تنازلات تضمن عودة وصايتها على القرار اليمني او بما يضمن مصالحها (على اقل تقدير ) فالسلطات الأمريكية اعلنت مباركتها بعد ساعات من اعلان طفلها المدلل / هادي نقل المصرف المركزي الى مدينة عدن واعتبرته قرار شجاع وحكيم يعكس الحكمة اليمانية في مواجهة الانقلابيين ” حد وصفها ” ، كما تراجع مجلس شيوخها عن قرار بوقف بيع الاسلحة للمملكة السعودية في مؤشر الى ان اوراق الضغط الأمريكية ستستمر حتى تظهر تفاصيل مبادرة كيري للرأي العام ورُبما لن تظهر . !
حسناً يصنع الأمريكيون مع شعب يتحطم الفولاذ أمام إرادته الصلبة ويصبح هشيما تذروه الرياح، ولا يتحطم او يتراجع عن مواقفه الراغبة بالتحرر الكامل والنهائي من تبعيتهم المارقة قيد انمله واحدة ، ومبارك كثيرا ما يستخدمونه من اوراق مبتذلة –وسخيفة ستمكن اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم بناء اقتصاد وطني –ذاتي حُر يمهد لبناء دولة مدنية حديثة مكتملة الأركان والأسس والجوانب .