وائل شرحة
لطالما كانت “الحاجة أم الاختراع”، وفي اليمن كانت الحاجة أم الإسراع نحو الانتقال الأهلي إلى الطاقة المتجددة بعدما تقطعت السبل والآمال بالطاقة الكهربائية وانقطعت كليا مع بدء العدوان في مارس 2015م بفعل “تعرض منشآت وشبكات الكهرباء للقصف، فضلاً عن تصاعد وتيرة الهجمات التخريبة على أبراج وخطوط محطة مارب الغازية، والتي كانت الأكبر بين نحو 200 اعتداء طوال أربعة أعوام تلت انفجار الأزمة السياسية في البلاد (2011-2014م)” بحسب الوزارة والمؤسسة العامة للكهرباء.
انقطاع التيار الكهربائي كليا عن معظم أرجاء اليمن “وتعذر إعادة تشغيل محطات التوليد البخارية التي كانت هجرت منذ تدشين العمل بالمحطة الغازية، جراء انعدام المشتقات النفطية بفعل قيود النقل المفروضة على اليمن بحرا وبرا وجوا” وفق تقرير منسقية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية؛ دفعت غالبية اليمنيين – كل حسب قدرته – إلى الإقبال اضطراريا على الطاقة المتجددة، وتحديدا الشمسية منها، والإبحار في تفاصيلها ومكوناتها وأنواعها.
رواج معرفي وتجاري
أضحت الطاقة الشمسية حديث الشارع اليمني ومجالا خصبا يشهد تناميا لافتا للتشاور والتثاقف في لقاءاتهم اليومية. صارت مصطلحات الوات والامبير والفولت وغيرها الأكثر تداولا على ألسنة العامة والخاصة في اليمن، كبارا وصغارا، نساء ورجالا، وإن كانت لا تزال ثقافة سماعية، تصطدم بقصور وعي والمام علمي، وتتعزز بتجارب سلبية مع الأخطاء في الاختيار وتقدير الحاجة والاستخدام. ما دفع وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة “الثورة”، إلى استحداث برامج وصفحات متخصصة لنشر المعرفة.
ومع أنه لا يعرف حتى الآن على وجه الدقة حجم تجارة منظومات الطاقة الشمسية الأكثر رواجا منذ 16 شهرا في السوق اليمنية، إلا أن الأخيرة تعج بمختلف أحجام وأنواع وماركات الألواح الشمسية والبطاريات والمنظمات وغيرها من مكونات منظومات الطاقة الشمسية، جراء تحول معظم التجار إلى الاتجار بها فضلا عن استثمارات كبيرة فيها من رؤوس أموال المحلية جراء الإضرار البالغة التي لحقت عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني والسمكي بفعل الحرب وانقطاع الكهرباء وتذبذب المشتقات النفطية!.
انتقال افقي مدني
هذا الانتقال المتنامي في اليمن نحو الطاقة المتجددة الشمسية والهوائية لا يزال نموه يأخذ طابعا افقيا على المستوى الأهلي أكثر منه عاموديا على المستوى الحكومي. ومع أن الدولة كانت أعدت في أغسطس 2006م إستراتيجية وخطة عمل للطاقة المتجددة، إلا أن “إستراتيجية الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة” لم تقر إلا منتصف عام 2009م من مجلس الوزراء، وظل التوجه غير جاد فعليا، ويعتمد على مدى توافر الجهات المانحة والداعمة للمشروع.
ظلت خطوات الحكومة في اليمن “ولا تزال بطيئة تجاه الانتقال للطاقة المتجددة بطيئة إن لم تكن متوقفة” بحسب مراقبين ومتخصصين يرون أن الحكومة لم تشرع إلى سن نص دستوري ضمن مشروع “الدستور الجديد” للبلاد أو تشريعات منظمة للانتقال إلى الاعتماد التدريجي على مصادر الطاقة المتجددة، أو السير في تنفيذ الإستراتيجية والبدء بإنشاء محطات توليد الطاقة بالرياح أو أشعة الشمس أو المياه الجارية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى.
دوران عجلة المشاريع
حتى اليوم لا توجد في اليمن مشاريع طاقة متجددة كبيرة انجزت على المستويين العام والخاص. لكن يظهر للمتابع أن عجلة الطاقة المتجددة في اليمن بدأت أخيرا بالدوران .. إذ نفذت وزارة الكهرباء مطلع العام الجاري مشروع إنارة مداخل وأزقة وشوارع مدينة صنعاء القديمة بالطاقة الشمسية وبقوة 4 الق وات وبكلفة إجمالية بلغت 28000 دولار وبتمويل بنك التسليف الزراعي، وفقا للوزارة والمؤسسة العامة للكهرباء.
لكن “المشروع لم يغط حتى 10% من صنعاء القديمة واقتصر فعليا على إنارة المداخل والساحات والميادين وسائلة مياة الأمطار التي تشق المدينة التاريخية نصفين. ضمن توجه معلن لوزارة الكهرباء نحو “إنارة شوارع وميادين وساحات العاصمة صنعاء بالطاقة الشمسية” بدأ التنسيق لأجله بين الوزارة وأمانة العاصمة صنعاء خلال مايو الماضي على أن “يتم انارة هذه المواقع في أقرب وقت ممكن”.
في السياق ذاته والشهر نفسه (مايو 2016م) طلب محافظ إب من وزارة الكهرباء “ارسال فريق متخصص لوضع الدراسات والخطط الاولية لانارة شوارع مدينة إب بالطاقة الشمسية”. من جانبها، وزارة الكهرباء أيضا، وتفاعلا مع ما نشرته صحيفة “الثورة” على صفحة “طاقة شمسية” من تقرير صحفي يطالب بإنارة شاطئ الحديدة بالطاقة الشمسية؛ أعدت الدراسات الأولية له وأرفقتها مع مخاطبة رسمية لمحافظ الحديدة بتمويل مشروع إنارة الشاطئ.
مقومات وصعوبات
تعتبر اليمن من “الدول التي تحظى بمناخ مناسب لاستخدام الطاقة المتجددة” بحسب المهندس إياد الأكحلي الذي يؤكد أن “نسبة كفاءة المناخ في اليمن للطاقة المتجددة تبلغ 60 % ما يعادل 10 أشهر في مقابل تأثير سلبي للمناخ نسبته 40% من كفاءة الطاقة الشمسية وبما يعادل شهرين في السنة”.
وفقا لاستراتيجة الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ، فإن “المناطق التي بإمكان اليمن استغلالها وتوليد الطاقة الكهربائية منها بواسطة الرياح، تتوزع بين جنوب غرب البلد والسهول الساحلية الجنوبية (تعز، لحج، عدن، وجزء من ابين) .. بينما المناطق التي يصلح فيها توليد التيار عبر الطاقة الشمسية فهي عديده”.
مكاسب مغرية
ومع بقاء واستمرار ما تسميه وزارة الكهرباء “صعوبات ومعوقات فنية وأمنية تعترض إعادة التيار”؛ أعدت ورقة عمل قدمتها في المنتدى المالي الذي نظمته وزارة المالية في صنغاء خلال يونيو الماضي، تضمنت توضيحات عن أهمية توليد الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة. مشيرة إلى “توفير اليمن نحو مليار ونصف المليار دولار ظلت تنفقها اليمن سنويا فقط على استيراد مادة الديزل لتوليد الطاقة بالمحطات البخارية”.
تعرف وزارة الكهرباء أهمية استخدام الطاقة المتجددة ومردودها الايجابي على الدولة في الجانب الاقتصادي والبيئي وغيرهما من الجوانب، ولهذا فقد استغلت المنتدى الذي حضرة كبار رجال الدولة والحكومة، وقدمت شرحا تفصيليا ومقارنة بين تكاليف انشاء محطات الطاقة المتجددة والمحطات التي تعمل بالديزل. وذيلت رؤيتها بجملة توصيات وصفتها بالعاجلة والملحة.
ورقة عمل القطاع الفني في وزارة الكهرباء، أوصت بالعديد من الحلول والمقترحات لحل مشكلة الكهرباء في اليمن، أبرزها: “إنشاء هيئة للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة كما ورد في الإستراتيجية الوطنية للطاقة الجديدة وكفاءة الطاقة، وبإنشاء صندوق لدعم مشاريع الطاقة الجديدة والمتجددة، وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للطاقة الجديدة والمتجددة”.
التوصيات شددت على ضرورة “تبني الأطر التشريعية و القانونية الخاصة بتنظيم وإعفاء مشاريع الطاقة المتجددة، وإنشاء مصنعين، أحدهم للألواح الشمسية وآخر لصيانة البطاريات وإعادة تدويرها”.. مؤكدة أهمية “دعم المستهلك في اقتناء الأنظمة الشمسية والاستثمار فيها (2 كيلو وات)تزامنا مع الإخراج التدريجي للمحطات التي تعمل بالوقود الاحفوري (ديزل ومازوت)، وبناء محطات توليد الطاقة الكهربائية بوقود الغاز الطبيعي.
هذه المحطات لتوليد الكهرباء بالطاقة المتجددة، اقترحت ورقة العمل “أكثر من 16 منطقة وموقعا لإنشائها”، وشددت على “ضرورة توفير تمويل لتنفيذ ثلاث محطات توليد بالطاقة الشمسية بقدرة 20MW, كمشاريع أولية تكون الأولى بمنطقة معبر (نحو 200 كم جنوبي صنعاء) والثانية في محافظة صنعاء والثالثة بحضرموت الوادي، وخصت محافظة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر بأنها “الوحيدة من تلك المواقع التي يصح فيها إنشاء محطة توليد الكهرباء عبر الطاقة الحرارية”.
Prev Post
قد يعجبك ايضا