ثوار الأنصار والمؤتمر
محمد علي العماد
اليوم، وبعد استكمال الخطوات الدستورية للجمهورية اليمنية تم الاستلام والتسليم، لـ”السلطة”، التي تحيطها الصراعات السياسية والعسكرية من كل جانب. الأستاذ صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى، بات في القصر الجمهوري، ويملك كافة صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد أن استلم علم الجمهورية، من ثوار (الانصار والمؤتمر) والذين خرجوا من رحم الاقصاء والحرمان من المشاركة في السلطة، وهو ما كانت كفلت لهم به مخرجات الحوار الوطني، بما يخص الشراكة في السلطة، دون الاستئثار بها من قبل طرف على حساب الآخر، وهو ما كانت تسعى إليه سلطة “الاخوان”، التي رفضت تلك المخرجات التي لا تتناسب مع اطماعها، التي دفعت “أنصار الله” والقوى الآخرى، للقيام بثورة ضدهم انتهت بخروجهم من السلطة . وبالرغم من استمرار الصراعات الداخلية، والحرب الظالمة التي شنت على اليمن من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، وما رافقها من حصار اقتصادي، وحرب على كل المستويات، إلا أن هؤلاء الثوار تمكنوا من إدارة شؤون الدولة، واثبتوا بخبرتهم البسيطة قدرتهم على تسيير مؤسسات الدولة، دون مساعدة أحد، ودون الحاجة إلى الغطاء أوالدعم الدولي والإقليمي. نجاح الثوار في إدارة مؤسسات البلاد، لا تنتهي عند هذا الحد، بل أنهم استطاعوا التفوق على حكومات “هادي” (بحاح – بن دغر) والمدعومة بشرعية أممية، وفتحت لها بنوك الخليج، وسخرت لها الجيوش، وجلب لها “المرتزقة” من كل بقاع الأرض، غير أنها فشلت في تسيير مؤسسات الدولة بالجنوب، بل أنها بدت عاجزة وغير قادرة حتى عن حماية نفسها، وتعيش في فنادق الرياض، في الوقت الذي كان ثوار وسلطات صنعاء، يعملون بحرص شديد على دفع رواتب مؤسسات الدولة بالجنوب. وبالرغم من كل ما كانت تواجهه سلطات صنعاء، من تحديات كبيرة وجسيمة، إلا أنها لم تسلم من انتقادنا لها، خاصة فيما كان يتعلق بمحاولة تجيير البعض العمل التكاملي لأشخاص بعينهم، واستغلال بعض الاشخاص لنفوذهم وموقعهم الذي وضعوا بها نتيجة لمقتضيات المرحلة، في نهب المال العام، وممارسة غير ذلك من مكايدات وابتزاز سياسي رخيص. وربما أن تلك الممارسات الخاطئة، لم تعمر طويلا، ونتيجة لما يمتلكه قائد الثورة من حنكة سياسية وقيادية، فقد أعلن نقل العملية من لجان “الثوار” إلى سلطة “الشراكة” مع كل القوى السياسية الوطنية، وهي السلطة التي بات لمشروعيتها وزن في ميزان الشرعيات الأممية، على اعتبار أن البرلمان اليمني معترف به في ميزان الشرعية الدولية، وهو الجهة التي من خلالها منح المجلس السياسي الأعلى الثقة، ومكنته من السلطة الكاملة لإدارة البلاد. اليوم، القيادات السياسية في (الانصار والمؤتمر) استلمت السلطة من الثوار، وبطريقة رسمية وشرعية، وحسب المقاييس والمواصفات التي تراعي مطالب المجتمع الدولي، أكان ذلك في إلغاء البيان الدستوري ومغادرة اللجان الثورية لمؤسسات الدولة التي كانت تسيطر عليها حسب قراراتهم الاممية والدولية. اليوم، السلطة الشرعية للمجلس السياسي الأعلى، اسقطت الذريعة والحجة التي لطالما استخدمها الخليج في حربه على اليمن، ليأتي أول موقف دولي من الحجم الكبير، فـ”روسيا” ترحب بهذه الخطوة بالمجلس السياسي الأعلى الذي يرأسه “الصماد”، حسب تصريحات صحفية لمسؤول روسي، وعبر قنوات الخليج، أكد أن روسيا مع الشرعية للحكم باليمن، وهي الشرعية التي لم يسمها، كما كان بالسابق بـ”شرعية هادي”. لكن، سيبقى السؤال قائما، هل سيدرك الخليج والمحرك الرئيسي لهم (امريكا) بأن الوقت يمضي في غير مصلحتهم، وأنه كلما تأخر الحل السياسي الخليجي اليمني، زادت الأمور أكثر تعقيدا، وبما يقود إلى التحول في قواعد اللعبة، والتي بات الدب الروسي يحوم في حماها، فقط، ينتظر الفرصة المناسبة لبدء وضع بصماته الواضحة، وفق تصوراته المسبقة لـ”الملف اليمني” الذي يتدحرج باتجاه ميدان الكبار، وحينها سيكون الحل السياسي في اليمن أكثر تعقيدا، وسيخضع لقوانين بورصة الصراع الروسي الأمريكي. اعتقد أن الابواب ما زال مفتوحا أمام الخليج للخروج من المستنقع، حيث مازالت باستطاعته مواربة الباب أمام “الدب الروسي” للحيلولة دون ولوجه إلى ديارهم التي يخيم فيها خصمه الأمريكي، خاصة، في ظل استماتة الطرفين في السباق المحموم على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية وبما يمكنه من إثبات أنه الحاكم الفعلي في الميدان. أعتقد أن الخليج ليسوا بحاجة لمراجعة حساباتهم في حلفائهم من اليمنيين، لأنهم يدركون أكثر من غيرهم، ضعف وهشاشة أدواتهم في اليمن، والتي ربما خدعوا بها، قبل أن يدرك الخليج هذه الحقيقة المرة، بعد تغيير حكومتين، ودعم بالمليارات، لم يحصدوا منها إلا الفشل، بالمقابل كانت حكومة وثوار صنعاء، يصارعون المستحيل، يقامون الحرب، ودون دعم يذكر، كانوا يحققون قفزات نوعية، ونجاحات على كل المستويات، تكللت أخيرا بالانتقال إلى مجلس سياسي شرعي، سيجعل من مؤسسات الدولة التي تحت سيطرتهم أكثر تفوقا ونجاحا، خاصة وأن ذلك سيساعد في حصولهم على الاعتراف الدولي بهم سريعا، وبما يمنحهم الغطاء الدولي والمالي لتسيير مؤسسات الدولة. ليس أمامنا إلا أن ننتظر أياماً لنشاهد كيف سيتصرف الخليجيون، فهل سيستغلون الفرصة الاخيرة لإعلان العودة للحل السياسي، وإيقاف الحرب والمسارعة بالتفاوض بالسلطة الشرعية الجديدة، أم أنهم سيمضون في كبريائهم الذي يقودهم إلى مستنقع الهلاك، وجر المنطقة إلى ما هو أكثر سوءا؟ أعتقد أن قرارا كهذا قد يكون صعبا جدا، لكنه يحتاج إلى شجاعة، فهل يمتل الخليجيون هذه الشجاعة؟.