على خلفية الاتفاق السياسي ..إرادة الشعب هي الأقوى
أحمد يحيى الديلمي
رغم الصداقة التي تربطني به ومداها الزمني الطويل إلا أني اضطررت إلى إيقاف قناة التواصل معه وتجاهل كل الرسائل التي يبعثها من أماكن إقامته في القاهرة واسطنبول أو الرياض بسبب تعنته وتمسكه بأفكار ومفاهيم جوفاء تخالف أبسط قيم المواطنة ومفردات الانتماء الصادق للوطن ، وتتعارض مع أبسط مقومات العقل والمنطق ، مع ذلك يعتبرها مسلمات وحقائق لا مناص من التسليم بها والتعاطي معها بإيجابية من قبل الآخر الذي تصل إليه نفس الأفكار .
أمضيت معه حوالي ثمانية أشهر أبحث عن القواسم المشتركة لتضييق الفجوة وإيجاد مساحة للحوار المسؤول الذي يغلب المصلحة العليا للوطن ويوقف العدوان الهمجي السافر ، وإصرار المعتدين على تدمير كل شيء في الوطن بغرور وحقد دفين وعداوات ثأرية متأصلة ، تعمدت استثارة مشاعره وإيقاظ ضميره بإرسال مشاهد حية للمجازر البشعة التي يقترفها طيران العدوان السعودي الغادر والمتحالفون معه بلا جدوى ، يصر على تحميل الانقلابيين على حد وصفه مسؤولية ما يجري، مؤكداً نفس الاسطوانة المشروخة التي يرددها المدعو عسيري عن الخطر الإيراني وما يرتبط بهذه الفرية من هواجس وأفكار سوداء مظلمة لبدت أجواء الحوار بغيوم سوداء قاتمة وأكدت أن بريق المال استقطب ثقافة الرجل المعروفة إلى مواضع ضحلة جعلته يرهن ضميره لحلبة الارتزاق وكأنه استغنى عن ماضيه المشرق بالأموال التي يحصل عليها ، في آخر تواصل معه كانت القاصمة بالنسبة لي ، سألته عن موقفه من التواجد الأمريكي في بعض المحافظات الجنوبية صدمتني إجابته ، قال بكل برود ومشاعر مدجنة بالخيانة سيظل الوجود مشروعاً حتى يغادر أرض اليمن آخر جندي إيراني ، يا للعجب عن أي إيرانيين يتحدث ؟ وأين هم ؟ كيف يراهم عن بعد ؟ ونحن في اليمن لم نلحظ منهم أحداً !! إنها فعلاً أعظم فرية رسختها السعودية في أذهان هؤلاء .
من تلك اللحظة لم أقرر تجاهل رسائله فقط لكنني مسحت من الذاكرة كل الأفكار التي سمعتها منه عن شروط المواطنة والانتماء الصادق للوطن ، أدركت أنني والكثيرين انخدعنا بالرجل الذي كثيراً ما أتحفنا بفلسفات بيزنطية معززة بألفاظ وعبارات جوفاء خالية من المضمون ، لذلك سهل عليه التنكر لها وعرضها في سوق النخاسة ، وعندما وجد المشتري باعها بثمن بخس ، ما يثير الدهشة أن الرجل لم يأبه بالقطيعة من جانبي ظل يتحفني بنفس الأفكار الشوهاء والأخبار الملفقة إلى قبل أيام بعد إعلان الاتفاق السياسي بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام ، أردت معرفة وجهة نظره باعتباره ضليعاً في القانون وكان عضواً في اللجنة التي أوكل إليها الفار هادي مهمة صياغة مشروع الدستور المشوه .
في هذا الجانب سبق أن أشاد بموقفي والمخاوف التي أبديتها نتيجة حماس دولة الإمارات واستضافتها للجنة الصياغة ، حدث ذلك بعد أن كشرت الإمارات عن أنيابها وأرسلت جنودها وأنواع السلاح المتطور لتضمن نصيبها في الكعكة .
هذا الكلام أفصحت عنه في حينه ، وعاند الرجل إلى أن حدث ما حذرنا منه مما دفعه إلى التسليم والثناء . في هذه المرة بمجرد أن دخلت على صفحته لم يرد التحية بادرني متسائلاً : من خول صالح والحوثي بإبرام الاتفاق ، هذا انتحار ؟
أجبت ببرود وكأنني جاهز للرد : ومن خول مؤتمر الحوار بالتمديد لهادي بعد انتهاء ولايته التي حددتها المبادرة الخليجية ؟
أجاب : المجتمع الدولي .
قلت : أي مجتمع دولي المرتهن لإرادة المال المدنس ، ألم تسمع أن بان كي مون سحب اسم السعودية من القائمة السوداء ، خوفاً على الدعم والتمويل السعودي ، ثم ها هو يحاول تصحيح هذا الخطأ الفادح ، أما الاتفاق الذي تتحدث عنه فقد أرتهن إلى الشعب وترجم إرادته ، أيهما أكثر فاعلية إرادة الشعب أم الإرادة الدولية ؟ الاتفاق المبرم رؤية توافقية شاملة لبت رغبة أبناء الشعب في سد الفراغ السياسي والعودة إلى العمل بالدستور كأساس للانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية .
أرتبك وحاول الهروب إلى التفاصيل قال : في غياب رئيس الدولة ومجلس النواب من سيصدر القرار بتشكيل المجلس ويعطيه المشروعية وإذا تم تجاوز هذه المعضلة أمام من سيقسم أعضاؤه اليمن ؟
أجبته بثقة تامة : ألم يتحول مؤتمر الحوار إلى سلطة الأمر الواقع ؟ ومدد لهادي ؟
أجاب : نعم .
قلت : اللجنة الثورية أكثر حضوراً في الواقع لأنها جاءت تحت مظلة الشرعية الثورية وتعزز حضورها استناداً إلى تأييد ومؤازرة الشعب ولم تتهور في التعاطي مع الواقع .. رغم العدوان الهمجي والحصار الجائر والظروف الاستثنائية الصعبة، إلا أنها أدارت الأمور في البلاد بشجاعة نادرة وحافظت على مؤسسات الدولة ولو في الحدود الدنيا، ومن ثم يمكن اعتبارها سلطة الأمر الواقع المخولة بشرعنة الاتفاق وإصدار ثلاثة قرارات :
1) قرار بتشكيل المجلس السياسي المقدم من الأطراف السياسية الموقعة عليه .
2) قرار بتكليف مجلس القضاء القيام بمهام مجلس النواب في سماع القسم من أعضاء المجلس المعين .
3) قرار بحل نفسها وتسليم المهام والمسؤوليات للمجلس الجديد .
لم يجب صاحبي.. الذي لا أعتز بصداقته ، أغلق النافذة على الفور ، أيقنت أن إرادة الشعب هي الأقوى وهي التي ستنتصر في نهاية المطاف وعلى القيادات السياسية استكمال الخطوة المترجمة لإرادة الشعب.
والشكر للأخ محمد علي الحوثي الذي أعطى الشعب مسؤولية تقييم فترة تحمله أعباء المسؤولية والخزي والعار للمرتزقة والعملاء. والله من وراء القصد .. وهو الهادي إلى سواء السبيل .