وداعاً لشرعية الوصاية وشريعة الاستحمار
محمد السقاف
بعد شهور متواصلة من المساعدات الإنسانية التي ظل يغدقها علينا أمراء النفط الأثرياء وأبوا إلى أن يحملوها أمانة على أعناق طائرات الاف 16 وعلى أفواه المدرعات والمدافع والبوارج الحربية ..
بعد أشهر مضنية من الصبر على صلفهم وغرورهم ومراوغاتهم وتقلباتهم المتكررة والماكرة على الاتفاقيات المبرمة مع وفدنا الوطني .. وبعد نفاد كل المحاولات البيضاء الرامية إلى تعطيل ذريعة الشرعية منذ مسقط وجنيف مرورا بظهران الجنوب وانتهاء بالكويت؛ كان لابد على شعبنا وقواه الوطنية المناضلة أن تحسم قرارها وتتجاوز مرحلة الحوارات الجامدة مع نزلاء الفنادق أولئك القاصرين الذين لا يملكون سلطة على ذواتهم والذين ركبهم العدوان وأربكهم وهاجمنا بهم وأفلح بوساطتهم في إطالة مشوار حربه العبثية المستهترة .كان لابد أن تحدث ردة فعل جادة مناسبة تفضي إلى التفاف عقلاني تجتمع عليه كافة القوى السياسية المناهضة للعدوان وكان بالضرورة تشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة الشؤون السياسية للبلاد كأول رد عاصف لأعداء الوطن، باعثا برسالة وداع إلى غرف الرياض ومعبرا فيها عن نفاد صبرنا على المفلسين الذين استخدمهم الحاقدون لتحريك آلة السلام بسوء نية بقصد تحقيق ما عجزت عنه آلات القتل والتدمير.
وبرغم تأخر هذه الخطوة كثيرا إلا أن التأخير كان فيه خير والوقت الذي بدد لإقامة الحجة على الكاذبين كان كافياً ليثبت للعالم أن ما سمي انقلابا على الحكم لم يكن كذلك منذ البداية، وهاهم الانقلابيون لا يريدون الاستحواذ على السلطة بمفردهم كما يروج أعداؤهم وإنما كانوا ومازالوا يبحثون عن السلم والشراكة ويجاهدون من أجلها والأيام والمواقف خير شاهدة على ذلك وهكذا يجيء تشكيل المجلس السياسي ببنوده الأربعة لما تقتضيه المصلحة الوطنية العامة وبناء على الرغبة الشعبية الملحة التي تنشد استئصالا نهائيا للأورام الخبيثة التي انتفخت على بدن وطننا منذ ما يقارب أربعة عقود أو يزيد والتي قاسى المواطن اليمني بسببها ويلات المرض والفاقة والحرمان وكل تلك السنين العجاف.
ونحن إذ نعاصر هذا المنعطف الوطني التاريخي يجب ألا نغفل عن شكر المولى عز وجل الذي وهبنا الحكمة والإيمان وأمدنا بكل هذا الصبر والبأس الشديد على التصدي للغزاة والحاقدين كما يلزمنا من منطلق الوفاء لأهل الوفاء أن نهدي الإنجاز الكبير لأرواح شهدائنا الأبرار من دفعوا بحياتهم ثمنا لهذه المكاسب الوطنية المتوالية، كما نبعث تحية إكبار لرجال الرجال المرابطين في جبهات العزة والشرف.
وأخيراً ومن باب الاعتراف بالفضل لأهل الفضل فلا ننسى أن نشعر بالاعتزاز بثورة 21 سبتمبر 2014م الذي يجيء هذا النصر والتمكين امتدادا لخيراتها وتضحيات رجالها البواسل الذين تكفلوا باستئصال أبرز الأورام الخبيثة التي عشعشت على رأس النظام الفاسد وجرت معه البلاد إلى ويلات الدمار والضياع وهم ثلة من الكلاب المسعورة التي كانت وفية بحق لأسيادها في تسيير مؤامراتهم الحاقدة وتمرير مشاريع الاستعمار الداعشية التي أطاحت بدول عربية وإسلامية في الجوار والتي ظلت تسند إليهم مسؤولية إبقاء أعضاء الجسم اليمني معاقة ومنهكة وغارقة في الثارات والدماء كي يبقى طريح المحن والأزمات ولا يستطيع الحراك أو التحرك دفاعا عن نفسه وأراضيه إزاء كل طامع يريد استغلال مكنونه والسيطرة على منابع خيراته وثرواته؛
المستعمر المدحور الذي جن جنونه اليوم عندما أبصرنا ونحن نعطل مشروعات الفرقة التي يهندسها بمبادراتنا الراشدة للوحدة والالتحام من أجل ذلك يشن علينا ضغائنه بغرض استعادة هيمنته ونفوذه ولكن هيهات أن يحدث ذلك بل وبعيدة عليهم أمانيهم بعد المشرق عن المغرب، فوطننا الحبيب اليوم قد تشافى من محنته وتحرر من شياطينه وصار أخيرا يملك قرار نفسه..
وطننا الغالي اليوم برأ من أمراضه وبدأ يتحكم بتصرفاته وفق إرادته وليس بموافقة أوصيائه وحان الوقت للنهوض من مرقده والانطلاق للبدء بممارسة نشاطه الحيوي واستعادة وحدته وهيبته وشموخه الذي يليق به.. وعنها تمخض هذا المجلس السياسي التشاركي الذي يعد خطوة ثورية تكسر أغلال الوصاية التي قيده بها الأعداء شطرا من الزمان كما أنه وثبة عملاقة على طريق الصواب وعلى خطى الحرية والنصر والمجد القريب.