ما أسفرت عنه العاصفة

علي أحمد جاحز

يبدو أن العاصفة انقشعت على واقع يختلف كليا عن ما كان يطمح ويطمع ملوك الصحراء وأمراء الغبار ، انقشعت ليظهر اليمن شامخا شموخ شعبه وجباله و قيعانه وسهوله وسواحله ، وفي الشق الآخر تظهر مملكة الغبار عارية بعد أن مزقت عاصفتها ما كان يسترها من تحالفات وأحلاف هشة ، وبدلا من أن ترى اليمن منهكا و مقتولا وجدت قراها ومدنها الحدودية أطلالا وجنودها بين جثث متناثرة وقطعان فارة، ومعسكراتها بين بقع محترقة أو ثكنات خربة أو مواقع تدوسها أقدام أبطال اليمن وجبال تطلق من أعلى قممها هتافات الصرخة .
وأما مرتزقتها فوجدتهم بين شلة أغبياء يقيمون في فنادق الرياض يستلمون المخصصات والاعتمادت ويأكلون كما تأكل الأنعام ، وبين مرتزقة جندتهم في الداخل أدركت أنهم باتوا عبئا ثقيلا على كاهلها تطعمهم وتمدهم بالمال والسلاح دون أن يحققوا شيئا مما تطمح أن يتحقق ، وفي الحاليتين وجدت أن مرتزقة الفنادق والميدان فشلوا جميعا في إعطاء أي ثمرة مقابل رعايتها اللامحدودة  بل أن الكثيرين منهم يروقه أن يبقى الوضع هكذا ليجني المزيد من المكاسب .
وبدلا من أن تجني السعودية مكاسب سياسية أو تعوض ما خسرته بعد 21 سبتمبر في اليمن، وجدت نفسها خسرت سياسيا ليس على مستوى اليمن وحسب بل على مستوى المنطقة والعالم، انكشفت وجوهها العديدة، الوجه الداعشي .. الوجه الشيطاني الذي يمول الحروب والصراعات، الوجه الذي يشتري ولاءات الحكومات وتواطؤ المنظمات الإنسانية، الوجه الصهيوني الذي يخدم إسرائيل ويتعاون معها في ضرب المنطقة وتدميرها، الوجه الغبي الذي يقع في دائرة الاستهداف ويسعى إلى حتفه .
بينما اليمن ظهر قويا متماسكا ضرب أروع الأمثلة في الصمود والتصدي وكلما مر الوقت واشتد العدوان بدت خياراته الأقوى والأكثر فاعلية، العدوان صقله واستفز في داخله طاقات كبيرة وواسعة وفعالة على كل المستويات اتسق فيها العسكري بالأمني والسياسي بالاجتماعي والإعلامي بالثقافي والتعبوي بالتكافلي، ليجد العدوان نفسه أمام واقع مختلف لا يمكن اختراقه ولا إعادته إلى حيث كان قبل 21 سبتمبر و لا حتى إلى ما قبل 26 مارس 2015م.
تسارعت مؤخراً الإنجازات الكبرى في اليمن ، في متوالية خيارات استراتيجية كان قد وعد بها قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله وحذرهم من الوصول إليها باعتبارها ستغير وجه المنطقة وليس وجه اليمن، تلك الخيارات كانت ثمرة الصمود والتصدي والصبر والتعبئة والتكافل واتساق العمل السياسي والإعلامي والثقافي، وتعددت في إنجازات عسكرية على كل الجبهات  في ما وراء الحدود وفي مأرب والفرضة والجوف وفي تعز وفي لحج وشبوة  رافقتها إنجازات سياسية في الكويت وازتها نجاحات سياسية داخلية أربكت المنطقة والعالم وغيرت معادلة التعاطي السياسي مع القضية اليمنية بشكل عام .
مثل توقيع الاتفاق السياسي اليمني بين أنصار الله وحلفائهم والمؤتمر الشعبي العام وحلفائه ضربة سياسية كبرى ، وبعد أن كانت ثمرة للصمود والانتصارات الكبرى ميدانيا، فقد أثمرت أيضا زلزالا كبيراً هز المنطقة وغير مجريات المشهد الدبلوماسي في الكويت والتحركات الدولية ومزاجات المجتمع الدولي ليعود الكل إلى صوابه ويتعاطى مع القضية اليمنية بأكثر جدية وتعقل .
أول أمس غادر وفد الرياض الكويت بتوجيهات سعودية بعد أن أدركت السعودية انه لم يعد ورقة رابحة في صراعها مع الواقع اليمني الجديد الذي بات يفرض عليها ميدانيا حرب استنزاف طويلة طالت أراضيها وشردت مواطنيها وأذاقتها صنوف الذل والهوان وفضحتها أمام شعبها والعالم بأنها دولة هشة وجيشها هش وحدودها قش ومالها معروض للابتزاز والارتزاز سهل أمام هواة النصب وبيع المواقف ، وبعد أن سحبت فريق المرتزقة من الكويت بعثت بوفد سياسي وعسكري يمثلها مباشرة لحل مشكلتها مع اليمن وبدأت ترسل أبواقها لمطالبة هادي وفريقه المنتهية فائدتهم بالمغادرة إلى عدن لكي تخرج من مستنقع اليمن خفيفة منهم ومن اعبائهم، ولن تخرج من مستنقع اليمن إلا إذا تخففت من كل أوزار الماضي وتركت اليمن واليمنيين يعيشون حياتهم ويعالجون أمورهم بأنفسهم دون وصاية من أحد .
لا أعتقد أن السعودية بإمكانها أن تخرج من مستنقع اليمن دون أن يأتي قرار بذلك من الإدارة الأمريكية، وهو أمر غير متوقع فالإدارة الأمريكية تريد للسعودية أن تظل أداة ومعولا تهدم به المنطقة قبل أن تتخلص منه ويصير جزءا من واقع عربي وإسلامي مهدم وهش يسهل على الأمريكي أن يعبث فيه ويرتبه كما يشاء ، لكنها تدرك أيضا أن اليمن يعكر عليها صفو اللعبة ويقف عائقا في طريق هدفها ، ولذلك لا يمكن أن تترك اليمن ينعم بالاستقرار ولا يمكن أن تسمح لمشروع الثورة اليمنية أن ينجح ويصل إلى أهدافه الكبرى التي تتجاوز حدود الوطن ، وهو ما سوف يحول دون ترك السعودية تخرج من المستنقع ، فإن طردت هادي وشلته إلى عدن ستظل تلعب بهم بالريمونت كنترول وتحركه بحسب ما يريده الأمريكي والإسرائيلي وحينها، لنا حديث معهم، وسيخسرون .

قد يعجبك ايضا