إعداد/عبدالصمد الخولاني
الشريعة الإسلامية تُحرم إشاعة أسرار المسلمين وأمورهم الداخلية مما يمس أمنهم واستقرارهم، حتى لا يعلم الأعداء مواضع الضعف فيهم فيستغلونها، أو قوتهم فيتحصنون منهم؛ كما يحرم إشاعة ما يمس أعراض الناس وأسرارهم الخاصة، قال الله تعالى في محكم التنزيل: إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]. هذا هو الحكم الأخروي، وبالنسبة للحكم المترتب على الشائعة الكاذبة فهو حد القذف إن توفرت شروطه، وإلا فالتعزير.
والإرجاف في اللغة: الاضطراب الشديد، ويطلق أيضا على الخوض في الأخبار السيئة وذكر الفتن؛ لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس. والإرجاف في استعمال الفقهاء: التماس الفتنة، وإشاعة الكذب والباطل للاغتمام به. والإرجاف حرام، وتركه واجب؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وفاعله يستحق التعزير. قال تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَك فِيهَا إلا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً [الأحزاب:60،61]. قال القرطبي: “لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ: لسلطناك عليهم فتستأصلهم بالقتل”.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أناسا من المنافقين يثبطون الناس عنه في غزوة تبوك، فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت، ففعل طلحة ذلك.
هذا هو معنى الأراجيف والشائعات، فكم للشائعات والأراجيف من خطر عظيم في انتشارها وأثر بليغ في ترويجها، فهي تعتبر من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص. فكم أقلقت الشائعات والأراجيف من أبرياء، وكم حطمت الشائعات والأراجيف من عظماء، وكم هدمت الشائعة والأراجيف من وشائج، وكم تسببت الشائعات والأراجيف في جرائم، وكم فككت الإشاعة والأراجيف من علاقات وصداقات، وكم هزمت الشائعة والأراجيف من جيوش، وكم أخرت الشائعة والأراجيف في سير أقوام.
وإن الشائعة لها أثر كبير على نفسية الإنسان، بل ربما يصل تأثيرها إلى دين المسلم وخلقه، ولها تأثير كبير كذلك على المجتمعات بأسرها، وقد تتسبب الشائعات في إسقاط دول وإقامة دول أخرى .
إن المستقرئ للتاريخ الإنساني يجد أن الشائعات وُجدت حيث وُجد الإنسان، بل إنها عاشت وتكاثرت في أحضان كل الحضارات، ومنذ فجر التاريخ، والشائعة تمثّل مصدرا قلقاً في البناء الاجتماعي والانتماء الحضاري لكل الشعوب والبيئات.
ولما جاء الإسلام اتخذ الموقف الحازم من الشائعات وأصحابها؛ لما لنشرها وبثها بين أفراد المجتمع من آثار سلبية على تماسك المجتمع المسلم، وتلاحم أبنائه وسلامة لُحْمته، والحفاظ على بيضته، بل لقد عدّ الإسلام ذلك سلوكا مرذولاً، منافيا للأخلاق النبيلة والسجايا الكريمة والمثل العليا التي جاءت بها وحثت عليها شريعتنا الغراء من الاجتماع والمحبة والمودّة والإخاء، والتعاون والتراحم والتعاطف والصفاء، وهل الشائعة إلا نسف لتلك القيم ومعول هدم لهذه المثُل؟!
كما حذر الإسلام من الغيبة والوقيعة في الأعراض، والكذب والبهتان والنميمة، والقالة بين الناس، وهل الشائعة إلا كذلك؟! وأمر بحفظ اللسان، وأبان خطورة الكلمة، وحرّم القذف والإفك، وتوعّد محبّي رواج الشائعات بالعذاب الأليم، فقال تعالى “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)).
كما نهى الإسلام أتباعه أن يطلقوا الكلام على عواهنه، ويُلغوا عقولهم عند كل شائعة، وتفكيرَهم عند كل ذائعة، أو ينساقوا وراء كل ناعق، ويصدّقوا قول كل دعيٍّ مارق، وقال رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله : ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع , ويقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: “اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع”؛ وذلك سدًّا للباب أمام الوشاة المغرضين ونقلة الشائعات المتربّصين، ومنعًا لرواج الشائعة والبلاغات المجهولة الكيدية المغرضة والأخبار الملفقة المكذوبة على البرآء الغافلين.
ومروّج الشائعة لئيم الطبع دنيء الهمة، مريض النفس منحرف التفكير، صفيق الوجه عديم المروءة ضعيف الديانة، يتقاطر خسَّة ودناءة، قد ترسّب الغلّ في أحشائه، فلا يستريح حتى يزبد ويُرغي، ويفسد ويؤذي، فتانٌ فتاكٌ، ساع في الأرض بالفساد، يؤذي البلاد والعباد.
*خطر الشائعات في زمن الحروب
وفي زمن الحروب نكون بحاجة لجهود ضخمة لمواجهة الشائعات، حيث يشكّل هذا الزمن بيئة حاضنة لانتشارها ووقوع الناس فريسة سهلة لها. وتكون أيضاً وسيلة مهمة من وسائل الحرب النفسية، سواء من خلال إضعاف معنويات الناس، أو نشر الخوف، والرعب وسوء الظن والإشكالات بينهم. كما تساهم في بثّ أجواء من عدم الثقة بين الأفراد في المجتمع، وبين هؤلاء والمسؤولين.
وفي ظلّ هذا التطوّر الهائل للمعلومات، أصبحت طرق نقل ونشر الشائعات أكثر وأقوى بكثير، ووسائل التأثير على الناس أشدّ خطورة، وخاصة أنّ بثّ الأخبار الكاذبة أسهل بكثير من تكذيبها. ولكنّ هذا الأمر لا يعفينا من واجباتنا في مواجهة الشائعات المغرضة التي تستهدف بثّ روح البلبلة والقلق والخوف والفتن في مجتمعنا, وخاصة ونحن نواجه عدوانا همجياً سعوامريكياً صهيونياً استخدم كل وسائله الممكنة لقتل شعبنا وتدمير وطننا ومن ضمن وسائله القذرة هي وسيلة الإشاعات التي وفر لها كل الإمكانات اللازمة مثل القنوات والمرتزقة ومن يسمون أنفسهم بالمحللين السياسيين والمراسلين وغيرهم .
فيجب علينا أن نكون يقظين مدركين لما يحاك ضدنا من قبل أعدائنا , وأن نواجههم بكل الوسائل المتاحة , وأن نكون صفاً واحداً ضد هذا العدوان البربري الهمجي على بلادنا .