> ناعي الأتراح يستمر في حصاد الجراح والأرواح
> مختصون : الغرامات المالية غير رادعة .. ولابد من عقوبات أشد
> مواطنون: مطلوب حزم وتكامل بين عقال الحارات وأقسام الشرطة
تحقيق / جهاد الحكيم
ليس وحده طيران العدوان السعودي الغاشم من يحيل أفراح اليمنيين إلى أتراح بقصفه الجبان صالات وخيام حفلات الزفاف. فنيران رصاص الاحتفال بالأعراس هي الاخرى لا تزال تحصد بالخطأ كثيرا من الأرواح وتخلف كثيرا من الجراح الغائرة في الأبدان وتثقل النفوس بالأحزان جراء تواصل فقد الأحبة والخلان!. لكن لماذا ؟! وكيف السبيل لإنهاء هذا العبث بالدماء والأرواح ؟! .. ذلك ما يتقصاه هذا التحقيق :
“إنها ظاهرة قديمة لا جديدة في مجتمعنا، ومنذ أن عرفنا أنفسنا وأهلنا وذوينا يطلقون النار في أعراسنا ومناسبات أفراحنا .. نعم يسقط دائماً ضحايا لهذه العادة التي تحول الأفراح إلى أتراح، لكنها لا زالت تتكرر من دون أخذ العبرة”.
هكذا تحدث محمد عبدالجليل (30 عاما) عن ظاهرة إطلاق النار في الأعراس وشتى المناسبات العامة والخاصة، وتواصل إبدال الأفراح بمآس وأحزان، مردها جراح غائرة في الأبدان وفي النفوس جراء فقد الأحبة والخلان بلا قصد!.
ربما كان مبرر إطلاق الأعيرة النارية قديما في حفلات الزفاف هو غاية الإشعار بمكان العرس ووسيلة إشهار للزواج في ظل انعدام مكبرات الصوت وقناديل الزفاف وغيرها مما أضحى متاحا ومتوفرا ويبطل دواعي الماضي لإطلاق الرصاص في الأعراس.
تنام ومبررات
خلال الأعوام الأخيرة اتسعت بصورة لافتة، وخاصة العامين الماضيين ظاهرة إطلاق النار في حفلات الأعراس، ولعل ما فاقم أخطارها ظاهرة انتشار حمل السلاح والتنقل به في عموم البلاد، وأن الأعراس غالبا ما تتم وسط أحياء مزدحمة ومناطق سكنية.
وبنظر مراقبين “فإن العدوان السعودي ساهم في اتساع ظاهرة حمل السلاح وفي تنامي ظاهرة رصاص الأعراس” .. معللين الحضور البارز للسلاح مؤخرا في الحياة العامة ب “ما يتعرض له الوطن من عدوان غاشم، الأمر الذي استلزم حمل السلاح للتصدي له ومرتزقته بجبهات عدة”.
تراجع الريف
عبدالله راجح، يرى أن ظاهرة إطلاق النار في الأعراس والمناسبات “شهدت تراجعاً في الأرياف خلال الأعوام الخمسة الماضية بعدما تكررت كوارثها الدامية وخلفت مآسي مريرة، وتم استبدالها بالألعاب النارية ذات الأصوات القوية والألوان المبهرة”.
لكن راجح يشير بأسف إلى أن هذا التراجع في الأرياف “قابله انتشار واسع في المدن، خلف مئات الضحايا وربما الآلاف خلال الأعوام الماضية جراء ممارسة هذه العادة وسط أحياء سكنية ومن قبل مراهقين لا يستطيعون التحكم بالسلاح”.
أرقام وآلام
آلام مريرة تظهرها الأرقام، فوفيات وإصابات إطلاق الرصاص في الأعراس والعبث بالسلاح مستمرة حسب إحصاءات وزارة الداخلية التي تفيد بأن ” 23 شخصا تتراوح أعمارهم بين 16-35 عاما أصيبوا بالرصاص وراجعها في شهر فبراير الماضي”.
ووفقا لبيانات الداخلية فإن هذه الإصابات “وقعت في 200 عرس شهدتها العاصمة خلال شهر واحد واحتجزت الأجهزة الأمنية في أمانة العاصمة 63 شخصا على ذمة إطلاق النار في هذه الأعراس وإحالتهم للإجراءات القانونية”.
ومع أن بيانات الداخلية لم تشر إلى تسبب هذه المخالفات في وفيات خلال فبراير، إلا أن ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس مستمرة و”ضبطت أجهزة الأمن في العاصمة خلال أسبوع واحد مطلع مارس الماضي 11 شخصا من المتورطين في إطلاق النار واستخدام المفرقعات في الأعراس”.
قصص مؤلمة
مآس عدة تتكرر من دون عظة أو عبرة يروي منها صادق العراسي قصة الطفل “علي” ذي الست سنوات: “قتل وسط العاصمة ذات ليلة شهدت إطلاقا كثيفاً للنار في حفلات أعراس عدة متزامنة أقيمت بحيهم شمال العاصمة صنعاء”.
ويضيف صادق: “لم يكن ذنب علي إلا أنه خرج لخدمة والدته وشراء احتياجاتها من محل قرب منزلهم، ليعود إليها جثة هامدة، بفعل راجع رصاصة أطلقها مستهتر بحياة البشر لم تعرف هويته ليأخذ جزاءه العادل والرادع لأمثاله المستهترين”.
أمراض وإجهاض
لا تتوقف آثار إطلاق الرصاص في الأعراس عند الإصابات بالرصاص وراجعها وفق حنان علي، التي اعتبرت أن “أضرار إطلاق النار في الإعراس لا تقتصر على الرصاص الراجع بل تمتد إلى حالات إجهاض تتعرض لها الحوامل جراء فزع إطلاق النار من أسلحة متوسطة”.
حنان مضت تقول:”يطلق البعض الرصاص من معدلات ورشاشات متباهيا بقوة أصواتها ناسيا أن هديرها مرعب للآمنين وقد يسبب أمراضا عضوية كالكبد وغيره أو أمراضا نفسية أو إسقاط الحوامل أجنتهن كما حدث لصديقتي جراء اختراق رصاصة نافذة غرفتها”.
حوادث مستمرة
الدكتور أكرم علي يعمل بقسم طوارئ أحد المستشفيات الخاصة في صنعاء، أكد لنا” استقبال حالات الرصاص الراجع بصورة شبه مستمرة وأنها تتعاظم خلال أيام الأعراس الأسبوعية الأحد والخميس جراء الإطلاق العشوائي للرصاص”.
وبحسب الدكتور أكرم فإن “درجة الإصابة تختلف بحسب تباين المسافة بين مصدر العيار والضحية ونوع العيار الناري”. منوها بأن ” الكثير من وقائع الإصابة برصاص الأعراس وراجعها تقيد ضد مجهول لتعذر معرفة الجاني” !.
ثغرات ضبطية
لا تنفك وزارة الداخلية تنظم حملات عدة للتوعية ولضبط مطلقي النار في الأعراس، إلا أن آلية الضبط الأمني لا تزال ناقصة بنظر الكثيرين الذين يأخذون على هذه الحملات “ضعف التنسيق مع عقال الحارات وعدم جدية كثير من العقال”.
ورغم أن شرطة العاصمة أعلنت “تخصيص 30 طقما في شهر مارس الماضي، وضبطها 53 متهما بإطلاق النار في الأعراس خلال أسبوع واحد فقط من شهر مايو، إلا أن العدد لا يزال ضئيلا مقارنة بما تشهده العاصمة والمدن اليمنية من مخالفات.
بينما يرجع مراقبون ومهتمون ضعف حملات الضبط إلى افتقاد العقوبات لسمة الردع،و من هؤلاء حمود ناجي (35 عاما) يقول: “انحصار العقوبات في الغرامات المالية للمخالفات لا يشكل رادعا فالغرامات بسيطة ويتعين سن عقوبات اكثر ردعا كالسجن مثلا”.
يعول “حمود” وكثيرون على تشديد عقوبة مخالفة حظر إطلاق الرصاص في الأعراس مضيفا: “باعتبارها شروعا في القتل أو شكلا من أشكاله وتهدد حياة وسلامة المواطنين علاوة على زعزعة سكينة المجتمع والأمن العام أيضا”.
حزم وتكامل
كذلك سامية محمد، ترى أن إنهاء ظاهرة إطلاق النار في الأعراس “يستلزم حزماً من عقال الحارات لا أن يكونوا متسترين على مرتكبيها، وتوقيع مقيمي حفل الزفاف تعهداً مسبقا بعدم إطلاق النار بناء على إبلاغ عاقل الحي قسم الشرطة بموعد إقامته”.
وتضيف سامية: “بموجب مثل هذه التعهدات يفترض أن تعقب دوريات من الشرطة على حفلات الزفاف وفي حال المخالفة تقبض على ولي أمر العريس وتعاقبه بدفع الغرامة وفترة حبس ليكون عبرة لغيره وإن كان من ضيوفه من أطلق النار”.
منظومة مكافحة
عملياً، يظهر لنا أن وزارات الأوقاف والإعلام والإدارة المحلية والداخلية تشكل منظومة معنية بمكافحة هذه الظاهرة التي تزهق الأرواح وتكلم القلوب، فالأولى مسؤوليتها إرشادية والثانية تحذيرية والثالثة رقابية والرابعة ضبطية وبشيء من الجدية والحزم يمكن تجنيب المجتمع ويلات ومآسي عدة.