> دروس في بطولات الذود عن الوطن
حرض /خالد مسعد
كثيرون جداً من وهبوا أروحهم ودماءهم فداء لهذا الوطن وهم في ميادين البطولة والشرف يدافعون عن عزته وكرامته وسيادته وتبقى ذكراهم عامرة في أذهاننا متوجة صفحات التاريخ بأعطر المواقف والتضحيات ومجسدة منهجا يقتدي به جميع أبناء الوطن..
الشهيد البطل الحداد
من هؤلاء الشهيد عبدلله الحداد من أبناء محافظة حجة، اختاره الله وأكرمه بالشهادة في ذكرى مولد النبي الأعظم عليه أفضل السلام وأزكى التسليم وعلى آله الكرام.. وهو يذود عن كرامة الوطن في جبهة حرض وسطر أروع الملاحم البطولية مثله مثل المئات ممن باعوا من الله أنفسهم واختاروا إلا أن يكونوا سياجا حاميا وحصنا حصينا للدفاع عن الوطن .
لفتت انتباهنا أثناء نزولنا الميداني لزيارة المرابطين في جبهات حرض وميدي وكانت ملصقة بأماكن عديدة من الجبهات والمواقع والشوارع والأطقم العسكرية، لذا كان لزوماً علينا أن نعرف قصة هذا الشهيد ولماذا يحظى بهذه المحبة والحفاوة من غالبية الناس؟؟..
فكان زملاؤه وجهتنا لنسألهم ونعرف قصة الحداد فقال لنا القاضي المجاهد عبدلله النعمي: الشهيد عبدالله الحداد رحمه الله كان مكلفا بمتابعة الأرتاب والمواقع التابعة لمديرية حرض والتنقل في ما بينها، وفي صباح أحد الأيام تفاجأ الشهيد ورفاقه بوجود علم العدو السعودي يرفرف على إحدى التباب اليمنية الحدودية (تبة البلبلة) بعد أن تسلل إليها بعض المرتزقة ليلا، ونصبوا عليها العَلَم السعودي، وفروا راجعين إلى حضن العدو .
يضيف النعمي: طبعا منظر العلم السعودي وهو يرفرف في الأرض اليمنية فوق حد ذاته استفز الشهيد عبدلله الحداد، وحرك بداخله الدم اليمني، والغيرة اليمنية، والحمية الوطنية، فأخبر رفاقه أنه لابد من إنزال علم العدو مهما كلف ذلك من ثمن.. ورغم محاولة رفاق الشهيد عبدالله الحداد، ثنيه عن قراره، لعلمهم أن العدو قد نصب العلم ككمين ولاستفزازهم بحيث يهرعون لاقتلاعه، بينما هو (أي العدو) قد جهز نفسه ليجعل من تلك التبة مصيدة لكل من يحاول الاقتراب من العلم، لاسيما وأن التبة القريبة جدا من جيزان كانت مكشوفة للطرفين بشكل كبير، وبشكل يجعل كل من يقترب منها يظهر بكامل جسمه أمام الطرف الآخر .
شجاعة قل نظيرها
غير أن الشهيد عبدلله الحداد لم تطاوعه نفسه أن يصبر وهو يرى علم دولة معادية يرفرف على جزء من تراب بلده وأرضه..
فتحرك بمفرده كالأسد -وبشجاعة ورباطة جأش قل نظيرها- نحو التبة المذكورة لإنزال علم العدو، وبمجرد وصوله التبة، رآه المرتزقة، وعرفوا أن الشهيد ينوي إنزال العلم السعودي، فصبوا عليه وابلا من الرصاص، ومن أماكن متفرقة، لكن إصراره وقوة عزيمته كانت أكبر من كل ذلك، فقد وفقه الله، وحقق له مراده ونجح بكل قوة واقتدار في إنزال العلم السعودي، قبل أن يسقط شهيدا فور ذلك على تراب وطنه، وعلى رأس التبة، ليكون دمه الطاهر سياجا منيعا لذلك لمكان، وماردا مخيفا لكل المرتزقة وجنود العدو فلم يجر ومنذ تلك اللحظة على اعتلاء التبة.. فقد هالهم الموقف ولم يتوقعوا أن يصمد ذلك المجاهد حتى إنزال علم العدو.
كان الشهيد الحداد يعلم أنه كمين نصب له ولرفاقه ولكن غيرته على وطنه آثر نفسه من أجل تطهير بقعة من بقاع اليمن حاول العدو ومرتزقته أن يجعلوها هدفا لنيرانهم لقتل الكثير من المجاهدين ولكن تضحية الحداد أصابتهم بمقتل وجعلتهم في ذهول.
منهج الجميع
أسس الشهيد عبدالله الحداد منهجا بطوليا ينهل منه الجميع وأسس مبادئ حية وواقعية عن حب الوطن والتضحية من أجله.. وكانت الشاهدة والواقعة حديث الناس وأعطت دفعة قوية للمجاهدين والمرابطين وتوزعت صوره على المباني والسيارات والمحال التجارية والحكومية .
رحل الشهيد عبدلله الحداد إلى جوار ربه، ليعطينا درساً من دمه الطاهر عن المعاني الصادقة في حب الوطن ووجوب الدفاع عن كرامته واستقلاله .
مواقف المئات من الشهداء سطروا مواقف عظيمة في تلقين العدو ضربات موجعة ودروسا قاسية في مختلف جبهات القتال ولا مجال لانتقاص أحد أو تغييب موقف أحد فقد أكرمهم الله بالشهادة واختارهم إلى جواره وهم مدافعون عن الوطن وسيادته فهنيئا لهم هذا التتويج وهذه المنزلة والجهاد أمر حتمي وفرض واجب على كل أبناء اليمن .
أطلال وبقايا دمار
من يزور مدينة حرض سيلاحظ صور الشهيد الحداد معلقة في مختلف المباني المدمرة التي طاولها العدوان بحقده ووحشيته وتحوله المدينة من بوابة لاستقبال ووداع المسافرين إلى مدينة أشباح لم يعد يوجد بها سوى أطلال الدمار التي تعتبر وصمة عار في جبين قادة العدوان الذين استهدفوا البشر والشجر والحجر وسفكوا دماء الصغير قبل الكبير والمرأة قبل الطفل.. إلا أن صور الشهداء لم تهتز ولم تتزحزح من أماكنها وستبقى شاهدا على وطنية وولاء أبناء اليمن لوطنهم وتقديمهم أرواحهم رخيصة للدفاع عنه وأنموذج بسيط لملايين الفدائيين من أجل بلدهم.
قد يعجبك ايضا