مراقبون: “الانقلاب” كشف تركيا على حقيقتها
عواصم / وكالات
لا يبدو أن “الانقلاب الفاشل” في تركيا سيمر من دون تأثيرات كبيرة على النظام القائم، حيث أن هناك ظهر تداعيات كثيرة بدأت تتواصل في تركيا ومحيطها لما عرف بـ”الانقلاب الفاشل” الذي يرى مراقبون دوليون وإقليميون أنه لن يمر من دون تأثيرات كبيرة على النظام التركي القائم وسياسته على الصعيدين الداخلي والخارجي، معتبرين أن “الانقلاب الفاشل” كشف التناقض بين الواقع والطموحات وكان بمثابة مرآة كشفت حقيقة تركيا.. ويؤكد مراقبون أن “تركيا ما بعد الانقلاب “. لن تكون كما كانت عليه قبله وذلك لأن الحدث بمجرياته الدموية والعنيفة غير الكثير من المعطيات، وأظهر البون الشاسع بين أحلام أردوغان وحزب العدالة والتنمية وإمكانيات تركيا الحقيقية في أوضاعها الراهنة”.
هذه الحالة عكستها تصريحات المسؤولين الأتراك التي وضعت كل شيء تحت ما تسميه “المراجعة وإعادة الحسابات” وخاصة الصدام المجاني مع روسيا، والموقف من سوريا ودول الجوار، وقد يجد الحزب الحاكم نفسه مضطرا إلى اتخاذ مواقف جديدة تقلب الكثير من المعادلات الإقليمية والدولية لتفادي مصير حزب الرفاه الذي أزاح الجيش عام 1997م رئيسه ورئيس الوزراء نجم الدين أربكان في انقلاب هادئ.
وعلى الرغم من بدء اردوغان في استثمار الانقلاب في ما سماه “تطهير الجيش ومؤسسات الدولة” من خصومه بنشاط أكبر، وهو ما يجري الآن بشكل واسع، إلا أن ذلك لا ينفي أنه سيكون مجبرا على إعادة النظر في مواقفه السابقة وخاصة الخارجية للتكيف مع الوضع الراهن والاستعداد لمواجهة الأخطار المحدقة بالنظام والتي لا يمكن إزالة أسبابها بسهولة في وقت قياسي.
ومن المرجح بنظر مراقبين اقليميين ودوليين أن “يواصل اردوغان ترسيخ بديله الإسلامي في أركان الدولة العلمانية، لكنه سيفعل ذلك الآن وهو على الأرض بعيدا عن الأجواء العالية التي كان يحلق في جنباتها بثقة زائدة فيما سبق، وكما تدل الوقائع فإنه وحزبه يفعلان ذلك باستعجال لوقف تصدع أركان الدولة وتفادي وقوع انقلاب ثان”.
وظهرت تجليات هذا التصدع قبل ليلة “الانقلاب” بفترة طويلة، منذ أن بدأ الإرهاب المزدوج يضرب المدن التركية والسورية والعراقية وعودة الحرب مع حزب العمال الكردي.
تداعيات متوقعة
من بين المضاعفات الخطيرة للانقلاب الفاشل التي ستزيد من عبء النظام في تركيا وستؤثر على مواقفه يشير مراقبون اقليميون ودوليون إلى النقاط والاحتمالات التالية:
1 – ستزداد لاحقا أقفال باب الاتحاد الأوروبي الموصد أمام تركيا بإحكام، بسبب أعمال العنف والاقالات والاعتقالات والإجراءات القاسية والممارسات التي ارتكبت أثناء وبعد إجهاض الانقلاب..
2 – انقسام المؤسسة العسكرية التركية، واهتزاز هيبتها ودورها التقليدي الحاسم، وتعرض قسم منها لممارسات مهينة، قد تكون لها مضاعفات خطيرة بغض النظر عن هوية القائمين على الانقلاب.
3 – سيكون على أردوغان وحزبه خفض سقف طموحاتهم الخارجية والتركيز على إعادة ترتيب البيت الداخلي، بما في ذلك ربما إعادة النظر في الموقف من النظام القائم في سوريا ، لوقف تداعيات الأزمة السورية الأمنية على الوضع الداخلي، بخاصة مع استعصاء إنهاء الأزمة بإسقاط الأسد.
4- كشفت الأزمة بشكل جلي عبثية إسقاط القاذفة الروسية فوق سوريا، وإفساد العلاقات مع موسكو مجانا والتضحية بتعاون اقتصادي وسياسي وأمني حيوي لأنقرة.
5- كانت المحاولة الفاشلة بمثابة مرآة ظهرت فيها تركيا على حقيقتها بكل نقاط ضعفها الخفية بما في ذلك هشاشة أوضاعها العسكرية والسياسية والأمنية وإمكانية تعرضها برمتها للعطب والاهتزاز بشدة، وهو ما يناقض الانطباع الذي روج له في السنوات الأخيرة عن تركيا “القوية والمزدهرة واللاعب الإقليمي الهام الذي يتحدى اسرائيل ويتحرش بروسيا”.
انكفاء داخلي
وبطبيعة الحال لن يغير أردوغان جلده، لكنه وفق توقعات مراقبين “سيكيف طموحاته ومواقفه بطريقة جديدة، وفيما سيندفع في تطهير الداخل وتأمين نظامه، والتسريع بـ”إصلاحاته” الدستورية، إلا أنه من جهة أخرى سيكبح طموحاته السورية وسيكون مجبرا على فرض سيطرة أكبر على حدود بلاده مع سوريا للحد من عبور المسلحين، لمنع انتقال عدوى العنف واستشرائه في الأراضي التركية”.
ومن المرجح أن يحتفظ أردوغان بعدائه الشديد للأسد، إلا انه سيتفرغ أكثر للعمل ضد الأكراد في مناطق شمال سوريا، وسيفعل كل ما بوسعه لتطبيع العلاقات مع موسكو، والتوصل معها إلى تفاهمات بشأن القضايا الخلافية بما فيها الأزمة السورية.
وستحاول القيادة التركية في الوقت ذاته استثمار الأوضاع الجديدة التي تمخض عنها ما يعرف بالربيع العربي وخاصة في الدول البعيدة مثل ليبيا.
وهي ستنشغل بشؤونها الداخلية وبمستجدات أوضاعها المحلية، وستكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي استحقاقات أو ردود أفعال على إجراءاتها لتطهير البلاد مما تسميه حكومة اردوغان”الطابور الخامس” و”التمكين” لإيديولوجية الحزب وفرضها على أنقاض الدولة العلمانية، وهو هدف يحتاج تحقيقه إلى سنوات طويلة، وربما إلى تجاوز أكثر من انقلاب.